د.خالد محمد غازي
لاشك أن هناك مؤسسات وأشخاصا وجهات إعلامية يستخدمون خطاب الانقسام من أجل حفر هوة بين الأمريكيين المسلمين وبقية المجتمع وأخذوا ينفخون الرماد لتشتعل نار العداوة لكل ما هو إسلامي. أحيت الولايات المتحدة الأمريكية ذكري مرور تسعة أعوام علي اعتداءات 11 سبتمبر 2001 في أجواء سادها الترقب والتعصب والتشنج بعد تهديد قس أمريكي بإحراق مصاحف ومطالبته بنقل موقع تشييد مسجد بعيدا عن محيط موقع الهجمات في نيويورك. وحسب ما تقول صحف أمريكية فإنه تجري عملية إعادة بناء موقع – برجي التجارة العالميين – في نيويورك ؛ ويتم تشييد أربع ناطحات سحاب عملاقة الي جانب محطة كبيرة للقطارات والسيارات. ويفترض أن يتم في العام المقبل تدشين البرج الأول الذي سُمي أولا “برج الحرية”freedom tower)) وبني 36 من طوابقه الـ106، ونصبا لأحياء ذكري الضحايا. وفي مكان البرجين سيقام شلالان وسط حديقة تضم 400 شجرة بلوط، زُرعت 16 منها حتي الآن.ومع مرور الذكري المؤلمة من جراء هذا العمل الإرهابي الذي راح ضحيته الأبرياء والذي ترفضه الإنسانية وينبذه أي دين من الأديان.. تُثار علي الساحة الأمريكية بل والعالمية قضايا جديدة من بينها مشروع بناء مسجد قرب موقع اعتداءات سبتمبر 2001 في نيويورك؛ وهذا المشروع يلقي دعما من رئيس بلدية نيويورك مايكل بلومبرج والرئيس الامريكي باراك أوباما لكن معارضيه يرون أنه يشكل “إهانة”.. وهذا بطبيعة الحال يزيد من مخاوف تصاعد “الإسلاموفوبيا”. ويبدو الجدل المستعر حول مشروع بناء مركز إسلامي قرب “جراوند زيرو” موقع اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001 حيث كان ينتصب برجا مركز التجارة العالمي في نيويورك، أحد المحاور الرئيسية لهذه المشاعر التي لا تدل أي مؤشرات علي انحسارها.
وآخر الأمثلة علي ذلك خطة مجموعة مسيحية أصولية صغيرة إحراق المصاحف في يوم ذكري 11 سبتمبر في فلوريدا جنوب شرق الولايات المتحدة.
ولاشك أن هناك مؤسسات وأشخاصا وجهات إعلامية يستخدمون خطاب الانقسام من أجل حفر هوة بين الأمريكيين المسلمين وبقية المجتمع؛ وأخذوا ينفخون الرماد لتشتعل نار العداوة لكل ما هو إسلامي . وقد طلب مسؤولون دينيون مسيحيون ومسلمون ويهود من وزير العدل ايريك هولدر إعلان أن كل الأعمال المعادية للمسلمين ستلاحق بلا هوادة.
كما أن الكثير من المسلمين في أمريكا يقولون إنهم لم يشعروا بهذا القدر من غياب الأمان منذ الأيام التي تلت 11 سبتمبر؛ هذا رغم جهود الرئيس السابق جورج بوش الذي أعلن بعد الاعتداءات فوراً أن المسلمين ليسوا أعداء. لكن مع وصول الرئيس الأمريكي باراك أوباما الي البيت الأبيض مطلع 2009 أثار تشنج بعض الامريكيين الذين يعتقد 24 بالمئة منهم خطأ أن رئيسهم مسلم. وفي منتصف أغسطس الفائت، دافع أوباما عن حق بناء مسجد قرب “جراوند زيرو” قبل أن يتراجع في اليوم التالي ليقول إنه لم يكن يعلق علي صوابية المشروع.
وقد أكد الرئيس الأمريكي بارك أوباما في كلمته في الذكري التاسعة لهجمات 11 سبتمبر أن الولايات المتحدة لن تكون “أبداً في حرب ضد الإسلام”.
