في عمل جديد يروم فيه إلى إضاءة الطريق للصحفي في مشوار حياته والالمام بأساسيات المعرفة في موضوع الكتابة الصحفية ، دونما إغراق في التعمق ، أو سطحية في التناول ، أصدر حديثا الدكتور المصري خالد محمد غازي كتابا جديدا عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة والموسوم ( التحرير الصحفي .. توظيف تكنولوجيا الاتصال ) والذي تناول فيه تطورلا وأصول وقواعد التحرير الصحفي باعتتباره ” فن تطبيق الكلام المناسب للموضوع، والحالة والجنس الاعلامي في حاجة القارئ لها ” .
ولأن صلب العملية الاعلامية الاتصالية تواصلت جريدة ( الأمة العربية ) مع الدكتور خالد محمد غازي بخصوص أبجديات الفن التحريري في ظل مستجدات الاعلام الرقمي ، وعادت بهذا اللقاء :
–أمام تعدد الكتابات التي تتناول فن التحرير الصحفي باعتباره صلب العملية الإعلامية، ماهي الإضافة التي توخيتم تحقيقها من خلال إصداركم لكتاب ” التحرير الصحفي..توظيف تكنولوجيا الاتصال” ؟
التحرير الصحفي يمثل العمود الفقرى للاتصال الاعلامي ، حيث له تأثير كبير في عملية التواصل والاتصال؛ فالصحف بكافة أنواعها وأشكالها (مطبوعة أو الكترونية) تحرص على تحقيق تواصلها الفعال مع القارئ، وهذا يتوقف على طبيعة العلاقة بين المرسِل والمستقبِل، فإذا كان المرسِل ضعيفًا في كتابته أو ليست لديه معلومات كافية عن موضوعه؛ فإن ذلك يؤثر سلبًا على عملية الاتصال، فإذا كانت الرسالة غير محررة بطريقة فعالة؛ فإن المستقبِل لن يتمكن من استقبالها كما يجب، وبالتالي ستكون فاقدة للجدوى والتأثير.
والتحرير الصحفي هو الوسيلة لايصال الرسالة الاعلامية؛ فالرسالة ليست بمضمونها فقط، بل هي “فن تطبيق الكلام المناسب للموضوع، والحالة والجنس الإعلامي على حاجة القارئ لها”.
من هنا، يكتسب موضوع اكتساب المهارات اللازمة للعمل الصحفي أهمية قصوى، وهذه المهارات أو الأساسيات بمثابة إرشادات تضيئ الطريق للصحفي في مشوار حياته؛ ومن هنا كانت فكرة هذا الكتاب على أمل أن يكون محققًا لهذه الغاية، وأن يكون استجابةً حضاريةً لمتطلبات من يحتاجون إلى الإلمام بأساسيات المعرفة في موضوع الكتابة الصحفية، دونما إغراق في التعمق، أو سطحية في التناول. وهذا ليس موجهًا للعاملين في المجال الصحفي فحسب، بل يهدف بنفس القدر إلى رسم خريطة إعلامية للمسؤولين عن مخاطبة الرأي العام، وصياغة عقل المجتمع وتوجهاته السلوكية.
- من بين أقوالكم:”مهنة الصحافة كسائر المهن في المجتمع تحتاج إلى استعداد فطري، ويمكن اكتسابها و تطويرها تعليما و تدريبا…” برأيك و قد أتيحت اليوم الفرص للهواة و غير المتخصصين ممارسة العمل الصحفي الإعلامي، و ظهور ما يعرف بالمواطن الصحفي، هل هذا سيميع مهنة الصحافة وفنياتها؟
لكي يكون الإنسان صحفيًا وجب عليه أن يستجيب للنداء الصادر من أعماقه، وأن تتوافر فيه الموهبة، والرغبة الملحة، في ملاحظة الحياة والناس.وعلى جانب آخر، هناك من يقول بضرورة الدراسة والتجربة، “إن كل ذكاء في حاجة إلى من يتعهده، حتى لو سلمنا بأن الاستعدادات الطبيعية هي مفتاح النجاح، في جميع ميادين النشاط الإنساني”، وأن الصفات الخُلقية – وهي لازمة للصحفي الناجح- تنمو بالعلم والتجربة.
