الانترنت تسحب بساط الإعلانات من التليفزيون

 

د. خالد غازي  

يتعاطى العالم الافتراضي للشبكة الدولية للمعلومات (الانترنت)، معارف ربما لم تقو الازمان الغابرة على احتوائها ولم يخطر بمخيلة بشر ممن سبقونا؛ والإنترنت – فيما يخص المحتوي- هي وسيط معرفي متطور، مثل التليفزيون والصحيفة والكتاب؛ والمشكلة الحقيقية ليست في نقص المحتوى العربي على الإنترنت، بل هي التأخر العربي في استخدام هذا الوسيط المعرفي؛ لتوظيفه في أغراض المعرفة والتعلم والثقافة.

 

(1)

تعاظم دور الانترنت في العالم العربي في السنوات الأخيرة خاصة بين جيل الشباب، فمن خلالها يقضي الشباب الكثير من الوقت في عالم افتراضي يتبادلون فيه المعلومات والبرامج والأخبار والأغاني ويتعرفون على ثقافات مختلفة ويسافرون لشتي دول العالم. وقد أكدت دراسة أعدتها جامعة ميزوكو الأميركية أن للانترنت دور مؤثر في نضج الشباب من خلال اكتسابه لمعارف تقنية جديدة أثناء تصفحهم؛ والحصول على معلومات لا يمكن الحصول عليها من دائرة المعارف والأصدقاء. وقد ساهم إقبال الشباب المتزايد على الانترنت في تراجع حجم الانفاق الإعلاني للتليفزيون. ففي دراسة قامت بها شركة ديجيتال انسياتس العالمية أكدت أن الفئات التي تستخدم الانترنت في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تقضي ساعات أطول في تصفح الانترنت مقارنة بمشاهدة التلفزيون، وهو ما يدفع خبراء الإعلان لتوقع مستقبل كبير للانترنت كوسيلة إعلانية في ضوء عادات التعرض لوسائل الإعلام في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا؛ حيث كشفت الدراسة أن ثمانية وثمانين بالمائة من الخاضعين للدراسة يتعرضون للانترنت بصفة يومية مقابل سبعين بالمائة يشاهدون التلفزيون كل أيام الأسبوع. وذكر واحد وخمسون بالمائة من الفئات المشاركة في الدراسة بتصفحهم للأنترنت لأكثر من ثلاث ساعات يوميا.

 

(2)

وإدراكا من شركة شركة مايكروسوفت بتعاظم دور الأنترنت كوسيلة إعلانية فقد وقعت مايكروسوفت في ابريل من العام الماضي اتفاقية تعاون في مجال اعلانات الإنترنت مع شركة ياهو، وقد انضمت لهذه الاتفاقية شركة أميركا أونلاين لتوفير المساحات على الإنترنت للمعلنين الخاصة بالشركات الثلاثة. وفي رأي د. فاروق أبو زيد رئيس لجنة تقييم الفضائيات وأستاذ الاعلام بجامعة القاهرة أن الانترنت والصحف الإلكترونية ستكونا وسائل إعلانية فعالة في المرحلة القادمة؛ خاصة مع الدور الكبير الذي لعبته الانترنت في الثورات العربية وهو ما أعطى لتلك الوسائل الإليكترونية مصداقية لدى الجمهور خاصة من الشباب، في حين يتوقع خبير الإعلانات طارق نور اتجاه المعلنين لوسائل الإعلام الإلكترونية في المرحلة القادمة؛ لأنها الأوفر والأقل تكلفة مقارنة بإعلانات التليفزيونات المحلية والفضائيات.

 

(3)

وقد قامت شركة إي بايرز إجراء دراسة حول أكثر الوسائل الإعلانية جذبا للتسوق عبر شبكة الانترنت؛ فأجاب ثلاثة وستين بالمائة بأن الإعلانات التي تلقوها عبر البريد الإلكتروني كانت السبب المباشر في جذبهم للتسوق، وفي المقابل أوضح تسعة وعشرون بالمائة من الذين أجري عليهم المسح أن إقبالهم على التسوق عبر الإنترنت كان نتيجة تلقيهم إعلانات عن ذلك عبر الوسائل الإعلانية التقليدية، بينما أكدت شركة فوستر للبحوث في دراسة نشرتها مجلة أيكونكاست أن الإعلان عبر البريد الإليكتروني هو أكثر تأثيرا على المستهلكين؛ فضلا عن انخفاض تكلفته مقارنة بالوسائل الإعلانية الأخرى. وتشير شركة النيل للتسويق الإليكتروني على موقعها على شبكة الإنترنت للفوائد العديدة للتسويق الإليكتروني في تخطي حواجز المكان وبعد المستهلكين عن المعلنين، أيضا الاستفادة من السرعة الكبيرة التي تتميز بها الانترنت في نقل المعلومات والبيانات؛ وكذلك الاستفادة من انخفاض تكلفة الإعلانات الإلكترونية مقارنة بإعلانات التليفزيون والراديو والصحف، فشبكة الانترنت تتيح مناقشة أمور لا يمكن مناقشتها في باقي الوسائل الإعلانية كالأفكار السياسية مثلما حدث في الثورات العربية في مصر وتونس، بالإضافة لإمكانية الاستفادة من إمكانيات الانترنت في التعلم والثقافة.

