الاغتيالات على طريقة الإخوان

 

د. خالد غازي   

منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين التي أسسها الشيخ حسن البنا عام 1928، كان العداء للقضاء والتشكيك في نزاهته راسخا لا يتزحزح، وكان الاغتيال أحد أسلحة الإخوان للتخلص من خصومهم لإخفاء الحقائق، وقد شكّل اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، حلقة من سلسلة الاغتيال التي شهدتها مصر منذ نشأة الإخوان حتى الآن، وأعادت الحادثة للأذهان واقعة اغتيال القاضي أحمد بك الخازندار في مارس 1948.

 

(1)

هنا معادلة معكوسة، فالقضاء المصري بكل تاريخه يتربع على قمة من الشموخ أساسها “إقامة العدل” بشكل صارم، والعدل هو جوهر الإسلام الحنيف، فلماذا يعادي المسلمون من الإخوان المسلمين من الحافظين لجوهر الإسلام من القضاة؟ ولماذا يرون عدالة في قتل الحافظين لعدالة الدين؟ معادلة معكوسة لا سبيل إلى حلها، إلا أن يكون قتلة المنتصرين للإسلام ليسوا أصلا بمسلمين، فإذا تمادينا قليلا مع الفكرة تكشفت لنا الحقيقة المفزعة المتمثلة في أن تلك الجماعة – جماعة الإخوان المسلمين – التي تعادي الإسلام وتعتدي على رموزه قد اختارت صفة “المسلمون” لا لشيء، إلا لأنهم يدركون أن البسطاء الطيبين الممثلين لغالبية الشعب المصري بسبب وازعهم الديني يتمسكون بقوة بأي شعار يدخل ضمنه كلمة “الإسلام”، حتى وإن كان شعارا زائفا طمعا في ضم الناس جميعا إلى جماعتهم ولو بالخداع.

وبمرور الوقت، أصبحت هذه الفئة المضللة تمثل أغلبية الجماعة، وأفظع من هذه أنها هي التي تتولى تفريخ المضللين الجدد من الشباب الذي يفجر نفسه بعد أن يتسلم مفتاح الجنة من المخادعين، وبمرور الوقت أيضا أصبح للإخوان “إسلام” ليس هو إسلامنا الحنيف، فإذا قال قائل: “بل هو انتقام من الذين يصدرون أحكام الإعدام العادلة عليهم” احتار في إجابة سؤال آخر: “ولماذا يقتلون الأبرياء من المارة في الشوارع حين تنفجر فيهم عبوة ناسفة؟” أو لماذا أبعدوا كل من ليس منهم ظلما وعدوانا ورشقوا مكانه إخوانيا فاجرا؟ أليس هذا قتلا آخر للناس والدولة والتاريخ؟ واستطرد قليلا لتقديم هذا النموذج للقتل العمد، بلا سبب ولا دافع انتقامي، وإنما فقط هو قتل من أجل القتل.

 

(2)

بعد 71 عاما على رحيل المطربة “أسمهان”، كشف ثروت الخرباوي، القيادي المنشق عن الإخوان مفاجأة، تتمثل في تكليف وأمر صادر من حسن البنا بقتل المطربة لأنه كان يعتبرها –حسب ما يزعم البنا – كافرة وتعمل مع أعداء الوطن لحساب المخابرات الألمانية والإنجليزية، فضلا عن اشتغالها بالغناء وسوء سلوكها.

وتعود القصة إلى رغبة أسمهان في الاستجمام لشعورها بالإهارق والتعب بسببب تصوير فيلم “غرام وانتقام”، وطلبت من سائقها الخاص حجز تذكرة في القطار السريع إلى مدينة رأس البر، لكن السائق أخبرها أن جميع التذاكر محجوزة، وعندما طلبت السفر بالسيارة، أخبرها أنها لا تتحمل مثل هذا المشوار الطويل، ولم تجد أسمهان أمامها سوى الاتصال بالفنان يوسف وهبي، الذي أمر بسيارة وسائق من استديو مصر تقلّها إلى رأس البر، وكان الإخوان لديهم سائق خاص داخل الاستديو ينقل لهم تحركات الفنانين، وعندما حانت اللحظة استقبل السائق أوامر البنا بترحاب لتنفيذ المهمة المكلّف بها.

وخلال الرحلة وعند اقتراب السيارة من “ترعة الساحل” التي تقع بين طلخا ودمياط، وجه السائق عجلة القيادة إلى الترعة، وألقى بنفسه خارج السيارة، وذهبت الفنانة أسمهان إلى مثواها الأخير عام 1944.

