مع تقدم السن وزحف الشيخوخة إلى أجسادنا وقلوبنا ما أحوجنا إلى أن نعود أطفالًا مرة أخرى، وربما نعود فعلا لعقولنا إلى اهتمامات الأطفال.. لكن حين نعود هل نجد أحباءنا؟!.. هل نجد الأب الذي ندفن رؤوسنا في صدره أو نتمسح في ساقيه أو نعبث في شعره؟! إنها الأشياء التي نحتاجها كثيرًا، لكننا نعجز عن الاحتفاظ بها طويلا.. وتنحدر دمعة ساخنة من عين فاطمة رشدي، وتعتذر لقد تذكرت ابنتي عزيزة.. ربما تكون تحتاجني في هذه اللحظة، فأنا أفتقد أبي كثيرًا.
يرى العلامة ابن حزم في طوق الحمامة أن: “الحب أوله هزل وآخره جد.. دقت معانيه لجلالتها عن أن توصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة.. القلوب بيد الله، لا يلزمها غير المعرفة والنظر في الفرق ما بين الخطأ والصواب”.
ويقول إن من علامات الحب: إدمان النظر.. والإقبال بالحديث والاتصال.. والإنصات إلى حديث المحبوب إذا حدث.. وتصديقه وإن كذب. وموافقته وإن ظلم.. والشهادة له وإن جار.. واتباعه كيف سلك وأى وجه من وجوه القول تناول.. والإسراع بالسير نحو المكان الذي يكون فيه.. وتعمد الجلوس بقربه والدنو منه.. والاستهانة بكل خطب جلل داع إلى مفارقته.. واضطراب يبدو على المحب عند رؤية من يشبه محبوبه.. أو عند سماع اسمه، وكرم المرء ببذل كل ما كان يقدر عليه، مما كان متمنعا به قبل ذلك.. كأنه هو الموهوب له والمسعى في حظه.. فكم بخيل في الحب جاد.. وجبان تشجع.. وغليظ الطبع تطرب.. وجاهل تأدب.. وفقير تجمل.. وناسك تفتك.. ومصون تبذل.
وهذه العلامات تكون قبل استعار الحب وتأرجح حريقه.. وتوقد شعله.. واستطارة لهبه.. فأما إذا تمكن وأخذه فحينئذ ترى الحديث أسرارًا.. والإعراض عن كل ما حضر إلا عن المحبوب جهارًا.
لعب عزيز عيد دور الفتى الأول على مسرح حياة فاطمة رشدي حتى قبل أن يتم رفع الستار وإعلان مولدها في دنيا الفن.. وظلَّ يلعب دور البطولة حتى نهاية حياته وإن كان يتوارى من وقت لآخر حسب ما اقتضاه السيناريو الذي خطه القدر، ونظرا لمساحة دوره الكبيرة واختلاف طبيعته من وقت لآخر من الفنان الأستاذ إلى الزوج الحبيب إلى الصديق، فإننا نتعرض لدوره تبعًا لترتيب هذه الأشكال على مسرح حياة “سارة برنار الشرق”.
كان اللقاء الأول بين عزيز عيد وفاطمة رشدي في أحد المقاهي الشهيرة التي يرتادها الفنانون بشارع عماد الدين.. ولم تكن قد رأته من قبل أو تعرف من هو؟ رغم أنها كانت تتردد على هذا المقهى من وقت لآخر، وقد قدمها إليه محمد تيمور الذي كان يشملها بالعطف والتشجيع منذ أن رآها تقدم بعض المونولوجات في أحد ملاهي “روض الفرج” وهي طفلة لم يتجاوز عمرها الثانية عشرة قائلًا لها: تعالي أعرفك على الأستاذ الكبير عزيز عيد.
ولفت انتباهها الاحترام التي لف بها “تيمور” اسم عزيز عيد، خاصة أنه – أي تيمور – كان من كبار الكتاب الأرستقراطيين في ذلك الوقت..
وتساءلت في نفسها من هو الذي يحظى بكل هذا الاحترام والتقدير من رجل في مكانة الأستاذ تيمور، الذي أخذها من يدها متوجهاً إلى عزيز عيد وهو يقول: «دى بطاطا يا أستاذ.. وهي تحمل روح فنانة وتبشر بالكثير في دنيا الفن».
