شهد العالم ثورة تكنولوجية كبيرة أثرت في مختلف مناحي الحياة الإنسانية، وبطبيعة الحال، لم تكن الصحافة بمنأى عن التأثيرات التي أحدثتها هذه الثورة، خصوصاً في مجال الإنترنت ونظم الاتصالات الرقمية، حيث صار بالإمكان نقل الأخبار والبيانات والمعلومات وتداولها بحرية تتجاوز حدود المسافات والأزمنة.
كذلك اتسع نطاق الكتابة في الفضاء الإلكتروني عبر شبكات الاتصال عن بعد، إذ استقبلت الصحافة وافداً جديداً إليها من الإنترنت هو “الصحافة الإلكترونية” وظهر ما يسمى النشر الإلكتروني والنشر عبر الإنترنت.
من هنا تأتي أهمية كتاب “الصحافة الإلكترونية العربية” للكاتب والباحث د.خالد محمد غازي (وكالة الصحافة العربية، القاهرة) الذي يناقش أسئلة محورية حول مدى اختلاف الصحافة الإلكترونية العربية عن نظيرتها الورقية، وأين يكمن التشابه والاختلاف بينهما، وهل هناك سمات تميز إحداهما عن الأخرى، وهل يقف كل من المطبوع الإلكتروني أمام تحولات مفصلية، وإلى أي مدى استثمرت الحكومات والجماعات المعارضة الصحافة الإلكترونية كمنبر إعلامي، وما التغيرات التي رافقت ظهور الصحافة الإلكترونية واستمرارها من حيث حرية الرأي والتشريعات الرقابية، والدور الذي يمكن أن تؤديه مواثيق الشرف المهنية في طرح مفهوم أخلاقيات النشر والتناول في الصحافة الإلكترونية العربية.
جاء الكتاب في مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، تناول الفصل الأول “الصحافة والتقنية الرقمية.. الأسس وآفاق المستقبل”، وناقش محاور تتعلق بطروحات النشأة والتحول الرقمي، والإنترنت كسيط إعلامي للصحافة الإلكترونية، وأنواع الصحف الإلكترونية وأنماطها واتجاهاتها، وسمات الصحافة الإلكترونية العربية.
فيما تناول الفصل الثاني “صحافة الإنترنت العربية.. أطر قديمة وأخرى مستحدثة”، وركز على أربعة مباحث هي: المطبوع الإلكتروني.. واقع وتحديات، وحرية الرأي جوهر حرية الصحافة، المدونات صحافة المواطن، التسويق السياسي والدعاية المضادة.
وفي الفصل الثالث تناول الباحث “اتجاهات الصحافة الإلكترونية المؤسسة على تباين الواقع”، وناقش فيه: السلطة السياسية.. الوافد الجديد، الصحافة الإلكترونية وتشريعات في الدول العربية، والرقابة.. مراقبة الفعل وفاعله، وأخلاقيات الإعلام الجديد ومواثيق الشرف.
ويخلص الباحث في كتابه الذي اعتمد على غير منهج في طرح الموضوعات ومناقشتها، وإنْ غلب عليه المنهج الوصفي الذي ارتكز على جمع المعلومات والبيانات وتحليلها وتفسيرها لاستخلاص دلالاتها، إلى أن الصحافة الإلكترونية الغربية استمرت ربع قرن من التجارب الإلكترونية والشبكية، وأصبحت تمتلك درجة من النضج والمعرفة بميزات النشر الإلكتروني، أما فيما يخص الصحافة العربية فلم تكن لها تجارب متراكمة في هذا المجال وبالتالي ظلت متأخرة.
ويوضح غازي أن الصحف العربية الإلكترونية تنقسم إلى ستة أنواع؛ وهي: صحف مطبوعة ورقياً معروفة باسمها وتاريخها، وصحف إلكترونية تحمل اسم الصحيفة الورقية، وصحف إلكترونية ليس لها أصل ورقي، ومواقع إعلامية، وإذاعات وفضائيات تعنى بتقديم تقارير إخبارية صوتية، ومواقع وكالات الأنباء العالمية والعربية.
ويرى الباحث أنه ليس كافياً توفير الصحيفة الورقية على موقعها الإلكتروني بالشكل والصيغة نفسها، إذ يتطلب منها ما هو أكثر من ذلك من ميزات الفورية ومواكبة الحدث والحدود المفتوحة، وتغليب العالمية على المحلية. كما يذهب إلى أن الصحيفة الإلكترونية لا بد لها من أن تكون مستقلة عن الصحف المطبوعة، حتى وإن كانت تصدر عن مؤسسة صحافية قائمة أو تحمل عناوين الإصدارات نفسها، ويمتد الاستقلال ليشمل جميع المراحل بدءاً من التخطيط لإنشاء المواقع وأهداف تحرير المادة الصحافية، وتصميم الصفحات، وتصميم آليات لتفاعل القارئ معها، والاستفادة من أدوات الاتصال المتاحة على الشبكة.
ويشير الباحث إلى جملة من الصعوبات التي تواجه الصحافة الإلكترونية العربية ومنها: عدم وجود عائد مادي من الإعلانات أو الاشتراكات أو التسويق مثل الذي توفره الصحافة الورقية، وندرة وجود الصحافي الإلكتروني المدرب وإلمامه بالتقنيات الرقمية المتعددة التي تحتاج إلى مهارة ودراسة وتدريب، وتأخر دخول الصحافة الإلكترونية للكثير من الدول العربية، وعدم وجود قاعدة جماهيرية واسعة لمستخدميه، وغياب الأنظمة والقوانين العربية التي تنظم الصحافة الإلكترونية، ما لها وما عليها، ولهذا يتعاظم الاهتمام بأمن المعلومات الإلكترونية وسلامتها.
تكمن أهمية هذا الكتاب، كما هو مثبت على غلافه الأخير، في كونه من البحوث العلمية الحديثة، التي تركز على سمات واستخدامات الصحافة الإلكترونية في المجتمع العربي، وقد نال عنه مؤلفه دكتوراه الإعلام في الصحافة الإلكترونية، ويكشف عن الوظيفة المهمة التي تقوم بها هذه النوعية من الإعلام. ولعل أهم ما ناقشته هذه الدراسة البحثية، مستقبل صحافة الإنترنت وتشريعاتها في الدول العربية، وأخلاقيات الإعلام الجديد ومواثيق الشرف، ومفهوم حرية الرأي في ظل ما أسماه “الدعاية والدعاية المضادة والتسويق السياسي”.. كذلك علاقة المحتوى بالشكل الإعلامي.
جريدة ( الغد ) الأردنية