إن الصحفيين، الذين لم يؤهَّلوا، إنما يتعلمون مهنتهم، على حساب الجمهور.. ولا يكفي أن يكون صحفي الغد متعلمًا، تعليمًا جامعيًا عامًا، بل لابد من إعداده، لمهنته الجديدة؛ إعدادًا خاصًا”. ومن الضروري جدا أن تقوم المعاهد والجامعات بدورها في تدريب وتعليم الصحفيين ، حتى فكرة المواطن الصحفي في حاجة لتدريب ، فليس أي شخص قادر على تصوير فيديو مؤثر لمده ثلاث دقائق وبثه إلا اذا كانت لديه بعض الخبرة في هذا الأمر
–ما يزال الكثير من العاملين في وسائل الإعلام العربية لا تفرق بين الأنواع الصحفية فنلاحظ تسمية التقرير على كل المواد الإعلامية، كيف للإعلامي أن يستجلي الفروق الجوهرية حتى يستطيع الفصل بينها في الممارسة؟
الصحافة هي أكثر المهن حاجة إلى أوسع المعارف وأعمقها، فهل يصح أن تُترك هذه المهنة، ذات المسؤوليات الكبيرة، تُمارس من دون أي تأهيل منتظم وتعلُم ودراسة وممارسة تطبيقية، ومن المؤكد أن الاستعداد الفطري والملكات والمواهب والثقافة الواسعة عناصر تلعب أدوارًا هامة في التقدم والتميز.
لكنه من غير المقبول عقليًا أن شابًا يجلس إلى مكتبه في الجريدة أو الوكالة التي يعمل بها ويستطيع أن يكون كاتبًا صحفيًا جيدًا بدون خبرات وتجارب تكتسب.. نفس الشيء بالنسبة للصحفي أو المخبر الصحفي أو المراسل؛ لابد من وجود استعداد لاستقاء الأخبار والمعلومات وتنسيقها وكتابتها.. كل هذا يحتاج إلى مهارات تكتسب من التطبيق الفعلي والتجارب الواسعة..
والخلط بين الاجتاس الصحفية لدى الصحفي أو الاعلامي يأتي من عدم وعيه وومارسته السليمة للمهنة، تقسيم التحرير الصحفي على أساس الأشكال المختلفة– كما هو معروف – الخبر، والمقال، والعمود، والحديث، والتحقيق، والقصص الإخبارية التي تكون على شكل طرائف خفيفة، ويسميها الإنجليز والأمريكيون “Features” وكثيرًا ما تتصل هذه الطرائف بموضوع من الموضوعات الإنسانية التي يميل إليها القراء. لمن يتصدى لأي عمل أن يجيد فنونه وأن يتسلح بأسلحته، وهذا الأمر أكثر إلحاحًا لمن ينوي العمل في مهنة الصحافة، فهي علم وفن معًا.
–في نظرك، هل إنتاج العمل الصحفي في المكاتب دون النزول إلى ميدان الأحداث أو في البيوت مثلما شاع في ظل الأزمة الصحية العالمية أدى إلى إنتاج مادة متأرجحة بين الأنواع الصحفية المختلفة؟
النزول الى ميدان الحدث ضرورة حتمية بالنسبة للصحفي الميداني ،الذي يعد التحقيقات والحوارات ويلتحم بهموم ومشاكل الناس ، والكثير من الصحفيين في أزمة ( كورونا ) اعتمدوا على ما تبثه وكالات الانباء دون تمحيص أو تدقيق فوقعوا في دائرة الشك وعدم المصداقية .
