في كتابه “الصحافة الإلكترونية العربية – الالتزام والانفلات في الخطاب والطرح” يضع مؤلف الكتاب د. خالد غازي، يده على ما يمكن أن يعتبر نقطة ضعف شديدة الحساسية والوضوح في معظم المواقع الإلكترونية العربية، وهي أن معظم هذه المواقع، حتى المواقع الشهيرة منها، تقوم بنقل المحتوى عن مواقع إلكترونية أخرى، ولا تنتج محتوى خاصاً بها لتنشره على صفحاتها الإلكترونية، وعلى الرغم من أن المؤلف ذكر على وجه التحديد مواقع تنقل المحتوى عن مواقع أخرى، إلا أن هذه الظاهرة تكاد لا يسلم منها موقع إلكتروني عربي.
واختار المؤلف لنفسه أن يخرج كتابه في شكل دراسة علمية ناقشت مستقبل الصحافة الإلكترونية وتشريعاتها والبيئة المهنية ومواثيق الشرف الإعلامية المنظمة لها في الدول العربية، كما ناقش المؤلف في كتابه بالإضافة إلى ذلك أخلاقيات الإعلام الجديد ومواثيق الشرف.
ويضم الكتاب ثلاثة فصول أساسية هي الصحافة والتقنية الرقمية .. الأسس وآفاق المستقبل، وصحافة الإنترنت العربية .. أطر قديمة وأخرى مستحدثة، واتجاهات الصحافة الإلكترونية المؤسسة على اتجاهات الواقع، كما تضمن كل فصل عددا من المباحث العلمية الأساسية، واختتم المؤلف كتابه بملخص باللغة العربية وملخص باللغة الإنجليزية ونتائج وتوصيات.
ويؤكد المؤلف على أن الصحافة الإلكترونية استطاعت أن تحقق في عدة أعوام ما حققته الصحافة الورقية في عشرات السنين، وتمكنت الصحافة الإلكترونية في هذا الإطار من تقديم مكاسب مختلفة وعلى أكثر من صعيد للإعلاميين وللجمهور ولطبقة السياسيين الذين نجحوا في التعامل معها بمهارة وتوظيفها ضمن عمليات التسويق السياسي، لكن المفارقة هي أنه مع ذلك فلا تزال الصحافة الإلكترونية تعتمد بالإساس على معطيات وحتى كوادر الصحافة التقليدية.
ويعتبر أن الصحف الإلكترونية تلعب دورا خطيرا فيما يتعلق بالعملية التي عرفت مؤخرا بالتسويق السياسي، فعلى الرغم من أن الصحف الورقية لعبت دورا في هذا المضمار خلال الفترة التي احتكرت فيها المشهد الصحفي، وقبل ظهور الصحافة الإلكترونية في حقبة ما قبل الإنترنت وثورة المعلومات، إلا أن المؤلف يؤكد أن دور الصحف الإلكترونية أكثر خطورة في هذا الصدد، خاصة فيما يتعلق بعمليات ترويج الأفكار والقيم والمبادئ المرتبطة بعملية التسويق السياسي مع الأخذ في الاعتبار سرعة انتشار الصحف الإلكترونية واتساع جمهوره الصحف الإلكترونية وسرعة وصول المحتوى السياسي المنشور في الصحف الإلكترونية للجمهور المستهدف مقارنة بالصحف الورقية.
ولا يفوت المؤلف في هذا الصدد أن يشير إلى الدور الذي يلعبه القراصنة أو الهاكرز سواء في تطوير تقنيات الانتشار والاختراق من خلال الصفحات الإلكترونية، أو حتى وضع مبادئ للحماية الإلكترونية، وهو ما دفع شركات البرمجيات العملاقة للتودد لهؤلاء الهكرز والاستعانة بهم في خطط واستراتيجيات ومبادئ للحماية الإلكترونية خاصة في الأوقات التي تنشط فيها حملات التسويق السياسي من خلال حماية الصفحات الإلكترونية لهذه الحملات، خاصة مع ظهور عملية دمج غريبة بين حملات التسويق السياسي وبين عمليات مفترضة للقراصنة أو الهاكرز في بعض الحالات.