وكانت الطفلة الصغيرة التي مازالت مندهشة تدقق النظر في هذا الأستاذ. إنه رجل قصير.. أصلع الرأس.. ذو أنف كبير ومقوس، في عينيه بريق غريب شديد اللمعان رغم هدوئه الظاهر وصوته المميز جدًا.
وتقول: من يومها ومازالت صورة عزيز عالقة بذاكرتي ولم تتعرض أبدًا للتلاشي، لأنني أصبحت أعتبره نموذجًا للعظماء، حتى إنني عندما أسمع اسم نابليون أتخيل أنه صورة أخرى من عزيز عيد، وكذلك كل الزعماء السياسيين الذين لم أعرف ملامحهم، وأفاقت الطفلة من أفكارها على صوت عزيز الهادئ ونظرته المتأملة قائلًا:
– هل أنت فنانة؟
– نعم يا أستاذ «وكانت فاطمة في طفولتها تعاني من لثغة»
– فنانة إزاى يعني؟
– أغني
– ما شاء الله.. وهل تجيدين التمثيل؟
– لا.. ولكنني سوف أكتب رواية مثل الأستاذ تيمور.
– يعني أنت شاطرة في القراءة والكتابة.
– لا أنا لا أعرف القراءة أو الكتابة، لكني سوف أكتب رواية وكفاية إن عندي أفكار.
وضحك عزيز عيد ضحكة كبيرة، وتوجه بحديثه إلى تيمور قائلًا:
- عندك حق إنها لطيفة جدًا ومادة خام جيدة، ولكنها تحتاج إلى أن تصقل وتشكل، لأنها فعلًا «تحفة» جاءت في الوقت المناسب، وعندي لها دور يناسبها جدًا في مسرحية «القرية الحمراء».
ولم تكن فاطمة تعرف في ذلك الوقت أن فكرة تقديم هذه المسرحية لم تكن سوى وليدة اللحظة بعد أن اقترض عزيز عيد خمسة جنيهات من تيمور قدَّر أنها كافية لإيجار المسرح وتكوين فرقة مسرحية.
وتساءلت الطفلة عن المسرحية ودورها ولم تستطع أن تداري فرحتها وخوفها في الوقت نفسه.. ولم يكن من الصعب على الفنان الحساس عزيز أن يشعر بذلك.. فطمأنها قائلًا:
– لا تخافي سأعلمك كل شيء.
وانصرف عزيز بعد كلمته الأخيرة وكأنه قطع على نفسه عهدًا بأن يجعل من هذه الطفلة أسطورة المسرح العربي.. وربت محمد تيمور على كتف فاطمة مهنئًا لها، فقد استطاعت أن تكسب رضا وإعجاب أستاذ المسرح في البلد، وقال لها:
– لو اجتهدت وثابرت مع عزيز سوف يصنع منك ممثلة كبيرة، لأنه متخصص في صناعة النجوم.. حتى إذا فكرت في أن تصبحي كاتبة ومؤلفة، فسوف يأخذ بيدك في هذا الطريق أيضًا.
البداية.. مفاجأة
ولم يمض أكثر من يومين حتى بدأ عزيز في عمل بروفات المسرحية الجديدة.. وكانت فاطمة مرتبكة.. خائفة نتيجة خوفها الشديد من خشبة المسرح الذي تقف عليها ممثلة للمرة الأولى.. وتولى عزيز تدريبها على الدور الذي اختاره لها، وهو دور «عين أبوها» فتاة صغيرة تتصدى لجبروت عمدة القرية الظالم، الذي يحاول اغتصابها وتسعى للهروب منه.
