الخلافات.. نقطة ساخنة تحرق ربيع أبيى

د.خالد محمد غازي   

باتت قضية الصراع بين شمال السودان وجنوبه، حول منطقة ابيى، أزمة ساخنة تضاف الي ملف الازمات التي يعاني منها السودان ؛ وتعاني منها منطقة الشرق الأوسط ، لاسيما بعد اندلاع الثورات العربية، وتحريرها لكثير من الشعوب العربية ؛ التى ظلت قابعة تحت أحكام استبدادية، طوال الربع الأخير من القرن المنفلت، إذ إنها تمثل مشكلة كبرى تقف حائلاً بين التطبيقات الكاملة لعملية السلام الداخلي والامن الاجتماعي ؛  فأزمة “أبيي” بمثابة مثلث قلب الصراع، وجوهره الحقيقى بين شمال السودان وجنوبه؛ وهو الملف الأكثر ازعاجا للساسة منذ إبرام اتفاقية السلام فى يناير العام 2005؛ برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، وتعتبر منطقة “أبيي” نقطة محورية للجدال فى السودان، وواحدة من المسائل المعقدة، التى لم يجد إليها الحل سبيلا، وأهم تلك المسائل ما يتعلق بالحدود، والمواطنة، وعمليات حماية الأقليات، وكيفية تقسيم الحدود وتبعية المنطقة للشمال والجنوب .

 

(1)

قبل الوصول إلى التاريخ الموعود فى التاسع من شهر يوليو المقبل، وهو الموعد المحدد الذى سيتم الإعلان فيه عن ميلاد دولة الجنوب السودانية، لاسيما بعد احتدام الصراع والنقاش حول منطقة “أبيى” بشكل يصعب من تحقيق ناتج صحيح لتلك المعادلة السياسية، ويفرق أوراقها، ويبعدها عن نصابها الصحيح، خاصة أن هذا الرهان يدخل فى إطار احتمالات التفكير لدى حكومة الشمال( الخرطوم ) ، ولم يبعد عن مساره، إلا أنه كان واضحًا في ممارسة الحركة الشعبية الجنوبية، ومن المعلوم – ليس على مستوى الأوضاع السياسية التى يمر بها السودان، لكن أيضاً على مستوى التوقيت الحرج الحالى للدولة المقسمة – أن أبيى سوف تمنح من تؤول إليه أهمية كبيرة، إذا كانت دولة جنوب السودان بصفته أكبر قدرة في انتاج النفظ ؛ نظراً للعوامل الجغرافية على الادعاء بالملكية.

 

(2)

وعلى أثر تلك التداخلات بين الشمال والجنوب، فقد اهتمت الساحة الدولية بأوجه الأزمة والاختلافات البينية بين الحكومتين، لكنها فى السياق ذاته لم تطرح حلولا واقعية ، غير مجرد الحث على ضرورة البحث عن حلول، ومن خلال طرحها كموضوع نزاع سياسي من خلال تحليل الوضع القائم فى تلك المنطقة ، حيث قالت بعض الصحف الأمريكية مؤخراً إن منطقة أبيى تشكل واحدة من بين العديد من المناطق المتنازع عليها فى العالم؛ حيث يوجد خلاف على الحدود، وحول ضمان حقوق المواطنة للأقليات، وكيفية تقسيم أرباح عوائد البترول التى تخرج من بطن أرضها، وأن كلا من الشمال والجنوب فى حاجة ماسة لإقامته إلى الجزء الآخر من أجل إقامته كيان كبير يمكن الاعتداد به.. فمثلاً أنابيب الغاز الموجودة فى مناطق الشمال، تحتاجها دولة الجنوب الوليدة ، حتى تتمكن من ضخ البترول إلى الأسواق، وأيضاً كنقطة مترتبة على ذلك، وهى الحاجة إلى تحقيق أرباح من البترول، علاوة على أن الاثنين فى حاجة للاستثمار الأجنبى، لاسيما شمال السودان من أجل دفع ديونه.

