عائشة القذافي .. سفيرة النوايا الشريرة !

د. خالد محمد غازي   

حقا لا تستطيع أن تعرف شخصًا إلا من خلال الأزمات، ومواقفه التي تبين من أي معدن هو؛ خاصة شخصيات المشاهير والنجوم في عالم السياسة أو الفن.. في ظل إعلام يباع ويشتري؛ يزيّف ويلوّن ويقْلب الحقائق؛ ويجمّل القبح ليصير جمالا.. وهذا ما حدث مع “عائشة” ابنة الزعيم معمر القذافي؛ هذه المرأة الثلاثينية ذات الشعر الأصفر المركب، والقوام الذي جعلها تشبه عارضات الأزياء؛ فهي المرأة الجميلة الخلابة؛ ابنه الزعيم الثوري؛ لبست قناع العمل الخيري؛ فتردد اسمها علي كل لسان.

 

(1)

قيل إنها الأقرب إلى والدها، والأقوى في مملكته النسائية التي تقطنها ممرضات فاتنات يحملن مختلف الجنسيات؛ وحارسات شخصيات يحطن بالزعيم أينما ذهب.. ونتيجة لظهورها الإعلامي رشحتها بعض الدوائر الإعلامية لتكون خليفة لوالدها في حكم الجماهيرية.. تقول عن والدها: “أبي يعطيني الكثير من الوقت؛ أحياناً أشعر معه بدور الحاكم والمحكوم، وفي أحيان أخرى أشعر بأنه صديقي العطوف. وفي كل الأحوال هو دوائي ضد أوجاعي وحصني ضد أحزاني”.

وتشبه “عائشة” أباها، خاصة في تبنيها المواقف المثيرة للجدل؛ ومنها: اعتلاؤها منبر الخطباء في “هايد بارك” ركن الخطباء “Speakers Corner” بلندن، ومهاجمتها السياسات الأمريكية والبريطانية في أوج الأزمة الليبية – الأمريكية جراء قضية “لوكيربي”؛ والتي انتهت بدفع ليبيا تعويضات للضحايا مقابل رفع الحصار الأمريكي عنها.

وكذلك أيدت “عائشة” الجيش الأحمر الأيرلندي الذي كان متورطاً في عنف وإرهاب ضد أهداف بريطانية؛ فتسببت بذلك في أزمة دبلوماسية بين بلادها وبريطانيا؛ وزادت من الشبهات التي حامت حول والدها في خصوص دعمه للجيش الأحمر.

وقد ذكرت صحيفة “الصنداي تايمز” أن “عائشة” ألقت خطابًا مثل أبيها تؤيد فيه الجيش الجمهوري الأيرلندي، وأن الخطاب الذي ألقي في ركن الخطباء بلندن خلال عطلة نهاية الأسبوع شكل انتهاكًا للبروتوكول الدبلوماسي، وأدى إلى حالة من الاستنفار الأمني؛ لذلك شعرت الجهات الأمنية البريطانية بـ”الغضب” إزاء زيارات سرية يقوم بها أفراد من أسرة معمر القذافي إلى لندن.

وفي أثناء الأزمة الدبلوماسية التي اشتعلت بين ليبيا وسويسرا قبل نحو ثلاث سنوات على خلفية إلقاء القبض على أخيها “هانيبال وزوجته؛ بسبب تورطهما في الاعتداء على مخدوميهما، كان لـ”عائشة” اليد الطولى المؤثرة في إشعال الأزمة؛ بعد أن حرضت والدها على الحكومة السويسرية؛ حيث صدف أن كانت برفقة “هانيبال” وزوجته، ولم تعجبها المعاملة غير الخاصة التي تلقياها على يد الشرطة السويسرية.

كما أثارت جدلاً حين انضمت إلى فريق الدفاع عن الرئيس العراقي السابق صدام حسين مشبهة إياه بعمر المختار.. وترجع علاقة عائشة بالرئيس صدام حسين منذ العام 2000 حين ترأست الوفد الليبي في أول رحلة جوية إلى بغداد في تحد لكسر الحظر الجوي المفروض على العراق من الأمم المتحدة منذ 1990، وعندها قالت: “قمنا بهذه الرحلة دون أن نأخذ إذن من أحد؛ لأن زيارتنا هذه تمثل الانتقال من غرفة إلى أخرى داخل منزل واحد؛ فلا داعي لأخذ أي إذن بذلك”.. وأضافت عائشة: “هذه الزيارة تعكس الأخوة والتآزر مع أهل العراق”.

ولم يكن غريباً من ابنة القذافي أن تشيد بدور ما يسمى بـ”المقاومة الإرهابية” في العراق؛ وتصفهم بالأبطال الذين يسطرون الملاحم ضد القوات الأمريكية، وقوات الاحتلال.. كما أنها لها تصرفات تثير الدهشة؛ فتجد لها خطابات سياسية تدعو للجهاد تارة، وخطابات أخرى تؤيد العمليات الإرهابية الأيرلندية تارة أخرى؛ مما حير المراقبين.. ماذا تريد عائشة بالضبط؟

 

(2)

فتقول “عائشة”: “رضعت الطبع الثوري مع الحليب، تربيت عليه منذ نعومة أظفاري”.

كما تلقت تدريباً على استعمال المسدس، والكلاشينكوف، والغدارة والرمانة، وهو الأمر الذي تعكسه مواقفها الجريئة وشخصيتها القوية.

