الجنزوري.. وتحديات حكومة الإنقاذ

 

د. خالد غازي

باتت حكومة د. كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء الجديد في حكومة الإنقاذ الوطني – خلال الظروف الراهنة التي تمر بها مصر – أولي خطوات الإصلاح، رغم كل التحديات والمصاعب التي تواجهها؛ حيث تعتبر الحكومة الثالثة منذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير، بعد حكومة الفريق أحمد شفيق والتي لم تستمر سوي شهر، والثانية برئاسة د. عصام شرف، والتي استمرت ثمانية أشهر لاحقة، وتضم حكومة د. الجنزوري تسعة وعشرين وزيرًا؛ منهم اثنا عشر وزيرًا من الحكومات السابقة.

 

(1)

تواجه حكومة الإنقاذ الوطنى – برئاسة د. كمال الجنزوري – عددًا من التحديات الكبرى؛ منها ما هو مباشر، وما هو غير مباشر؛ فمن التحديات غير المباشرة تلك المتعلقة بمدى شرعية وجود ” الجنزورى ” نفسه على رأس الحكومة، فى ظل الظروف العصيبة التى تمر بها مصر، خاصة أنه تولي رئاسة الحكومة لفترة لسنوات في عهد النظام السابق، ويعتقد أنه كان مسئولا عن ملفات خطيرة نتج عنها خطايا اقتصادية ، ولعل أهمها ملف الخصخصة، وعدد من المشروعات القومية التى لم يكتب لها النجاح، ويظل استمرار المعتصمين في التحرير، وأمام مقر مجلس الوزراء، رافضين حكومته، باعتباره أحد رموز النظام السابق، وأنه صاحب الخطة العشرينية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، والتي بدأت منذ العام 1983 وحتى 2003. وثانى الأسباب غير المباشرة، متعلق بمدى كفاءة الحكومة فى التعامل مع الظروف الحرجة، التى تنتظر تشكيل برلمان جديد، وانتخابات رئاسة مقبلة، لاسيما وأن الحكومة الجديدة احتفظت باثنى عشر وزيرًا، في معالجة للملفات الساخنة. والتحدي الثالث غير المباشر يتمثل في قدرة حكومة ” الجنزوي” على معالجة الأوضاع العامة، ورأب الصدع فى الشارع المصرى بين الشعب والسلطة. ومن التحديات – أيضًا – العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية، وتحقيق الاستقرار المالي والمعنوي للجهاز الإدارى للدولة، وتعديل بعض القوانين لتحقيق العدالة اللجتماعية؛ ومنها: قانون الضريبة العقارية، ودراسة اقتراح بزيادة حد الإعفاء من الضريبة للمسكن حتى المليون ونصف المليون جنيه؛ مراعاة لارتفاع أسعار العقارات، وزيادة معدلات التضخم، وكان تقرير صادر عن المركز المصري للحقوق الاجتماعية والاقتصادية فى هذ الشأن، قد اتهم ” الجنزوري ” بالمسئولية عن قضايا فساد؛ التي شهدتها عمليات خصخصة، وبيع عدد من شركات القطاع العام الخاسرة والأصول الإنتاجية وأراضي الدولة، خلال رئاسته السابقة لمجلس الوزراء في الحقبة السابقة .

 

(2)

أما أول التحديات المباشرة التى تواجه حكومة الجنزورى ، فهى حالة الانفلات الأمنى الذي لا يزال يضرب الشارع ، ويثير الرعب فى كل النفوس والقطاعات وانتشار أعمال العنف والبلطجة، ويعتبر ملف استعادة الأمن الداخلي وعودة الاستقرار الأمني والانضباط للشارع هو الملف الأبرز ؛ لأنه سيساهم في عودة السياحة وتدفق الاستثمارات مرة أخري ؛ مما ينعكس على الدخل القومي، ، وأن يتركز دور وزارة الداخلية على الشق الجنائي، وليس السياسي، كما كانت الحال في ظل النظام السابق ، ويتحتم على جميع قيادات الداخلية – بمن فيهم وزير الداخلية – التواجد بالشارع؛ لضبط الأمن، والقبض على الهاربين من السجون وأيضا البلطجية، ومحاولة رأب الصدع بين الشرطة والمواطنين، وأنها لن تتعامل بعنف – فوق القانون – مع أى فرد ، وأنها لن تتدخل إلا فى حل المشكلات الأمنية ، ولا يسمح بأن يتم توريط الداخلية فى أى جبهة أخرى؛ لأن رسالة الشرطة السامية هي حماية المواطن، وتأمين أمواله، وعرضه، وليس التعامل مع المطالب الفئوية، أو غيرها من المطالب التى ليس لها علاقة بالأمن ؛ فتحقيق الأمن هو مفتاح الحلول، وأن عدم الاستقرار، واستمرار أعمال البلطجة والسرقات وترويع الناس؛ من شأنه أن يؤدي إلى عزوف السياح عن القدوم للبلاد ، كما أنه يؤدي إلى هروب الاستثمارات؛ حيث إن رأس المال – كما يقال – “جبان”، وينشد دائما استقرار الأسواق التي يعمل فيها.