لقد كسرت الصحافة الإلكترونية ما كان يعرف في عقود ماضية باحتكار نشر الأخبار وحتى الوصول للمعلومات، بعد أن تحولت الصحف الإلكترونية لمنصات لنشر المحتوى ومصادر للوصول للمعلومات في نفس الوقت، ولم يعد في مقدور الحكومات أن تكبح نشر الأخبار والمعلومات أو تقلل من تدفق المعلومات والأنباء عبر ملايين الصفحات الإلكترونية عبر الفضاء الإلكتروني الافتراضي، بل لم يعد هناك حاجة لبناء مؤسسات إعلامية ضخمة لنشر صحيفة بعد أن أصبح في الإمكان لأي شخص لديه الحد الأدنى من المعرفة بالحاسب وتصفح مواقع الإنترنت وبعض الخبرة الفنية في البرمجة البسيطة بناء صحيفته الإلكترونية وإدارته بنفسه.
لقد فتحت الصحافة الإلكترونية الباب الذي موصدا لسنوات طويلة أمام الكثيرين للولوج لبلاط صاحبة الجلالة.
لكن مع ذلك فلا تزال البيئة التشريعية والقانونية، فضلا عن المناخ السياسي في العالم العربي قاصراً بشكل واضح للعيان عن التعامل مع ظاهرة الصحافة الإلكترونية، فالقوانين في العالم العربي لا تزال غير قادرة على التعامل مع المستحدثات الجديدة في هذا الصدد، وبالتالي فالبيئة القانونية حتى الآن التي تنظم الفضاء الإعلامي على شبكة المعلومات الإلكترونية لم تضع تشريعات مناسبة لا من ناحية الكم ولا من ناحية الكيف للتعامل مع الصحافة الإلكترونية.
وبدلا من أن يحاول واضعو القوانين التكيف مع ظاهرة الصحافة الإلكترونية الجديدة يكتفون بأن يعتبرون الصحافة الإلكترونية وافدا غير مرغوب فيه، وبالتالي تكون النتيجة على المستوى التشريعي والقانوني أن يكتفي واضعو القوانين والتشريعات الصحفية في العالم العربي المزيد من القيود القانونية والتشريعية على الصحف الإلكترونية وعلى العاملين في الصحف الإلكترونية، لدرجة أن بعض هذه القوانين تكاد تساوي بين نشر الأخبار بواسطة الصحف الإلكترونية وبين نشر الشائعات، بل وتفرض عقوبات قاسية على العاملين في مجال النشر الإلكتروني والصحف الإلكترونية مقارنة بالعاملين في الصحف التقليدية وتوجد حالات مختلفة تبرز هذا التناقض، بل أنه بينما يتمتع العاملون في الصحف الورقية بالحماية القانونية لعملهم، فإن العاملين في الصحف الإلكترونية مهددون على الدوام بأن يقعوا تحت طائلة القانون.
لقد خلقت الصحافة الإلكترونية ما أطلق عليه فيما بعد اسم “المواطن الصحفي”، وهذا المواطن الصحفي أصبح بالفعل منافسا لا يستهان به لمن كانوا في الماضي يعتبرون أنفسهم أساطين الصحافة التقليدية، وعلى الرغم من وجود جانب إيجابي لهذه الظاهرة، إلا أن الأمر لم يخلُ من جوانب سلبية، وأخطر هذه الجوانب السلبية في هذا الصدد هو أنه أصبح في الإمكان لأشخاص غير مؤهلين الولوج للبيئة الصحفية والتأثير فيها، وهو ما يطالب معه المؤلف بضرورة تفعيل مواثيق الشرف الصحفي والإعلامي لتجنب نشر الشائعات والفتن وتهديد الأمن القومي للبلدان التي تعمل فيها هذه الصحف.
كما طالب المؤلف بتفعيل مواثق الشرف الصحفي والإعلامي يطالب المؤلف في نفس الوقت بضرورة إعلاء قيم الحريات الصحفية والإعلامية، وأن تكون هذه الحريات الإعلامية للعاملين في حقل الإعلام محفوظة في ظل إطار من الحماية القانونية والدستورية ليس للصحفي فقط بل وللمجتمع في نفس الوقت، وبما يكفل ضمان حرية الصحفي والإعلامي وضمان قيم وأعراف المجتمع والحفاظ على الحريات الشخصية والعامة.
كما طالب المؤلف في هذا الإطار أيضا أن تستفيد الدول العربية من خبرات البلدان الأوربية التي سبقت الدول العربية خاصة فيما يتعلق ببناء بنية تشريعية وقانونية لعمل الصحافة الإلكترونية والعاملين فيها، مع ضرورة أن يتم العمل في نفس الوقت على تطوير بنية الصحافة الإلكترونية العربية التي تتطور وتزدهر كل يوم.
يذكر أن كتاب “الصحافة الإلكترونية العربية – الالتزام والانفلات في الخطاب والطرح” للدكتور خالد محمد غازي، صدر في طبعته الجديدة عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة، ويقع في نحو470 صفحة من القطع الكبير.
محمد مختار