الشعب أسقط ملك ملوك أفريقيا

د. خالد غازى   

التاريخ حافل بالثورات علي الدكتاتوريات والانظمة الحاكمة المستبدة .. فلا توجد بقعة من بقاع المعمورة الا وشهدت ثورة أو انتفاضة أو انقلابا أو شكلا من أشكال التمرد ؛ ولهذه الثورات أسبابها ومحفزاتها وان اختلفت من منطقة أو بلد لاخر .. لكن المحفز الاول لاشعالها هو الاستبداد والفساد والتخلف ؛ فالثورة الفرنسية – كنموذج – قامت بسبب الاستبداد والفساد الذي تفشي علي نطاق واسع بين ابناء الشعب الواحد .. وهي نفس الاسباب التي ادت الي الثورة اللشفية الشيوعية ؛ حيث فساد النخبة الحاكمة والقياصرة علي مقدرات وثروات روسيا .. والحال كذلك مع الثورة الايرانية .

 

(1)

وما يحدث في العالم العربي من ثورات وانتفاضات هو نتيجة طبيعية لاستبداد الحكام وانفرادهم بالسلطة السياسية لعقود طويلة ؛ فمنهم من نعت اعداءه بالعلوج؛ حتى احتلوا بلاده، وسفكوا دماء ابناء وطنه، واستحيوا نساءه؛ ومنهم من فر هاربا بعد ان اشتدت نيران الغضب والثورة عليه ؛ تاركا بلاده وشعبه وسط امواج متلاطمة ؛ وكبيرهم الذى زج به وولداه ووزرائه فى السجن؛ لينتظروا مصيرهم المحتوم ؛ وصولا إلى الزعيم الملهم ملك ملوك أفريقيا، الذى وصف الثوار بالجرذان؛ حتى فوجئ بهم يدخلون عليه عرينه ليفر من بين ايديهم تاركًا ابناءه بين هارب وأسير وقتيل..

تفجرالربيع العربي بالثورات ؛ فسرت نيرانها من دولة الى أخرى ليتساقط الحكام امام من حقروا من شأنهم بعد ان طالبوهم بالتغيير والعدالة والديمقراطية وحقوق الانسان ؛ وإفساح الطريق أمام من يستطيع قيادة البلاد بفكر جديد ورؤى أجدد؛ من أجل حياة كريمة .

 

(2)

أليس القذافي هو من هدم ضريح المجاهد عمر المختار بعد منتصف ليلة 15 يوليو 2000 في الساعة الثانية صباحاً في مدينة بنغازي ونقل الضريح إلى مدينة نائية يقال لها “سلوق” لأنه يثير في الليبيين الشرفاء حينما يمرون بقربه كل معاني الايمان والفخار والعزة والجهاد والذكر والذكريات الخالدة؟ أليس القذافي هو المتهم الأول بتفجير طائرة ليبية فوق بنغازي عام 1992 في 22 ديسمبر ووجه التهمة للغرب لمقايضة ضحايا طائرة لوكيربي وراح ضحيتها 157 ليبيا؟ ألم يأمر بسحل وابادة 600 سجين رمياً بالرصاص، أضربوا في سجن أبوسالم في طرابلس؟ ألم يستبدل القذافي الشريعة الاسلامية بالكتاب الأخضر؛ الذي وصفه بأنه إنجيل العصر الحديث؛ ووصف الشريعة الاسلامية بأنها قانون وضعي كقانون نابليون والقانون اليوناني؛ ووصف الكعبة المشرفة بأنها آخر صنم لازال باقيا من الأصنام؛ ووصف سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد “صلي الله عليه وسلم ” بأنه مجرد “ساعي بريد” نقل رسالة السماء الينا؛ ؛ ويرى أن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس له أي قدسية وأنه كالفاتيكان؛  تلك الآراء المستفزة  دفعت بشيخ الاسلام ابن باز – رحمه الله – الى اصدار فتوى بتطبيق حد الردة على القذافي .