–هل تتفق معي إن قلت : الجمهور اليوم لم يعد له متسع من الوقت للقراءة و التفكير التأملي و النقدي للوقائع، ما جعل وسائل الإعلام هي الأخرى لا تهتم ببعض الأنواع الصحفية لتكلفتها، فتراجعت رقعة الصحافة المناضلة و الملتزمة…ماقولكم؟
توجد مسببات جعلت القارىء ينصرف عن الصحافة الجادة ، من ضمنها انتشار شبكة الانترنيت الواسع ، وبالتالي ظهرت صحافة الإنترنت وتطورت كنتاج لشبكة الإنترنت العالمية التي جاءت أيضًا نتيجة المزج بين ثورة تكنولوجيا الاتصالات وثورة تكنولوجيا الحاسبات بما يعرف بالتقنية الرقمية. وكانت البدايات الفعلية نتيجة لما أحدثته ثورتا الاتصال والمعلومات وما نجم عنهما من تقنيات وتطورات ألقت بظلالها على الصحافة المطبوعة، كجزء من منظومة وسائل الإعلام التقليدية “الراديو، التليفزيون، والصحف”، وبدأت تتكون حول نظم الحاسبات المرتبطة بعضها ببعض من خلال شبكة الكمبيوتر.
وظهرت الصحافة الإلكترونية كمنافس عتيد للصحافة المطبوعة ، والصحافة الالكترونية هي نوع من الصحافة يتم قراءتها عبر جهاز الكمبيوتر، ويستخدم الإنترنت كوسيلة لإصدارها بطريقة النشر الإلكتروني الدوري المنتظم فى الإصدار والتحديث المستمر، ويعتمد إصدارها على طرق إلكترونية في التحرير والتصحيح وإخراج المواد الصحفية وتصميم الصور والرسوم، وتوظيف ميزات تفاعلية للمتصفح، يتيح له التفاعل والتواصل مع النص واستدعائه عند احتياجه وحفظه وطباعته، وتوظيف الوسائط المتعددة من صور وصوت وصورة وفيديو ومقابلات صحفية مصورة ومشاهد ومناسبات وتوافر خواص أرشيفية تحفظ الموضوعات والصور ويتم استرجاعها بطرق يسيرة.
– يثار الجدل من حين لآخر حول تأثير الثورة الإلكترونية على الكتابة الصحفية، من منظورك هل الممارسة الصحفية اليوم يجب أن تجدد صياغتها لأشكال التعبير الصحفي ؟
لابد أن تجدد الصحافة وسائلها وطرق تحريرها وأعتقد أن التحرير الصحفي هو عملية تحويل الأخبار والأحداث والموضوعات والمعلومات والأفكار من إطار التفكير، إلى لغة مكتوبة بأسلوب بسيط وبلغة مفهومة وصياغة فنية جذابة بشكل يدركه القراء على اختلاف مستوياتهم الثقافية، وهو يعتمد في أسلوبه على لغة وسطية تقع بين الكتابة الأدبية، وبين لغة الصحافة التي من مميزاتها السهولة والبساطة والوضوح.ويختلف التحرير الصحفي كل الاختلاف عن الكتابات العلمية والدراسات الأكاديمية، من حيث استخدام المصطلحات وطرق التعبير؛ لهذا لا يمكن اعتبار البحوث الأكاديمية، وأسلوب كتابتها ضربًا من ضروب التحرير الصحفي.
وما وصلت إليه الصحافة من قوة، والتي أطلق عليها (السلطة الرابعة) يعود وبدون شك للتحرير الصحفي الذي يقوم على صناعة الكلمة، حيث يعمل المحررون والكتاب على اختيار الأحسن لفظًا، والأفضل تعبيرًا، والأكثر انسجامًا لمواقع استخدام الكلمة.
وإذا كان التحرير الصحفي أسلوبًا صحفيًا، وطريقة خاصة في الكتابة ومهمات هي الأخرى خاصة. فإن هناك من خبراء المهنة الصحفية من يرى أن التحرير مبادئ تعتمد على ثلاث أسس هي: البساطة، والواقعية، والحيوية؛ لأن هدف المحرر أن يجعل باستطاعة القارئ رؤية الحدث والسماع به وإحساسه وهذا ما يتحقق من خلال الدقة والموضوعية والواقعية، لجذب اهتمام القارئ.
