د. خالد محمد غازي
لماذا توقفت داعش عن تصوير جرائمها ضد من يقع من ضحايا في يدها؟ هذا السؤال يطرح نفسه الآن، لكن قبل هذا السؤال تداول مراقبون لسلوك داعش أن نفس المهارات في التصوير والإخراج وربما نفس المصورين وحتى بعض الممثلين في مشاهد ذبح ضحايا داعش تتكرر في العراق وسوريا وحتى في ليببا، فهل ينتقل نفس القائمين على عمليات التصوير الهوليودي لداعش بين مناطق الذبح؟ أم هل تتم عمليات التصوير في “استديو هوليودي واحد”؟! فحتى الآن لا يعرف أحد لماذا توقفت هذه المشاهد الهوليودية ؟!
(1)
كشف أكثر من فيديو نشره تنظيم داعش الإرهابي لمشاهد ذبح الضحايا الكثير من الملاحظات والتساؤلات.. بداية من التشابه في شكل ومضمون كل فيديو وكأنه استكمال لمسلسل طويل الحلقات. ومن الملاحظات التي أثارت انتباه المتابعين لمسلسل القتل بإخراج هوليودي ارتداء الإرهابيين ساعات رولكس الفخمة، وعمل ماكياج لوجوههم وتكحيل عيونهم، بالإضافة إلى حملهم “خناجر” من ماركة كولومبيا الأمريكية الصنع باهظة الثمن..ويتحدثون الإنجليزية بطلاقة، دون تعثر أو تلعثم. أما أبطال الفيديوهات من جناة وضحايا.. فالجناة أشخاص طوال القامة رياضيو الأجسام؛ ليبثوا الرعب في نفوس من يشاهدهم.
(2)
تنظيم “داعش” الإرهابي يستخدم الحرب النفسية بمهارة واحترافية، لا يمكن أن تتوفر للهواة أو تنظيم بدائي. واستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بفاعلية وتركيز مؤثر تمكنه أن يسيطر على بعض العقول، فالتنظيم لا ينزعج أو يعلن عندما يدحر في معركة ولا يكترث عندما يفقد أحد قادته. أو يدمر معقل من معاقله.
هذه التوجه أشبه ما يكون بالتوجه المؤسساتي أو الحكومي؛ حيث يوحي لك أنه أكبر من الهزيمة. يستخدم الشائعات المعدة سلفا التي تؤثر في الخصم اعتمادا على أسلوب مركزي في تصدير المعلومة التي يريد بثها وتوصيلها، ويسيطر على قنوات إعلامه، ولا يعتمد على التعددية الإعلامية له؛ فعندما تتعدد الوسائل الإعلامية الدعائية فإنها قد تفلت من السيطرة المركزية؛ ومن هنا تبدو كل الوسائل والأساليب المستخدمة مدروسة إلى حد كبير، مستغلة تكنولوجيا الاتصالات من حيث التصوير والأماكن والترجمة حتى الإخراج الفيلمي.. علينا أن نتأمل بعناية ما قاله ألان رودييه، مدير المركز الفرنسي لبحوث الاستخبارات: “وصلت الدعاية التي ينتهجها تنظيم داعش إلى مستوى عال من الحرفية، لذلك بات لزاما أن يتم استثمار الإمكانات في حرب من هذا النوع.. إن هدف داعش من وراء نشر فيديوهات إعدام الرهائن هو بث شعور بالرعب لدى الناس، لإخضاعهم وفرض سطوته عليهم”، معتبرا أن “تدمير الاستراتيجية الدعائية للتنظيم المتطرف قد تصبح أكثر إلحاحا ونجاعة من قنابل التحالف الدولي”.
هذه الدعاية التي يعتمدها التنظيم تخوله نشر الرعب، وتساعده في جذب المزيد من المقاتلين إلى صفوفه. وإذا كانت الحرب النفسية في مفهومها الكلاسيكي، كما أوردها الكاتب الأمريكي بول لينبارجر في كتابه الشهير “الحرب النفسية”: “هي استخدام الدعاية ضد عدو ما مع مساعدة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية لاستكمال هذه الدعاية، واستخدام المخطط للتخاطب الذي يهدف إلى التأثير في عقول أو مشاعر فئة معينة من الناس، كما أنها تطبق أجزاء من علم النفس لتدعيم جهود العمليات السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية”.
