المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية.. عصية على النجاح

د.خالد محمد غازي   

نجاح ميتشل في أيرلندا الشمالية، والذي يعزوه المحللون إلى طول أناته في الاستماع لأطراف النزاع هناك وكسب ثقتها، لن يكفل له هذه الأيام الاحترام في واشنطن أو الشرق الأوسط.. فقد نعته الإسرائيليون والفلسطينيون علناً بالفاشل.. يقصد بالتفاوض أنه وسيلة حوار يهدف إلى حل المنازعات والتوصل إلي اتفاق حول مسارات العلاقات أو الأعمال؛ للمساومة من أجل ميزة فردية أو جماعية، أو لصياغة النتائج التي ترضي مختلف المصالح.

وقد ورد في معجم “لسان العرب”، أن المفاوضة، تعني: المساواة والمشاركة.. وهي “مفاعلة” من التفويض، كأن كلا الطرفين قد رد ما عنده إلى صاحبه.

 

(1)

ولكن، ما الطريقة المثلى لعملية المفاوضة؟

التفاوض – كما جاء فى تعريفاته اللغوية – لا يقصد به الجانب السياسي فقط، بل يأتى إطار الانشطة التجارية لحكومات الدول، والإجراءات القانونية فيما بينها ، وفي الحالات الشخصية مثل: الزواج، الطلاق، تربية الأطفال، الحياة اليومية.

والمفاوضون المحترفون غالبا ما يكونون متخصصين، مثل: مفاوضي الاتحاد ومفاوضي السلام، والمفاوضين بشأن الرهائن، وقد يعملون تحت مسميات أخرى، مثل: “الدبلوماسيين” و”المشرعين” أو “السماسرة”.

فالمفاوضات، أيا كان شكلها ووسيلتها، تبقى تحمل مضمونا وهدفا ؛ لذلك تتعدد أشكالها ، بل هناك من يبتدع شكلا معينا لها تحت ذريعة “أن أحد الأطراف لا يريد أن يجلس مع الآخر وجها لوجه”، وهذا الشكل ، الهدف منه فقط: “حفظ ماء الوجه” للدخول فى المفاوضات، وعليه نسمع عن مفاوضات عن قرب أو مفاوضات عن بعد، أو مفاوضات “الغرف المغلقة” والسرية، وهناك ما يعرف بمفاوضات “المنتجعات السياحية الفخمة”، التى تبعث الأمل فى نفوس المفاوضين، وتحدث حالة من الأسترخاء السياسى، الذى قد يسهل الوصول إلى حلول لقضايا شائكة.

 

(2)

المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية،تبقي من أكثر المفاوضات تنوعا؛ فهي كما جاء على لسان الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ” معقدة جدا” ؛ وفي هذا السياق، طبقت كل أشكال المفاوضات، وآخر ما نسمع عنه: “مفاوضات تقريب وجهات النظر”، أو “المفاوضات غير المباشرة” عبر الغرف المتلاصقة أو المجاورة، وهى “بالطبع” مفاوضات غير مباشرة داخل الغرف، ومباشرة خارج الغرف أو صالات الفنادق التى تعقد فيها ؛ قد تكون قيمتها أنها قد تحرر المفاوض الفلسطينى من عبء المواجهة المباشرة، التى قد تحمل صورا هو فى غنى عنها، وهنا قد يتمسك بموقف أكثر تشددًا، ويترك بقية التفاوض على كاهل الوسيط الأمريكى.. وكل هذه مبررات قد لا تكون مفيدة؛ فالغاية، هي: الوصول إلى نتائج ملموسة علي أرض الواقع .

 

(3)

المفاوض الفلسطينى يصر على التجميد الكامل للاستيطان؛ حتى تكون هناك إمكانية لحل الدولتين، وهو بهذا وضع نفسه فى موقف صعب، فهو متمسك بالمفاوضات كخيار رئيسي، إلا أنه، فى الوقت ذاته، غير قادر على الذهاب لمفاوضات غير معلومة النتائج ، وبالتالي فلماذا التفاوض؟ وبالمقابل، فالحكومة الإسرائيلية حكومة يمينية متشددة ؛ خاصة تجاة موضوع الاستيطان، وبرنامجها ومستقبلها واستمرارها مرهون على موقفها من هذه المسألة؛ والراعى الأمريكى “الرئيسي” غير قادر على اتخاذ موقف واضح وحاسم ، ويتواني أن يمارس تأثيره علي اسرائيل، لأنه يأخذ الموقف ذاته.. المهم – في اعتقادنا – ليس شكل المفاوضات، بقدر التأكيد على مضمونها وجوهرها.

 

(4)

إن المفاوضات غير المباشرة، التي يسعى جورج ميتشل مبعوث الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى الشرق الأوسط لإطلاقها بعد أيام، لن تفضي إلى نتيجة ملموسة؛ لأن المشكلة  بالأصل ليست بشكل المفاوضات، وإنما بنوايا الجانب الإسرائيلي، الذي يرفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، وما أقرته له هيئات الأمم واعترف العالم كله بهذه الحقوق لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فهنا تبدو النتيجة واضحة ، مادامت الحكومة الحالية متربعةً على عرش القرار السياسي في إسرائيل، فقد باتت المشكلة متمثلة في قدرة الوسيط الأمريكي على تقديم ضمانات جادة وحقيقية لانجاح التفاوض، وصولا الي استحقاقات السلام.