-لقد أعادت تكنولوجيا الاتصال هيكلة اقتصاد وسائل الإعلام و محتواها، و أصبح بإمكان أي وسيلة إعلامية تتمتع بخاصية التفاعلية أن تتجه وفق ما يمليه الطلب، في رأيك ما مدى تأثير العامل الاقتصادي على الأنواع الصحفية و أخلاقيات المهنة؟
مهنة الصحافة تختلف خصوصيتها اختلافًا كبيرًا عن المهن الأخرى، كونها تخاطب أفراد المجتمع بمختلف مستوياتهم الثقافية والمعرفية، ويشترك العاملون في الصحافة بأخلاقيات متعارف عليها في جميع أنحاء العالم، وتدعمها دساتير أخلاقية تضعها التنظيمات المهنية في كل مجتمع. وتشكل الأخلاق أحد الأسس الرئيسة في مهنة الصحافة، بمعنى أن نزاهة الصحفي أمر رئيسي في تحديد أهداف هذه المهنة التي هي في الأساس خدمة عامة تسعى إلى خير المجتمع من خلال تزويد الجمهور بالوقائع والمعلومات والحقائق الضرورية لتشكيل رأي عام واعٍ.
إن الصحافة مهنة أخلاقية بالدرجة الأولى، فإذا فقدت أخلاقياتها أو تخلى الصحفي عن قيمته فقدت المهنة ومن يمتهنها أهم أركانها، وفقدت المؤسسة الصحفية احترامها ومصداقيتها، وإن الالتزام القيمي والأخلاقي للصحفي معناه أيضًا ألا يكون الصحفي أداة في يد أحد أو وسيلة تستخدمها جهة ما أو سلطة بعينها أو أجيرا لصاحب نفوذ أو ثروة لخدمة مصالح.
ضرورة الاعتماد على مادة معلوماتية متميزة على المستويين الكمي والكيفي، حيث إن المحرر مطالب بأن يغذي موضوعه بأكبر قدر من المعلومات التي تغطي جميع جوانب الموضوع والخلفيات المعلوماتية المتعلقة بالأشخاص والأحداث والأماكن والمفاهيم والأفكار التي وردت في الموضوع. وتكمن أهمية ذلك في أن المحرر داخل الصحيفة الإلكترونية يتعامل مع نص مفتوح على مجموعة متنوعة من النصوص الأخرى المرتبطة به، والتي قد تعطي تفاصيل معلوماتية إضافية، ولكنها لابد أن تكون موجودة وقائمة.
كيف يمكن تعزيز الأخلاق الصحفية؟
نظرًا للأخطاء الخطيرة التي قد يقع فيها الصحفيون بسبب إهمالهم المبادئ الأخلاقية أو عدم إلمامهم بها، كان لابد من العمل على تعزيز هذه القيم والمبادئ، ويتم هذا الأمر من خلال عدة أمور منها: تأهيل الصحفيين من خلال دورات تدريبية أو حلقات عمل أو مبادئ مهنية تحددها المؤسسة الإعلامية للعاملين فيها أو إشراكهم في وضع مواثيق شرف، ومناقشة مستمرة للقضايا الحساسة.. أيضا تثقيف طلاب الصحافة. أي تعليمهم الأخلاق الإعلامية وآداب المهنة من خلال إدخال موضوع الأخلاق في المناهج وإقامة دورات تدريب وتحليل المقالات الصحفية التي تتناول قضايا ميدانية.
.. كذلك وضع مواثيق تربوية وأخلاقية وسلوكية تحددها المؤسسة الإعلامية على أن تشكل قاعدة عمل وسلوك للعاملين فيها الأمر الذي يستوجب مواكبة المؤسسة للتطبيق. وقد باتت غالبية المؤسسات الصحفية في معظم الدول تملك مثل هذه المواثيق.
ومن الضروري يقظة الصحفيين ووعي مسئولي التحرير في وسائل الإعلام إلى ضرورة تحاشي الأخطاء والانزلاق نحو المغريات المتعددة. تفعيل دور المجتمع المدني في المراقبة.
حاورته : دليلة قدور
جريدة ( الأمة ) الجزائرية