وفي أول أيام العرض بهرت الممثلة الناشئة عزيز عيد الذي كان يقوم بدور العمدة الظالم وقدرته الفائقة على تجسيد الدور لدرجة أنها قفرت هاربة من فوق خشبة المسرح. مستنجدة بأمها عندما اقترب منها في مشهد الاعتداء عليها، ونسيت تمامًا أن ما يحدث هو عرض مسرحي.. ورغم أن عزيز اضطر إلى إصدار الأوامر بإنزال الستارة عقب هروبها المفاجئ إلا أنه لم يغضب من تلميذته الجديدة بل على العكس تمامًا أخذ يتقرب إليها، ويشرح لها الكثير مما تجهله من عالم الفن والتمثيل، ويحكي لها بمودة عن تجاربه الصعبة والعقبات التي واجهته من خلال عمله مع عدد كبير من الفرق المسرحية المختلفة.
تقول فاطمة: في إحدى جلساتي مع الأستاذ عزيز دخل علينا أمين صدقي ووجَّه حديثه إليه قائلًا.. ماذا عن أخبار تلميذتك الجديدة؟
فأجابه: إنها جوهرة.
فعلَّق أمين موجهًا حديثه لي: أبشرى يا فاطمة الأستاذ ينوي أن يصنع منك روزاليوسف الثانية.
فضحك عزيز قائلًا: إن طموحاتي بالنسبة لها أكبر من ذلك بكثير فاستعدادها الفني عظيم وصوتها يشبه إلى حد كبير صوت «سارة برنار»..
وبالطبع لم تكن فاطمة تعرف من هي «سارة برنار» ولمح عزيز الدهشة والاستفهام على وجهها فأضاف: إنها أعظم ممثلة مسرح في العالم، وسوف أحكي لكِ عنها في الوقت المناسب، ولكن يكفي أن تعرفي أنني اضطرت إلى العمل «كومبارس» خلفها حتى أتمكن من مشاهدتها عن قرب حين جاءت إلى القاهرة لتقديم أحد عروضها المسرحية.
وتؤكد فاطمة في مذكراتها أنها: منذ هذا الوقت وأنا أحلم بأن أصبح مثل هذه الممثلة العظيمة التي يقبل أستاذ كبير مثل عزيز أن يقوم بدور «كومبارس» حتى يشاهدها وهي تمثل، واستمر عزيز في تبنيه «لسارة برنار الشرق» ورغم حداثة سنها وجهلها إلا أنه لا يجد مانعًا من أن يتحدث إليها عن آماله وأحلامه بالنسبة للمسرح.. كان يحدثها عن المُثل العليا والأدب والفكر والممثلين العظماء.. محاولًا أن يبسط حديثه معها للمستوى الذي تستطيع إدراكه مثلما كان يفعل مع جمهور المسرح الذي كان تعاني الغالبية العظمى منه من الأمية.. وتؤكد فاطمة أنها كانت تستمع بشغف وفهم لكل ما يقوله حتى وإن استعصى على إدراكها المحدود.
وتتابع: خلال جلوسي إلى عزيز كنت أشعر بمتعة لا أعرف أسبابها، وكنت أتجاهل كل الدعوات التي يوجهها إليّ الشباب من أبناء الأثرياء، وحدث مرة أن عرض علىَّ أكثر من واحد منهم أن يقوم بتوصيلي بسيارته فاعتذرت وفضَّلت أن أركب «الترام» مع عزيز «الكبير» ولاحظ عزيز ذلك فقال لي: أعلم يا فاطمة سر إعجابك بي.. فهذا طبيعي بين الفنان والفنان وأؤكد لك أن بداخلك روح فنان عبقري وما أحوج الفن إلى أمثالك، ولكنني أشفق عليك من متاعب هذه المهنة والصعاب التي يتعرض لها الفنان، وأخاف عليكِ جدًا من تصميمك وعنادك وإن كنت لا أستطيع أن أخفي إعجابي في نفس الوقت.
واستغربت فاطمة هذا الحديث من أستاذها ومسحة الحزن التي بدت واضحة على وجهه فسألته: لماذا تقول هذا الكلام؟ فأجاب عزيز.. إن هذا الكلام لن يقوله لك غيري.. فأنا عاشق للفن، أجاهد لأبني هيكله من عصارة فكري واحتراق أعصابي وربما لا يقدر أو يفهم ذلك أحد غيري، لهذا لا أريد أن أجبرك على مواجهة كل هذا العناء.