 

(3)

في اعتقادنا أن مسألة السلام بين شمال السودان وجنوبه لابد أن تكلل بوجود تكامل وائتلاف بينهما خاصة لما يربطهما من مصالح وموارد مستقبلية متبادلة، إذ إنهما بعد السلام يمكنهما الفوز بالدعم الدولى المطلوب الذى يتوافق مع إمكانياتهما ويسد احتياجاتهما، وكذلك يستطيعان تحقيق مصالحهما المشتركة والمنفردة منهما.. وهذه النقطة فى حاجة لعرضها على الرئيس السودانى عمر البشير؛ حتى يتثنى أن يكون هناك تفاوض معه كخطوة أولية وأساسية ؛ لتحقيق الهدوء؛ خاصة في مناطق المحك مثل ” أبيي “، خاصة أنهما – أى الشمال والجنوب – يتمتعان بطبائع مختلفة ولديهما انتماءات عقائدية وعرقية مختلفة.

 

(4)

فيما أفادت بعض الصحف والمحطات الإخبارية ووكالات الأنباء، بأن بعض مسئولي حكومة الجنوب أعلنوا القيام بتحريك بلاغ إدانة، مقدم أمام المحكمة الجنائية الدولية ومدعيها العام لويس أوكامبو، ضد البشير، يتضمن عدة جرائم ارتكبها البشير ونظامه فيما يتعلق بجرائم الحرب، وجرائم إبادة جماعية ضد الإنسانية في دارفور ، وذلك بعد إصداره عدة أوامر عسكرية بالتحرك للجيش، واجتياح تلك المنطقة؛ وذلك خلال الشهر الفائت فى الواحد والعشرين منه.. يأتى ذلك فى إطار الخلافات القائمة بين الطرفين حول بعض الأمور التى من شأنها التوصُّل إلى تفاهمات تخص النزاع وتؤدى إلى وقفه أو حله، لاسيما أن تلك الشكوى ليست فى محلها خلال الوقت الحالي، وسابقة غريبة؛ حيث إن تلك الحكومة الجنوبية لن يتم الاعتراف بها دوليا قبيل التاسع من الشهر المقبل، وقد اتفق مع هذا الرأى العديد من المسئولين فى حكومة الجنوب.

وعلى صعيد آخر، تقوم مفوضية الاتحاد الإفريقي بمحاولة التدخل والتوصل لحل خلال زيارة أجراها رئيس المفوضية “جان بينج”؛ للقاء بالمسئولين في حكومتي الجنوب والشمال، حيث قال بيان المفوضية: “إن الزيارة تهدف إلى تشجيع طرفي اتفاقية السلام الشامل الموقعة عام 2005 للتغلب على الصعوبات الحالية في منطقة أبيي.. على خلفية سيطرة الجيش السوداني على المنطقة المتنازع عليها، وكذا للتوصل إلى نتائج ناجحة بشأن القضايا العالقة في هذه الاتفاقية وترتيبات ما بعد الاستفتاء.

 

(5)

أما عن السيناريوهات المستقبلية فى تلك الأوقات الحرجة؛ فهى: أولا: نجاح جهود الوساطة التي يقوم بها رئيس الآلية الإفريقية “ثابو امبيكي”، المكلفة بمتابعة توابع عملية الاستفتاء الذى جرى فى يناير الماضى من العام الحالى، وثانيا: سيناريو آخر يدور فى فلك الضغط باتجاه التدخل العسكري تحت البند السابع لميثاق الأمم المتحدة،  وثالثا: احتمال سخونة الأحداث، وجريها مسرعة نحو حرب قد تكون مفتوحة قبل أو بعد التاسع من يوليو وإعلان دولة الجنوب، إلا أن القول بهذا الاقتراح لا يسانده الواقع العملى الذى تدور معه رحا القضية، ورابعا: وهو احتمال مستبعد قدمه الجنرال الكيني “لازاروس سومبيو” الوسيط الرئيسى في اتفاقية السلام الشامل، هو ما اقترحه بإنشاء دولة مستقلة في أبيي على غرار مملكة “ليسوتو كحل”، ورغم غرابة هذا الاقتراح، إلا أنه ربما يجد طريقه إذا تأزم الصراع.

وعن فكرة الحرب فى تلك المنطقة، فإنها غير مجدية، ولن تصل إلى نتائج مرجوة، خاصة لو تم حصرها بين نقطتى السلاح والاعتراف؛ فكل جانب سوف يتمسك بما له، وأن طريق السلاح مسدود، ولن يوصل إلا إلى المزيد من الضحايا وتوتر العلاقات بين الشمال والجنوب.