 

(3)

بسقوط ملك ملوك أفريقيا، تكشفت الكثير من الحقائق عن دور أجهزته المخابراتية في استمرار حكمه؛ وسيطرته المطلقة على زمام كل أمور ليبيا، واعتمد لتنفيذ مخططاته في الداخل قبل الخارج على زمرة من المرتزقة موزعين على عدد الأجهزة الرسمية والسرية؛  وإن كانت تبدو متعددة الأهداف ومتداخلة المهام، إلا أنها في الحقيقة تكمل بعضها بعضاً، وتعمل ضمن استراتيجية موحدة ، وهى إطالة نظام ” العقيد” واستمراره على رأس السلطة؛ وهذه الشبكة من الأجهزة تندرج تحت ما يمكن تسميته بـ “الثالوث المرعب” ويشمل كلاً من “حركة اللجان الثورية” وتمثل الضلع السياسي الإعلامي، و”هيئة أمن الجماهيرية” وتمثل الضلع الأمني، و”كتائب الأمن” وتمثل الضلع العسكري؛ ونظراً لتقدم التجربة القمعية لهذه الثالوث “الثوري”، فقد استطاع أن يحقق أكبر قدر ممكن من السيطرة المحكمة على الشعب الليبي؛ وبرزت من خلال ذلك حركة “اللجان الثورية” كرأس متقدم ومهيمن على بقية الأجهزة. فقد استطاعت التسلل إلى أغلب المواقع الحساسة والمؤثرة في النظام،  وتمكنت من السيطرة الفعلية على أهم الأمانات “الوزارات”؛ كالعدل والخارجية والإعلام والتعليم والاقتصاد”؛ أما بالنسبة للأجهزة الأمنية فجميع المسئولين ورؤساء الإدارات فيها هم من قيادات اللجان الثورية؛ التى كانت عبارة عن خليط من المخبرين الذين يشاركون في ادارة الاجهزة السرية  ، لا تحكمها أية اعتبارات قانونية؛ وميليشيات عسكرية يتدرب أعضاؤها على أحدث الأسلحة ويحملونها معهم باستمرار ويستعملونها ضد المواطنين بلا هوادة؛ وجهاز أمنى فوق القانون يعتقل ويحقق مع أي مواطن، ويستنطق ويعذب ويقتل الأبرياء؛ وجهاز لحراسة القذافي الشخصية والدفاع عنه والموت دونه.

وقد أشرفت اللجان الثورية على جميع عمليات الاعدام العلني – شنقا- في المدن والقرى الليبية، والتي كان يتم نقلها على شاشات التليفزيون بغرض الترهيب ؛ وتولت – أيضاً – تنفيذ عمليات التصفية الجسدية للمعارضين داخل وخارج ليبية ونبش قبور الذين دفنوا منهم داخل البلاد وإخراج جثثهم من قبورها ورميها في البحر أو وسط الصحراء؛ وهذه اللجان الثورية كانت هي المسئولة في إيداع أعداد كبيرة من الشباب الليبي في مصحات الأمراض العقلية ؛ لتعرضهم لفترات طويلة لأبشع أنواع التعذيب ؛ وشاركت أيضا بصفة رسمية مع وحدات عسكرية تابعة لكتائب الأمن في مداهمة المدن والقرى بقوة السلاح لاعتقال المطلوبين أو الفارين من المعارضين للنظام ؛ وتولت كذلك – تحت مسميات متعددة كالحرس الثوري والحرس الشعبي – عمليات الدوريات الليلية وسط المدن، وهم الذين يطلقون الرصاص داخل حرمات الجامعات، ومداهمة المساجد واعتقال المصلين؛ فيما تتكفل الراهبات الثوريات ؛ وهن يمثلن الجناح النسوي لحركة اللجان الثورية بمداهمة البيوت لإرهاب النساء والقبض على الفتيات اللواتي رفضن الانخراط في التدريب العسكري.

 

(4)

أما جهاز الأمن الخارجى ؛ فكان يترأسه ويشرف عليه ” العقيد” شخصياً ؛ وكان دوره متابعة ورصد حركة قيادة المعارضة الليبية في الخارج؛ وإعداد “مفارز” انتحارية لاغتيال هذه القيادات؛ ؛ وكشفت الوثائق أن المشرفين والمنفذين في هذا الجهاز بالآلاف؛ أشهرهم: عبد الله السنوسي المقرحي “عديل القذافي”، محمد على النايلي؛ إبراهيم البشاري، عبد السلام الزامة، سعيد راشد خيشة، موسى كوسة، وناصر عاشور  وعمر السوداني، ومصطفى الزايدى، ومحمد زبيدة.

هذه بعض الحقائق عن القذافي ورموز أجهزته الأمنية؛ وستظهر ـ الايام المقبلة ـ العديد من الحقائق الأخرى عن الدور الخفى الذى لعبه ملك ملوك أفريقيا لتدمير مقدرات وكيان شعبه الذي فاض به الكيل وصبر صبرا لاحدود له علي الاستبداد والقهر .