طريقها طويل.. بدأ من أحمد عرابى حين قال”لقد خلقنا الله أحرارا ولم يخلقنا تراثا أو عقارا فوالله الذى لا إله إلا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم”، أشعلها ثوار براء، ولم يدنس شيئ كما حاول المحرضون، قاومت كل الاعاصير حتى ظهرت كبيرة تاريخياً وعظيمة فى نتائجها، بدأت بشهدائها وانتهت بتتويج محمد مرسى رئيسا لمصر .. إنها ثورة يناير.
(1)
جلس د. محمد مرسى مرشح حزب “الحرية والعدالة ” الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين على كرسي الرئاسة أخيراً وليس أخراً، لم يكن تتويجه بمثابة رضاء الشعب بأكلمه ولا سخطه كله، اختلفت المشاعر والرؤى، لكننا الآن لا نتحدث إلا عن النتائج، لكن رصد لطموح ثورة الخامس والعشرين من يناير.. هل تحققت؟ هل انتهى طموحها عند هذا القدر؟ بالتأكيد لا فقد قامت الثورة وهى تطمح إلى تغيير حقيقى يتجاوز الحدود الجغرافية لمصر الدولة، بإصلاح مساراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التى هى فى مجملها إذا صلحت صلح ما حولها ومن تولى أمرها، وبالتالى تؤثر فى دوائر تأثيرها فى المنطقة العربية والقارة الإفريقية ووالأمة الإسلامية والإنسانية المعاصرة. خلال الوقت الذى يحاول فيه البعض تقويض نجاحها وكبح جماحها الثورى الهادف الى تحقيق ما قامت من أجله ، بأن يجعل – الكارهين- أقصى طموحها مراجعة بعض الاتفاقيات والعقود والمواثيق الدولية وحدها، وتنسى فى الجانب الأخر الكثير من الأهداف المهمة ؛ أهمها فرض رؤى الغد الذى نصبو اليه، فطموحها لا يمكن إيقافه، لأن حركة التاريخ لا تتوقف مهما فعل المتضررون، فالحرية والعدالة طريقها يبدأ بخطوة الألف ميل، ولن ييأس من صنعها على استكمالها.
(2)
هل يحقق مرسى وعوده؟ .. إذ لابد أن يعلم جيداً أنه لم ينتخب على اعتبار أنه سحب الثورة من الأمام ؛ إنما ليكون رئيساً لكل المصريين، باخيتار الحلول السلمية للخروج من الأزمة الراهنة التى تفت جسد مصر، ومن الضرورى عليه أن يتصرف كرئيس منتخب عبر انتخابات نزيهة، وأن يدرك أيضا أن دور الرئيس يقتصر بأنه حكم بين جميع السلطات، وأن أمام الرئيس الجديد العديد من المصاعب، وأن يحافظ على الديمقراطية بين جموع الشعب، واحترام دم الشهداء الذى جرى من أجل الحرية والديمقراطية التى أتت به إلى قصر الرئاسة.
حتى لا تصدق الأقاويل التى تدور حول أن فوز مرشح الاسلام السياسى أو جماعة الاخوان المسلمين تهديد صريح لمستقبل الدولة المدنية، لاسيما هذا المنطق قد يشهد دور مصر فى الريادة والقيادة فى المنطقة تراجعا كبيرا، وكذلك إنه على ” مرسى ” عدم المساس بحرية الفكر والإبداع، حتى لا ينقلب الشعب عليه كما حدث لمن خلفه من الحكام المستبدين الذين قهروا شعوبهم وصادروا عليهم حرية التعبير والرأى، وعلى المصريين فى السياق ذاته أن يمارسوا التجربة الديمقراطية كاملة ولا يفرطوا في المكتسبات ؛ خاصة أن هناك عدد كبير من نسيج الشعب المصرى القبطى ؛ ساورته مخاوف كبيرة حال فوز مرسى بالرئاسة، مجموعة من المخاوف ظهرت على السطح بين المصريين عامة والأقباط بصفة خاصة خلال الأيام السابقة التى تم فيها الاختيار بين مرشحين أحدهما يمثل تيار الإسلام السياسى، وهو محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين، وبين الفريق أحمد شفيق المرشح المستقل الذى تم احتسابه على التيار المدنى.. هذه المخاوف تتعلق بمدى الحفاظ على مدنية الدولة التى سبق وأكد مرشح الجماعة عليها ومدى شعور الأقباط بنوع من الطمأنينة بحقوق المواطنة وحماية الحريات الدينية وغيرها.
