د.خالد محمد غازي
مض نحو 17 عاما من مفاوضات السلام المتعثرة منذ أن وقّع الجانبان (الفلسطيني والإسرائيلي) على اتفاق أوسلو العام 1993، إلا أنه لم يَجْرِ التوصل إلى حل أو تسوية حقيقية على أرض الواقع؛ فدائما ما تكون المحادثات صعبة وتنتهي بالفشل، نظرا للخلافاته الشديدة بين الجانبين بشأن قضايا عديدة من أبرزها القدس وعودة اللاجئين والمستوطنات اليهودية.
وما زال هناك شك بإمكانية تحقيق أي نتائج إيجابية في جولات المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؛ رغم نيلها دفعة دبلوماسية قوية من الرئيس الأميركي باراك أوباما، وتصب الشكوك جميعها في خانة إسرائيل وحكومة نتنياهو التي لم تكشف عن جديتها في الوصول إلى نتائج ملموسة؛ بخاصة مع تجدد أحداث عنف في الضفة الغربية المحتلة على يد الجيش الإسرائيلي.
فعلى إثر اجتماع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مقر وزارة الخارجية الأميركية لاستئناف المحادثات المباشرة بعد تجميد لمدة عشرين شهراً، طرح المراقبون علامات استفهام في مقدمتها، الخلفية التي على أساسها يتم استئناف المحادثات المباشرة؟ ولماذا بذلت الولايات المتحدة كل هذا الجهد لدفع المحادثات قدما؟ وهل تتجنب هذه الجولة من المحادثات تكرار الدخول في دائرة اليأس؟
ويذهب بعضهم إلى أن هنالك عددا من الأسباب تدعو إلى التشاؤم إزاء هذه المحادثات، إذ إن كلا الجانبين يبدو غير راغب في تقديم تنازلات كبرى.. كما أن كلاًّ منهما ذهب إلى الولايات المتحدة لإرضاء واشنطن.. بينما يرى آخرون أنه ربما تكون هناك بارقة أمل، بخاصة أن الجانبين يدعمان الحل الخاص بإقامة دولتين، كما أن وتيرة العنف على الأرض تراجعت، فضلاً عن شعور كل جانب بالإنهاك بسبب الصراع؛ ويحاول الجانبان وفق الفترة الزمنية التي حددتها إدارة أوباما التوصل في غضون عام إلى اتفاق يقيم دولة فلسطينية مستقلة ويوفر الأمن لإسرائيل. لكن هذا الموعد –ضمن الجدول الزمني المقرر- طَموح للغاية؛ لأن الجهود التي بذلتها الإدارات الأميركية السابقة لسنوات عديدة وعبر جولات كثيرة من المفاوضات والمباحثات، والمراوغات أيضا، فشلت في الوصول إلى تسوية للصراع.
الضعف بلا شك ينتاب القيادة الفلسطينية؛ بسبب الخلاف بين حركتَي “فتح” و”حماس”، ويبدو أن رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس ليس لديه أي خيار سوى ما تطرحه واشنطن، وفيما يرى بعضهم أن أوباما نجح في وضع القضية من جديد ضمن دائرة الاهتمام، فإن هذا لا ينفي وجهة النظر التي ترى أن احتمالات نجاح المحادثات ضعيفة للغاية؛ إذ لا تتعدى لدي كثيرين نسبة 1 في المئة. وتتوقع الأغلبية الفشل لهذه المحادثات.
ومن المؤكد أن تغيير هذه المعادلة لترجيح كفة النجاح مرهون بمعطيات كثيرة، غير موجودة على أرض الواقع، وليست في متناول أوباما، ومن بينها تعنت نتنياهو المتوقع مع دخول المحادثات مرحلة الجد، ورفضه الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، ولا يمكن إغفال تأثير أعمال العنف من الجانب الاسرائيلي وردود الأفعال الفلسطينية التي بدأت تعود إلى الواجهة مع انطلاق المفاوضات.
وقد اعترف سفير إسرائيل لدى واشنطن “مايكل أورين” ، قبل بدء المحادثات، بأنها لن تكون سهلة، في نواح كثيرة؛ إذ تعدّ قضية القدس مثلا حساسة ومعقدة للغاية، كما أن الجانب الفلسطيني يصر على أن توقف إسرائيل بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية.
ومن المقرر أن ينتهي تعليق بناء المستوطنات الذي استمر لمدة عشرة أشهر، وكان نتنياهو قال خلال اجتماعه مع وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون، إنه لا يعتزم تمديد تجميد بناء المستوطنات، بيد أن رئيس السلطة الوطنية محمود عباس وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات، أكدا أنه إذا واصلت إسرائيل بناء المستوطنات، فإن المحادثات المباشرة سوف تنهار، كما يعدّ انعدام الثقة بدرجة كبيرة بين الجانبين من أكبر العقبات التي ما تزال قائمة في طريق مسعى أوباما لتحقيق حل الدولتين الذي فشل في تحقيقه كثير ممن سبقوه ممن تعاقبوا على البيت الأبيض.