إذن، نحن لسنا أمام مفاوضات جديدة، بل على العكس، هناك أكثر من ستة عشر عاما من الخبرة التفاوضية، ويفترض أنه قد تم التغلب على مشاكل الثقة، أو معرفة موقف كل طرف، والأهم أن المفاوض الفلسطينى قد وصل إلى الذروة فى سلم التنازل التفاوضى، وهذا يتطلب البعد عن أسلوب الضغط المتزايد عليه، وإلا ستنهار المفاوضات مع أول جلسة تفاوضية.

فمن يملك مفاتيح نجاح المفاوضات، هى إسرائيل وحدها، باعتبارها سلطة احتلال؛، فقد سبق أن أضاعت إسرائيل فرصة قيادة الرئيس ياسرعرفات كنموذج قادر على تحقيق سلام الشجعان .. واذا أضفنا الي ذلك أن تلك الجولة من المفاوضات تأتي فى ظل مشهد فلسطينى معقد من الانقسام، رغم أن المفاوضات تحتاج إلى قيادة مؤمنة بالسلام والمفاوضات .

 

(5)

لقد دفعت واشنطن الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية، إلى قبول المفاوضات غير المباشرة، بعد سلسلة مواقف تعارض السياسة الإسرائيلية، من قضية الاستيطان إلى الموافقة على بيان مؤتمر “جَعْل الشرق الاوسط منطقة خالية من السلاح النووي”، ودعوة إسرائيل – بالاسم – إلى الانضمام إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وصولا إلى الموافقة على البيان الرئاسي لمجلس الأمن في شأن الاعتداء على “أسطول الحرية”.

ومسار المفاوضات غير المباشرة ؛ يتعامل مع جدول أعمال يركز على إقامة الدولة الفلسطينية، أي يتعامل مع القضية ككل، وليس مجرد حل لمشكلة محددة في هذه القضية كقضية حصار غزة أو بناء المستوطنات في القدس ؛ فالمسارين حالياً شبه متوازيين، والخطورة على القضية الفلسطينية تكمن في اعتبار أن أحدهما  يشكل بديلًا عن الآخر، أو أن أيًّا منهما وحده يؤسس للحل، ولا شك أن عدم بذل الجهود لإيجاد صيغة لتلاقيهما لن يكون في مصلحة القضية الواحدة. فلا بد من حوار يهدف إلى حل المنازعات والتوصل إلي اتفاق حقيقي وعادل .

 

(6)

وما يدهش أن صحيفة ” الجارديان ” البريطانية قالت: “إن شائعات ظلت تسري في الدوائر الدبلوماسية، بأن المبعوثين للشرق الأوسط الأمريكي: جورج ميتشل، والدولي توني بلير، يفكران في التخلي عن المهمة بعد أن وجدا أن القضية عصية على الحل”.

كما لفتت إلى أن ” ميتشل ” عُيِّن في المنصب بعد أيام من تولي باراك أوباما رئاسة الولايات المتحدة، وهو ما اعتبرته مؤشرا على أن الإدارة الأمريكية الجديدة تولي الصراع  في الشرق الأوسط أولوية في سياساتها.غير أن الأمور سارت على نحو أبطأ وأكثر إحباطا، مما كانت الإدارة تتصور، خاصة بعد انهيار خطة أوباما في سبتمبر الماضي ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود منذ ذلك الحين.

وذكرت الصحيفة أن أفضل مرحلة في حياة المبعوثين: ميتشل، وبلير، تمثلت في نجاحيهما كمفاوضين في إرساء السلام في أيرلندا الشمالية عام 1997 خلافاً لكل التوقعات.

وظل الاثنان منذ أكثر من عام يعملان معاً مرة أخرى في محاولة لإيجاد حل للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، إذ إن ” ميتشل” المبعوث الخاص لأوباما ، و” بلير” مبعوث للجنة الرباعية التي تضم كلاً من الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا.

وعاد ميتشل للمنطقة لإجراء مباحثات مع القادة الفلسطينيين والإسرائيليين؛ من أجل التوصل لتسوية تمهد الطريق لاستئناف مفاوضات السلام..

ان نجاح ميتشل في أيرلندا الشمالية، والذي أوعزه المحللون إلى طول أناته في الاستماع لأطراف النزاع هناك وكسب ثقتها، لن يكفل له هذه الأيام الاحترام في واشنطن أو الشرق الأوسط.. فقد نعته الإسرائيليون والفلسطينيون علنًا بالفاشل، وتعرض لانتقادات في واشنطن على خلفية الصراع الداخلي بين مستشاري البيت الأبيض ووزارة الخارجية، بشأن الطريقة المثلى لإحراز تقدم، وهو أحد الأسباب التي أدت إلى إطلاق الشائعات باحتمال استقالته من منصبه.