وثاني التحديات المباشرة، هو متاعب الاقتصاد، التى تأتي ضمن التحديات الكبرى، والتى قد تقض مضجع الجنزورى ووزرائه، خاصة أن موجة الإضرابات والاحتجاجات والمظاهرات الفئوية تعطل دوران عجلة الاقتصاد؛ حيث إنه ترتكز مطالبها – فى الأغلب – بتثبيت العمالة، وأخرى بزيادة الأجور والرواتب، ومكافحة الغلاء، وتقديم الخدمات الأساسية؛ لذا يقتضى إنشاء كيان حكومي للرقابة على الأداء الإداري، وإعادة هيكلة الشركات الرابحة والخاسرة؛ فالأجندة الاقتصادية مثقلة بالعديد من المحاور قد يكون منها استكمال المشروعات الاقتصادية المفتوحة، التي أهدرت عليها مليارات دون فائدة؛ مثل مشروعي توشكى وشرق العوينات، والمنطقة الاقتصادية الخاصة شمال غرب قناة السويس، ومشروع استصلاح الأراضي غربي الدلتا بالتزامن مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في الأسواق العالمية؛ لتوفير نسبة أكبر من القمح، مع مراعاة فتح المصانع المغلقة التى بلغ عددها ألفًا وستمائة مصنع لتوفير فرص عمل جديدة للشباب، والعمل على حل مشكلة البطالة.

وأيضاً محاولة إنقاذ الجنيه المصرى؛ حيث سجل سعر الشراء له أدنى مستوى، في نحو سبع سنوات ، مع وجود أزمة التمويل المتفاقمة في البلاد ، خاصة أن البنك المركزي أنفق نحو ملياري دولار من احتياطياته الأجنبية في أكتوبر 2011؛ لدعم العملة. ويعد تراجع قيمة الجنيه واحدًا من أهم الملفات الصعبة، وهو الملف ذاته الذي خاض بسببه معركة شرسة خلال توليه الوزارة في الفترة من يناير من العام 1996 وحتى أكتوبر 1999؛ بسبب رفضه تحرير سعر الجنيه، الذي كان مطلبا رئيسيا للبنك الدولي، وهو القرار الذي انتقد تنفيذه سلفه عاطف عبيد رئيس الوزراء الاسبق، ووصفه بالكارثي؛ حسبما كشف عنه ” الجنزوري ” بعد أن خرج عن صمته الذي طال منذ خروجه من الحكومة حتى إسقاط نظام مبارك.

 

(3)

رغم ذلك يبقى استمرار المعتصمين في ميدان التحرير، وأمام مقر مجلس الوزراء، بوسط القاهرة، أحد التحديات الكبرى أمام د. الجنزوري، خاصة مع إعلان المعتصمين أن فض اعتصامهم مرهون بالاستجابة لمطالبهم؛ ومنها: ألا يضم تشكيل حكومة الإنقاذ الوطني أي شخصية من الشخصيات التي عملت مع نظام الرئيس السابق ، وعودة القوات المسلحة إلى ثكناتها وتسليم الحكم لسلطة مدنية منتخبة.  ومن الضرورى أن يثبت ” لجنزورى ” أن حكومته ذات صلاحيات حقيقية، ويستجيب لمطالب المعتصمين، خاصه أنها لم تخرج عن مطالب الثورة، المتمثلة في الإفراج عن المعتقلين، ووقف إحالة المدنيين للمحاكمات العسكرية، ومحاكمة قتلة الثوار في الموجتين الأولى والثانية للثورة، ومحاكمة الرئيس السابق وأعوانه، والاهتمام بملف شهداء ومصابى الثورة، وكلها تجعل جميع قوى الشعب تلتف حول حكومة الجنزورى، ويكون داعما لها؛ حتى لا تقع أزمات جديدة مع المعتصمين عندما يبدأ مجلس الشعب في انعقاده ؛ وان كانت الحكومة وزراء من العهد السابق، وهذا يتعارض مع متطلبات المرحلة، وهي الاستعانة بشخصيات وطنية لديها قدرة على التغيير، وإعلان رؤيتها لتطوير البلاد، والاستعانة بمراكز البحوث الوطنية.