(3)
ولابد من فض بكارة الرؤية الضايببة حول مستقبل الدولة الديمقراطية ؛ لأن هذا التخوف منبعه هو وجود برلمان بكتلة إسلامية تمثل الأغلبية، كذلك رئيس من جماعة الإخوان، سيتبعه مع مرور الوقت إن لم يكن من البداية حكومة إخوانية، وهو ما يعيدنا لتأميم حزب واحد لمصادر الحياة السياسية، وكذلك التخوف من قبل القوى السياسية والثورية من تحول الدولة الى دولة دينية، أو أنه لن يلتزم بتشكيل حكومة ائتلافية، بعد شعور الجماعة بنفوذها على المشهد السياسى كاملا من خلال وجود برلمانى مؤثر لحزبها، واستحواذها على منصب الرئاسة، مما سيجعلهم يعيدون النظر فى تشكيل حكومة ائتلافية مقابل حكومة حزبية للحرية والعدالة، بصيغة أننا نريد تنفيذ مشروعا للنهضة بعيدا عن الخلافات التى قد تنشأ حال الوجود فى حكومة ائتلافية، ويظل الدستور هو الهاجس الذى يشغل بال كل المصريين ؛ لما سيترتب عليه مستقبل الدولة وإدارة جميع مؤسساتها، وبالتالى سيزداد الضغط الشعبى ؛ لضمان دستور يشمل حقوق كل الشعب ولا يخدم تيارا أو جماعة بعينها.
(4)
إن التحدى فى تطبيق الخطب على أرض الواقع، المصريون سئموا الكلام؛ لذلك فالقيمة الحقيقية للمشروع هى مدى قدرة الجماعة على إقناع الشعب به، وخلق فرصا حقيقية تعيد المشروعات القومية الضخمة، وهو ما نحتاجه في المرحلة القادمة . ان الخطاب السياسي اليوم للرئيس مرسي يحمل في طياته العديد من الإشارات المطمئنة، فى مقدمتها: أنه سيسعى لتشكيل فريق رئاسى معاون له سيضم قبطيا وأحد الشباب من الائتلافات الثورية وأحد الأكاديميين، وآخر قد يكون أحد الخاسرين فى الانتخابات الرئاسية فى الجولة الأولى، ليكون هذا الفريق هو أقرب فى ظاهره للمجلس الرئاسى فى محاولة لكسب تأييد قطاع كبير من الشارع ممن أعلنوا مقاطعتهم للانتخابات لجولة الإعادة، لاسيما وأن فكرة الفريق الرئاسى ستكون عنوانا دون مضمون حقيقى تشمل صلاحيات واضحة يكون لها قرار مؤثر، وأنها فكرة ستكون أقرب للمجلس الاستشارى، يُكسر حاجز القلق والرهبة لدى كثيرين فور تنفيذها.. أما الحكومة ستكون محكومة بقيود البرلمان الاسلامى ؛ خاصة أن الحكومة الائتلافية فى ظل مرسى ستكون أقرب للحكومة البرلمانية، لسيطرة الأغلبية البرلمانية على توجيهات الحكومة، وتبقى صياغة الدستور حيث قد تسعى الجماعة تسعى لتعزيز سلطات الرئيس.
د. خالد محمد غازي