وبما أنه ليس لعائشة أي منصب سياسي يبرر “تدخلاتها” وخطاباتها السياسية، فقد أنشأت جمعية أسمتها جمعية “عائشة” الخيرية، والتي غيرت اسمها فيما بعد إلى جمعية “واعتصموا” الخيرية؛ لتكون – بحسب بعض المراقبين للشأن الليبي – منبراً لها للمشاركة والمناضلة في الأمور السياسية التي تحبذ أن تتدخل فيها؛ مثل” القضية الفلسطينية، والعراقية، والسودانية.. وغيرها من القضايا التي لا تنتهي.

ارتدت عائشة نصف حجاب لفترة زمنية، ثم أخذت في الظهور بحجاب شبه كامل، ولدت في العام 1975 لتعيش حياة مترفة؛ كفتاة وحيدة مدللة لوالدها العقيد من زوجته الثانية؛ مما أتاح لها الاستمتاع بكل متع الحياة الباذخة. وتخصصت في القانون أثناء تلقيها دراستها الجامعية، وكانت بصدد الحصول على دكتوراه في القانون الدولي عام 2003 من جامعة “السوربون” بفرنسا حين قررت قطع رسالتها؛ لأنها وجدت: “أنه من العبث إضاعة الوقت في دراسة شيء لا وجود له”.

 

(3)

ومنذ سنوات معدودة، صدر عنها كتاب؛ عنوانه: “عائشة معمر القذافي.. أميرة السلام”؛ يتناول سيرتها الذاتية، ويجزل الإطراء والمديح لتلك المرأة الخارقة؛ إلا أنه لم يغير شيئا في حقيقة أمرها، تلك الحقيقة التي لا علاقة لها بالسلام سوى من خلال الادعاء والكذب الرخيص؛ حيث مواقف وتصريحات عائشة القذافي خير دليل على ذلك.

لقد نسيت أن تسدي النصيحة لوالدها بأن يكف عن اغتيال شعبه وذبح أطفاله واستخدام الأسلحة المحرمة دوليًّا.. نسيت أن تقوال لوالدها أن يكف عن استبداده ويحترم إرادة شعبه.. نسيت ذلك في زحمة غرورها الكذاب وحياتها الباذخة؛ فهي لا تزيد علي كونها نسخة أنثوية من والدها العقيد.

اسألوا “أميرة السلام”: ماذا فعل والدها القائد بأطفال مصراتة وطرابلس وأجدابيا وضحايا أبو سليم والشباب الذين شنقوا بالعشرات في الجامعات؛ والمئات القابعين في السجون السرية تحت الارض؟

وكما أنكر والدها أنه يملك أو يحكم – مثل ملكة بريطانيا – تتمسح هي أيضا وتتستر وراء أعمال خيرية مزعومة؛ لقد اعتادت أن تتنصل من جولاتها الشرائية في أفخم المحال الأوروبية في لندن وباريس وجنيف، لكن فضحتها صحف “التابلويد” الغربية، وضبطتها بالصور وهي تقلد معبودتها عارضة الأزياء الألمانية “كلوديا شيفر” في تسريحة ولون شعرها وحتى مشيتها وقوامها.

لقد اعتبرت مطالبة التحالف الدولي للزعيم الليبي بالتنحي “إهانة” لكل الليبيين، وقالت: “من لا يريد القذافي فهو لا يستحق الحياة”.. وقالت: “كلمة تنحي القذافي هي استفزاز لكل الليبيين؛ فالقذافي ليس في ليبيا بل في قلوب كل الليبيين”.. جاء هذا في خطاب حماسي أمام أنصار القذافي الذين احتشدوا في مجمع “باب العزيزية” المحصن بقلب العاصمة طرابلس، بمناسبة الذكرى الخامسة والعشرين على قصف ليبيا، عندما شنت الولايات المتحدة غارات جوية على طرابلس في العام 1986 .

وأضافت “عائشة” – أمام الحشود التي رددت شعارات التأييد والولاء: “أمطرونا بالصواريخ والقنابل محاولين قتلي، عندما كنت في الخامسة من عمري، وقتلوا بالفعل عشرات الأطفال الليبيين، والآن وبعد ربع قرن، ها هي نفس الصواريخ والقنابل تنهمر على رءوس أطفالي وأطفالكم”.

وتابعت: “من هم المدنيون الذين تحمونهم؟ هل هم الذين يحملون البنادق الأوتوماتيكية والقنابل اليدوية؟ هل هؤلاء هم المدنيون الأبرياء الذين تقولون إنكم تحمونهم؟ اتركوا سماءنا وخذوا معكم طائراتكم وصواريخكم”.

وفي المقابل، اعتبر الثوار – الذين تحاصرهم قوات القذافي – كلمة ابنته علامة على اليأس؛ فالقذافي حكم ليبيا بقبضة حديدية على مدى 42 عاما، وقتل كل من حاول معارضته، وما قالته عائشة هو علامة على يأس أسرة القذافي وبطانته. إنهم يعرفون أن أيامهم معدودة”.

 

(4)

تنبهت الأمم المتحدة – متأخرا – الي حقيقة “أميرة السلام” فعمدت إلي تجريدها من لقب “سفيرة النوايا الحسنة”، والذي كانت تحمله وتعمل به لمكافحة الحروب ومقاومة الإيدز والعنف في ليبيا؛ بعد أن أخذها والدها القائد والزعيم الثوري معه إلي قتل أبناء شعبه دون وازع من ضمير أو إنسانية.

لو كانت “عائشة” ابنة رجل عادي لما تعدى ذكر اسمها جدران بيت عائلتها؛ وهي ليست حالة فريدة في عالمنا العربي.