ودعا مواطنيه إلي تجنب الجنوح إلي “الانقسام” و”الحقد”، في ذكري هجمات سبتمبر، التي تميزت بمظاهرات معادية للإسلام. وقال: “غالباً في أوقات مثل هذه ما يحاول البعض زرع الحقد وتقسيمنا علي قاعدة اختلافاتنا، وتعميتنا عما لدينا من أمور مشتركة”، في إشارة إلي الجدل الذي أثاره القس الأمريكي تيري جونز، إثر تهديد أطلقه بإحراق نسخ من مصاحف في فلوريدا (جنوب شرق)، إلا أنه عاد وتراجع عنه.
الأمر المفجع هو أن المواطن الأمريكي العادي لا يعرف شيئا عن الإسلام، من واقع أن الإدارة الأمريكية نفسها لا تسعي إلي هذا الأمر؛ لأنه لا يعنيها ولا يشغل بالها.. لكنه يشغل بال اللوبي اليهودي وجماعات الضغط في المجتمع الأمريكي لتشويه صورة العرب والمسلمين.. الإعلام الأمريكي مشغول بكل ما يعني المواطن الأمريكي ويشغله تماما فحادثة سرقة منزل أو سرقة سوبر ماركت تعنيه أكثر من معرفة تفاصيل ما يجري بخصوص الصراع العربي الإسرائيلي.. أو المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة.
وهو أيضا لا يعرف عن الإسلام شيئا في ظل انحسار اهتماماته داخل همومه وحياته اليومية المعاشة؛ لكنه عرف الإسلام عندما حدثت هجمات سبتمبر .. فأصبح الإسلام عنده مرادفا للإرهاب .. ولم يسأل المواطن الأمريكي نفسه : هل تتحمل أمة ودين وزر جماعة منهم وظفت الدين لأغراض سياسية أو انتقامية وفسرته علي هواها؟ من المؤكد أن أحدا لم يسأل؛ لأن السؤال بوابة المعرفة وهم لا يريدون المعرفة. إن ما يحدث في أمريكا تجاه المسلمين يجعلنا نقف أمام عدة حقائق:
أولا: أن توجهات الرأي العام الأمريكي تساهم في صياغتها السياسة الخارجية للدولة؛ وأن موقف السياسية الخارجية الأمريكية من القضايا العربية الإسلامية موقف المتخاذل وإن ساهم في تفعيل أمر أو بلورة موقف؛ فهو ليس في خدمة العرب ولا المسلمين إنما هو في خدمة المصالح الأمريكية.
ثانيا: أن مصالح الأمة الأمريكية تتلاعب فيها وتحرك خيوطها جماعات الضغط والإعلام الإسرائيلي المهمين علي الكثير من مقاليد الأمور الأمريكية.. من تجارة وتصنيع وإعلام.
ثالثا: أن توجهات الرأي العام الامريكي تجاه القضايا العربية هي توجهات غائبة ؛ لأن الرأي العام الامريكي لا تصله الصورة الحقيقة لما يجري من أحداث ؛ ولأنه لا يعرف من هم المسلمين ولا الإسلام.. وأن ما يصل إليه إنما صورة مشوهة؛ وكأن أصحاب هذه الصورة يريدون أن تكون بهذا الشكل السيئ والمشوه.
رابعا : تبدو حاجة العرب والمسلمين ماسة وحيوية لتطوير طريقة تفكيرهم في التعامل مع المجتمع الأمريكي؛ ومحاولة تصحيح صورتهم والوسيلة المؤثرة في ذلك هو الإعلام بشتي فنونه من صحافة وراديو وتليفزيون وكتب ومواقع إخبارية وغير ذلك .. كذلك لابد أن يعني صناع السياسة الخارجية في الدول الإسلامية والعربية بتصحيح الصورة المغلوطة والغوائية الإرهابية التي انطبعت في مخيلة الأمريكي الذي لا يعرف شيئا عن مجتمعاتنا ولا ديننا.. الأمر إذن يتعلق بجوهر الدين صانع هوية هذه الأمة.. هذا الجوهر هو الذي ينبذ العنف ويدعو للتعايش والسلم.. والحوار بين الحضارات والأديان.