وفي ظل هذه المخاوف، أطلق المحلل البريطاني “روبرت كورنويل” عبر صحيفة “اندبنتنت”، تحذيرا لأوباما بأن اثنين من أسلافه على الأقل أخفقا في تحقيق هذا الهدف، وأن هناك قائمة طويلة بأسماء الأماكن المرتبطة بجهود السلام منذ حرب الخليج 1991؛ مدريد وأوسلو وواي ريفر وشرم الشيخ وكامب ديفيد وطابا، وآخرها أنابوليس، إلا أن هناك أمرا مشتركا بينها، هو الفشل، وتصرّ مجموعة آخذة بالتناقص من المتفائلين على أن “الأمور مختلفة هذه المرة”.
وأوضح “كورنويل” أن هدف أوباما هو نفسه حل الدولتين الذي سعى إليه من قبله الرئيسان السابقان كلينتون وبوش، والذي يستند إلى اتفاق حول القضايا المحورية (الأمن والحدود واللاجئين الفلسطينيين ووضع القدس). كما أن الخطوط العامة لأي تسوية نهائية قابلة للاستمرار، وهي معروفة منذ وقت طويل؛ وتتلخص في: حدود آمنة ربما تراقبها قوات خارجية، عودة معظم مساحة الضفة الغربية إلى الفلسطينيين، مع مبادلات أرض للمناطق التي أقيمت عليها الكتل الاستيطانية التي لا تريد إسرائيل إخلاءها، وسيكون هناك حق عودة رمزي تماما للاجئين إلى داخل إسرائيل، بينما تشارك الدولتان في القدس كعاصمة لكل منهما.
ولا شك أن أوباما سعى إلى معرفة آراء ضيوفه خلال اجتماعاته الثنائية معهم، بشأن صيغة حل وسط يرضي الجانبين، ولكن ليس هناك ما يضمن التوصل إلى حل وسط. ويبدو تصميم أوباما سلاحا ذا حدين، نعم، إنه يتصرف في وقت مبكر من رئاسته أكثر بكثير ما فعله سلفاه، وهذا ينطوي على مجازفات، لأن الرئيس أوباما عندما يخوض الجولة الثانية لإعادة انتخابه في 2012 لا يريد بالتأكيد أن يضيف اللوبي الأميركي المؤيد لإسرائيل إلى قائمة خصومه.
وفي هذا السياق، حلل “مارتين إنديك”، نائب رئيس ومدير قسم السياسة الخارجية بمؤسسة بروكينجز (مقرها واشنطن)، الأسباب التي تقف وراء رغبة الولايات المتحدة لإنجاح هذه المحادثات،. فهوى يرى أن إسرائيل وبعض الدول العربية حلفاء للولايات المتحدة، وسيسبب الصراع العربي-الإسرائيلي توترا في علاقات الولايات المتحدة مع الإسرائيليين والعرب. كما أن الاستقرار في الشرق الأوسط يعدّ أمرا بالغ الأهمية للتدفق الحر للنفط بأسعار معقولة إلى الغرب، فما دام الصراع مستمرا، فهنالك دائما احتمال لحدوث انفجار في المنطقة، الأمر الذي يهدد أسعار النفط. ويشير إنديك إلى أن الولايات المتحدة في حالة حرب مع “القاعدة”، التنظيم الذي يستغل الصراع كوسيلة لتشويه صورة الولايات المتحدة في العالم الإسلامي.
ويعتقد إنديك أن حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني أفضل وسيلة لإظهار أن الأسلوب الأميركي يشهد نجاحاً، وأن حل الصراع يمكن أن يعرقل خطة إيران لاستخدامه كوسيلة للخروج من العزلة التي فرضتها عليها الولايات المتحدة إلى حد كبير.
ويذهب إنديك إلى إن بيئة المفاوضات المرتقبة تصب في مصلحة السلام أكثر من أي وقت مضي في العقد الأخير.. وأن جهود السلام تعتمد على قوة الإرادة لدى الزعماء، وأن وتيرة العنف التي شهدتها المنطقة في تسعينيات القرن الفائت تراجعت، كما أن السلطة الوطنية الفلسطينية تحافظ على النظام في الضفة الغربية لصد أية هجمات على الجانب الإسرائيلي، وقد أثبتت في هذا السياق أنه من الممكن الاعتماد عليها كشريك في المفاوضات.
وأشار إنديك إلى أن هنالك تباطؤا في بناء المستوطنات الإسرائيلية نتيجة قرار التجميد الجزئي لمدة 10 أشهر الذي اتخذته إسرائيل، موضحا أنه بعد رفض نتنياهو تمديد القرار، فمن الممكن للجانبين أن يتواصلا إلى حل وسط إذا قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بتقييد البناء في المناطق التي يمكن استيعابها في إسرائيل بعد التوصل إلى اتفاق؛ لأن الناس في الجانبين –كما يرى- يؤيدون أيضا حل الدولتين.
أما “روبرت دانين”، المحلل بقسم دراسات الشرق الأوسط وإفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الامريكية ؛ فيؤكد أن الثقة غائبة في العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية، إذ إن الانتفاضة الثانية 2002 -2003 لم تسفر فقط عن مصرع الآلاف من الجانبين، بل أدت أيضا إلى تضاؤل الشعور بين كثيرين بأن تحقيق السلام أمر ممكن.