ويؤكد مختصون عرب يعملون في مجال الاعلان – حسب تقديرات شركة ياهو- أن جانبا كبيرا من الإنفاق الإعلاني في العالم العربي يذهب للانترنت بنسبة اثنين بالمائة من الإنفاق الإعلاني ككل، وأن اقبال المعلنين على الانترنت يرجع لتزايد أعداد مستخدمي الأنترنت في الشرق الأوسط والذين بلغوا ثلث عدد السكان مع توقع ارتفاع هذه النسبة في المستقبل القريب إلى خمسين مليون مستخدم حسب تقديرات شركة ياهو. فنجد مثلاً بأن دولة الإمارات العربية المتحدة تعد الأولى في معدل انتشار الأنترنت في العالم العربي في ضوء ما تملكه من إمكانيات تكنولوجية وتقنية، وتعد منطقة الشرق الأوسط من المناطق الواعدة في مجال الانترنت مع سرعة انتشار الهواتف النقالة الذكية وتزايد عدد مستخدمي الإنترنت، في حين أكد شادي أنعيم مدير شركة سرمدي المتخصصة في مجال التسويق الإليكتروني والتي تسيطر على مجال الانترنت الثابت والمحمول في مصر أن الإعلانات الرقمية تستحوذ على 5% من حجم الانفاق الإعلاني، متوقعا ارتفاع هذه النسبة إلى 30% خلال السنوات الثلاثة المقبلة.

 

(4)

تزايد دور الانترنت في السنوات الأخيرة في مجال السياحة والتسويق الإليكتروني. فالمسافر أصبح بإمكانه حجز رحلاته السياحية في منزله أو في محل عمله. فقد أكد د. يحيي أبوالحسن رئيس المنظمة الدولية للسياحة الإلكترونية أن وجود 2 مليار مستخدم لشبكة الانترنت أدى لتطور مجال التسويق الإليكتروني في قطاع السياحة واستحواذه على خمسة وعشرون بالمائة من عائدات التسويق السياحي مقابل خمسة وسبعين بالمائة للتسويق التقليدي عبر الشركات والمكاتب السياحية، مضيفا بأن الدول التي لا تعتمد على التسويق الإليكتروني في مجال السياحة ستجد نفسها خارج المنافسة في السنوات القادمة. وفي هذا السياق أفادت إدارة المحتوى الرقمي بوزارة الاتصالات المصرية أنه تم تنفيذ عددا من المشاريع باعتماد وزارة السياحة على التسويق الإليكتروني كمشروع ميكنة محافظة الأقصر 2011 من خلال تعريف السياح بالمحافظة ومعالمها السياحية عبر شبكة الانترنت.

 

وأكدت كذلك لجنة التسويق بغرفة تجارة الرياض عن النتائج الواعدة والمبشرة التي تنتظر مجال التسويق الرقمي في المرحلة المقبلة وسط وجود حالة من الاقبال الكبير على التسويق الإلكتروني من مختلف منشات الأعمال، في حين أكدت الهيئة العامة للسياحة في قطر على ضرورة تبني ثقافة التسويق السياحي الإلكتروني في ضوء أحدث الدراسات التي تشير للاتجاه السائد عالميا حول الاعتماد على التكنولوجيا الرقمية والتجارة الاليكترونية مع تنامي أعداد مستخدمي الشبكات الاجتماعية على الأنترنت

 

(5)

ومع انتشار موقع التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر في العالم العربي وتزايد أعداد مستخدميها؛ خاصة بعد الدور الذي لعبه في الثورات العربية، نشرت كومسكور وهي احدى الشركات المتخصصة في مجال أبحاث الانترنت تقريرا يؤكد أن موقع الفيس بوك يستحوذ على إعلان من كل أربعة اعلانات تعرض على مواقع الانترنت في الولايات المتحدة الاميركية، وقد اعتمد الشباب في مصر على الفيس بوك في مجال التنشيط السياحي من خلال تدشين الكثير من المواقع والمجموعات التي تستهدف التعريف بالمعالم الأثرية الفرعونية والقبطية والإسلامية لعودة السياحة من جديد لمصر؛ التي تأثرت نتيجة الأحداث الأمنية التي شهدتها مصر بعد ثورة 25 يناير، وكذلك اعتمد بصورة كبيرة على موقع الفيس بوك كإحدي الوسائل الإعلانية الأساسية في حملة الانتخابات البرلمانية؛ التي شهدتها مصر مؤخرا؛ وشهدت تنافسا كبيرا بين الأحزاب والقوى السياسية المتباينة الاتجاهات والانتماءات.