 

(3)

أقرب ما يلجأ إليه تنظيم الإخوان عندما تضيق عليه السبل هو طريق التخلص من الخصوم، حيث تصمت الأصوات ويتحدث الرصاص، ففي أربعينيات القرن الماضي قام التنظيم السري للجماعة بسلسلة اغتيالات طالت رموز الدولة، ومن أشهرها عملية اغتيال المستشار “أحمد بك الخازندار”، عندما كان ينظر قضية كبرى تخصّ تورّط جماعة الإخوان المسلمين في تفجير “سينما مترو”، حينها صرخ حسن البنا في اجتماع الإخوان قائلا: “لو حد يخلّصنا منه”، وكانت تلك الصرخة بمثابة الضوء الأخضر لاغتياله، حيث لقي مصرعه أمام منزله في حلوان، في صباح 22 مارس 1948، عندما كان متوجها لعمله، على أيدي محمود زينهم وحسن عبدالحافظ، سكرتيرا حسن البنا.

وحاول البنا التبرؤ من هذا العمل قائلا: “إن الجناة ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين”، ودعا أعضاء جماعة الإخوان إلى الامتناع عن العنف والتخويف، وفي ديسمبر 1948، أصدرت الحكومة قرارا بحل جماعة الإخوان ومصادرة مقراتها، وكانت الشرطة قد اكتشفت مخابئ للأسلحة والذخيرة التي تراكمت لدى الجهاز السري للإخوان، لكن قيادات الجماعة بررت وقتها أن هذه الأسلحة كانت تستخدم خلال الحرب العربية الإسرائيلية.

وكان رئيس الوزراء “محمود النقراشي” هو الضحية الثانية للإخوان، بعد قراره بحظر جماعة الإخوان في أعقاب موجة من الاضطرابات والهجمات ضد المنشآت التجارية المختلفة، وبعد ثورة 1952، اتهم الإخوان المسلمين أيضا بمحاولة اغتيال الرئيس جمال عبدالناصر في الإسكندرية عام 1954.

 

(4)

تظل الاغتيالات وسفك الدماء منهجا راسخا في أدبيات شيوخ الإخوان، حتى يصلوا إلى مبتغاهم ويحققوا هدفهم، وليس أدل على هذا النهج إلا ما قاله سيد قطب في مذكراته: “الاغتيالات وسيلة لحماية الحركة من الاعتداء عليها، وهذه الحماية تتحقق من خلال وجود أشخاص مدربين تدريبا فدائيا، ويكون تدخلها وجوبيا عند الاعتداء على الحركة والدعوة والجماعة، من أجل ردّ الظلم والاعتداء”.

وقال محمود الصباغ، عضو التنظيم الخاص للجماعة في كتابه “حقيقة التنظيم الخاص”: إن الإسلام سنّ أسلوب الاغتيالات في مواجهة الخصوم”.

وقال محمود عساف، القيادي الإخواني في كتابه “مع الإمام الشهيد”، “قيادات الإخوان كانت تمدح في الخفاء من يقومون بالاغتيال أو قتل المسؤولين، وهو ما يدل على عمق رضاهم عن سفك الدماء وتبرير الغاية”.

ولعل ما كشفت عنه الأجهزة الأمنية مؤخرا من تورط جماعة الإخوان المسلمين في اغتيال النائب العام في مصر هشام بركات، ومن خلال اعترافات موثقة أدلى بها المتهمون من جماعة الإخوان المسلمين، ظهر أن عناصر من جماعة الإخوان المسلمين في مصر تلقوا تدريبات تحت إشراف عنصر استخباراتي من حركة حماس الفلسطينية الموالية للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين للإعداد لاغتيال النائب العام المصري، وهي ممارسة اعتاد عليها تنظيم الإخوان في مصر لقتل كل من يتصدى لجرائم تنظيم الإخوان الإرهابي داخل الجهاز القضائي المصري.

وحيث أظهرت الاعترافات للمتهمين أن جماعة الإخوان المسلمين استغلت طلابا في الجامعات لتنفيذ عملية اغتيال النائب العام هشام بركات بعد التنسيق وتلقي التعليمات من قيادات إخوانية هاربة إلى تركيا، وبعد أن توجه عناصر جماعة الإخوان المتهمين وغيرهم إلى غزة عبر الأنفاق لتلقي تدريبات على أعمال الرصد والتفجير عن بعد وأعمال حرب العصابات.

ويُعدّ المستشار هشام بركات النائب العام الذي اغتالته يد الغدر أعلى مسؤول في الدولة يُقتل في هجوم منذ عزل محمد مرسي في منتصف 2013، بعد احتجاجات حاشدة على حكمه الذي استمر عاما واحدا.

وفي الآونة الأخيرة زاد استهداف العاملين بالسلك القضائي من جانب إسلاميين متشدّدين مناوئين لحكم الرئيس عبدالفتاح السيسي، بعد صدور أحكام بالإعدام والسجن المؤبد بحق قادة الإخوان وأعضاء في الجماعة ومؤيدين لها في الشهور الماضية.