ومع تطور التكنولوجيا أصبحت الحرب النفسية تستهدف المدنيين والعسكريين، أيضا من خلال وسائل التواصل والتخاطب الحديثة، للوصول إلى الجماهير المستهدفة لإقناعهم بقبول أفكار ومعتقدات معينة أو لاستعراض قوة ربما تكون أكبر من حجمها الواقعي، لتقضي على إرادة المواجهة وتدفعه إلى الخوف والاستسلام والتشويش وبث الفرقة والجدل والانقسام بين أبناء المجتمع الواحد، وإضعاف الجبهة الداخلية والنيل من المعنويات وتوليد شعور بعد الثفة في النفس.
استراتيجية داعش في المناطق التي سيطر عليها في سوريا أو العراق تعتمد على الدعاية وبث الرعب النفسي لفرض هيمنته وسطوته، فضلا عن سرقته للأموال ووضع يده على الممتلكات العامة والخاصة، واستقطاب الخونة والمرتزقة من ضعاف النفوس بالمال، وميدانيا لا يعتمد التنظيم على خطط عسكرية تعكس ما يروج له، فقد فشل في المحافظة على مناطق سيطر عليها من نينوى إلى عين العرب مرورا بسنجار ومطار دير الزور العسكري، ومناطق كثيرة في طريقها للسقوط، كل هذا أظهر هشاشة تركيبته العسكرية وفوضوية قتاله مما يفقده سريعاً السيطرة على الكثير من المناطق التي استولى عليها.
الكاتب الأمريكي ديفيد إغناشيوس، كتب مقالا في “واشنطن بوست” بعنوان “استراتيجية داعش المرعبة”، قال فيه “إن التنظيم لا يمكنه أن يفرض أي سيطرة على أي بلدة أو منطقة لا في سوريا ولا في العراق، حيث أكدت التجربة أنه لا يتقن غير القتل للقتل، وليس لديه أي بيئة تحتضنه أي برنامج أو مشروع غير الفوضى والضياع والإجرام”.
(3)
نفس فكرة الحرب النفسية التي يتبناها تنظيم داعش تستخدمها الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية لبث الرعب في النفوس بالتهويل والتخويف. وفي إطار ذلك قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما “إن الولايات المتحدة ستعمل على صد تنظيم داعش وتقويض قدراته خلال أشهر قبل هزيمته”.
وأضاف في مقابلة مع “إن بي سي نيوز”: “إن تنظيم داعش يمثل تهديدا بسبب طموحاته بالتوسع في العراق وسوريا. والمجتمع الدولي يدرك أننا إزاء تهديد تتعين مجابهته”. وأضاف قائلا: “سنضعفهم وسنقلص مساحة الأراضي التي يسيطرون عليها. وفي نهاية المطاف سننتصر عليهم” معتبرا أن الأمر سيحتاج موارد تفوق ما تخصصه واشنطن حاليا لهذه المنطقة.. إذا تمكن هؤلاء المسلحون الإسلاميون المتطرفون من “السيطرة على أجزاء مهمة من الأراضي وتجميع موارد وأسلحة وجذب المزيد من المقاتلين الأجانب” فإنه يمكن أن يصبح لاحقا تهديدا حقيقيا لواشنطن”.
أما رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، فيقوم بحملة ترويج وتخويف من داعش، وكان مما قاله: إن داعش ستتمدد قريبا إلى لبنان والأردن وإن لديها القدرة على ذلك.
أيضا قال الرئيس الفرنسي هولاند عن داعش، بأنه ليس تنظيما اعتياديا، بل إنه كيان يمتلك كافة مقومات الدولة، ولديه الأموال والثروات التي تمكنه من الاكتفاء الذاتي كما لديه القاعدة الشعبية والبيئة الحاضنة التي تمكنه من النمو وإيجاد المقاتلين باستمرار.
من الخطأ أن نعتقد أن الولايات المتحدة وحلفاءها من الأوروبيين يريدون إنهاء وجود داعش، ولو كان هذا الاعتقاد صحيحا لانتهجوا استراتيجية واضحة للحرب عليه، لكن حقيقة الأمر هم من يعملون على تغذية وحوش تسمى داعش حتى ترعب الشعوب العربية، ويتم استنزاف الموارد المالية والبشرية والحيلولة دون الاستقرار السياسي أو الاقتصادي للمنطقة.
لماذا لم تمنع القوى العظمى وقف الأنشطة الإعلامية للتنظيم على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، وإصدار قرارات دولية مؤثرة بإلزام دول العالم بتجفيف منابع تمويل ومساعدة التنظيم، واعتبار الدول التي تستمر في دعمه بأي شكل من الأشكال راعية للإرهاب تفرض عليها عقوبات دولية بمقتضى البند السابع لميثاق الأمم المتحدة؟.
ولماذا لا تمنع دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وبلجيكا وهولندا والدنمارك وتركيا، وغيرها مواطنيها من الانخراط في صفوف داعش؟.