وسرح عزيز بعيدًا.. بعيدًا.. وكأنه لا يشعر بكل العالم المحيط به بل نفذ من حدود جاذبية الأرض ليسبح في عوالم أكثر رحابة.
لقد استطاع عزيز – كما تقول فاطمة – أن يجعلني أشاركه أحلامه وهمومه وأن أشعر معه أنني في حالة مغامرة دائمة، وأحببت هذه الحالة وهذا الإحساس الذي لم أجده مع أي إنسان آخر.. ومن خلال لقاءاتي المتكررة وجلساتي الطويلة معه عرفت أنه رغم اسمه الكبير لا يتمتع بشيء من الغنى أو الثروة.. بل هو فقير يعاني من الحاجة في أوقات كثيرة.. وتجرأت وسألته وكانت إجابته في غاية الغرابة بالنسبة لي في ذلك الوقت وإن كنت عرفت ماذا يعني فيما بعد؟ فقد أجابني قائلًا: أنا فنان ولست تاجرًا أو إنسانًا عاديًا، وكل تفكيري ينصب على المسرح ولا شيء غيره لدرجة أنني أنسى في كثير من الأوقات هل أكلت أم لا؟ إنني مثل الجندي الذي يحارب بمفرده وليس أمامه سوى الانتصار.. حتى أتمكن من خلق مسرح بالمعنى المفهوم وليس هذا المسخ الردئ الذي تقدمه الملاهي والكازينوهات.
وتعترف بأنها لم تكن تفهم ما يقوله، ولكنها أُخذت بانفعاله الصادق وشعرت ببعض الشفقة على هذا الرجل أنها تمنت أن تكون رفيقة رحلته الشاقة.. فهذا الرجل يسعى إلى تحقيق شيء لا يهتم به الآخرون.. شيء أكبر من المال والثروة شيء له طعم السعادة التي تشعر بها وهي معه..
وبدأت جلساتها إليه تطول وعرفت معاناته طوال رحلته مع الفن والتي تجسدت في العمل بدون أجر وأحيانًا أخرى يتعرض للضرب والطرد.
وكانت التلميذة تتألم كثيرًا لأستاذها الذي كان يحكي لها في سعادة تشبه سعادة الأطفال.
واستمر عزيز ينفخ من روحه وخبرته في نفس وعقل تلميذته الصغيرة في الوقت الذي أحضر لها رغم فقره الدائم عددًا من المعلمين وشيوخ الأزهر، لتعليمها القراءة والكتابة والإلقاء وكان يطلب منها باستمرار الحرص على قراءة القرآن. رغم أنه كان وقتها ما يزال مسيحيًا، إلا أنه كان يؤمن بأن القرآن هو المصدر القوي لإجادة اللغة العربية.. وكانت فاطمة تحاول أن تتقدم بسرعة في دروسها بسبب رغبتها في إرضائه وتحقيقًا لآماله التي يعقدها عليها.. ونجحت بالفعل في أن تخطو خطوات واسعة في هذا الاتجاه.. لم تكن فاطمة لتحقق كل ما وصلت إليه في ظل وجودها في مسارح وملاهي روض الفرج.. وكان حلم عزيز بدأ يشكل بعد أن أصبحت هي جزء من هذا الحلم.
وتقول فاطمة: ذات يوم أخبرني عزيز أنه قرر السفر إلى إيطاليا للقاء يوسف وهبي.. وكانا على اتصال دائم وطلب مني الإسراع في إجادة القراءة والكتابة حتى أكون جاهزة عند عودته، لأنه يفكر في مشروع كبير يحقق من خلاله حلمه بالنسبة للمسرح وبمجرد سماعي لنبأ سفره شعرت بحزن شديد لم أعرف له سببًا غير أنه أصبح بالنسبة لي شيئًا آخر غير الأستاذ والفنان.. إنه هذا الشيء الذي يسعدنا دون أن نستطيع أن نعبر عنه بالكلمات ولكننا نستدل عليه بما نشعر به في قلوبنا.. لقد شعرت وكأن العالم كله سوف ينفض من حولى بمجرد سفره وكدت أرجوه ألا يسافر لولا هذا الفرح الذي يكاد يقفز من عينيه.. لقد بدأ حلمه الكبير يتمكن من نفسه.
وبالفعل سافر إلى إيطاليا والتقى بصديقه يوسف وهبي، وأثمر هذا اللقاء عن وضع الخطوط العريضة لفرقة «رمسيس» التي أعتبرها ميلادي الحقيقي في عالم الفن.. كما هي الميلاد الحقيقي للمسرح المصري بالشكل الذي كان يحلم به عزيز عيد.. وكان من الطبيعي أن أكون واحدة من أفراد فرقة «رمسيس» رغم صغر سني بحكم علاقتي بعزز الذي كان يتولى الإخراج في الفرقة الجديدة.. وكم كانت سعادتي بذلك حيث أصبحت زميلة لكل الفنانين الكبار في مصر في ذلك الوقت بعد أن كنت تلميذة لعزيز فقط.
إن جيل عزيز ورفاقه وتلامذته هو الذي تحمَّل عبء النهوض بفرقة «رمسيس» وكان النجاح الذي تحقق ثمرة طبيعية لجهوده الدؤوبة المتفانية وروح العطاء والإخلاص التي كانت تفيض منه فتغمر الجميع.. فيتحول كل فنان أو عامل إلى عاشق للعمل الذي يقوم به مهما كان بسيطًا أو صغيرًا.
وانهمك عزيز في العمل كعادته وإن كان هذا العمل هذه المرة له مذاق خاص، فهو يعمل ما يريده لا ما يريده الآخرون.. انهمك ليكتب ويترجم ويخرج أعمال الفرقة وبجانب كل ذلك كان يشرف على الديكور والمناظر ولا يترك شيئًا حتى يتأكد بنفسه من الوصول إلى أعلى درجات الدقة.
ولم تكن الطفلة فاطمة قادرة على استيعاب كل ما يحدث.. فلم يكن عقلها قد وصل إلى إدراك طبيعة الفنان حتى أنها تقول: كان عزيز لا يعرف الملل أو التعب، فكانت البروفات تستمر طوال النهار وجزءًا من الليل ولا تتوقف سوى لحظات قليلة يلتقط فيها الفنانون والعمال أنفاسهم ويخرجون لتناول «ساندوتش» أو كوبًا من الشاي في الوقت الذي كنت أضيق ذرعًا بكل هذا الكم من العمل والتكرار المستمر للبروفات، وعندما أفكر في إعلان تبرمي والتعبير عن ضيقي كانت نظرة واحدة من عزيز أو إليه تجعلني أنسى متاعبي تمامًا.. فقد كان يقضي اليوم كله داخل المسرح في حجرة خاصة جعلها مقرًا دائمًا لإقامته لا يكف طوال النهار عن توجيه الممثلين أثناء البروفات والإشراف على كل الأعمال الأخرى، وبمجرد انصرافنا كان يبدأ في إعداد الديكورات والمناظر وكثيرًا ما كان العمال يحضرون إلى المسرح في الصباح، فيجدونه نائمًا على المسرح وهو ممسك ببعض الأوراق.
ورغم هذا المجهود الكبير الذي كان يبذله عزيز إلا أنه لم يكن يلتفت كثيرًا إلى الأمور المادية حتى أنه كان لا يحصل على مرتبه والذي حدده له يوسف وهبي وقدره ثلاثون جنيهًا.. لقد كان عشق عزيز للفن يفوق كل حد، وهكذا كان تلامذته وزملاؤه مثل يوسف وهبي وروزاليوسف وحسين رياض وأحمد علام وحسن فايق وزينب صدقي، سرينا إبراهيم، ومختار عثمان، والبارودي وغيرهم.. لقد كانت روح عزيز تلف المكان بالحب والرغبة في النجاح.
وجاء يوم الحصاد كما كان يسميه عزيز عيد.. وتم الافتتاح الرسمي لفرقة «رمسيس» بمسرحية «المجنون» وكانت فاطمة تقوم بدور صغير يتناسب مع عمرها الصغير ونجحت المسرحية نجاحًا كبيرًا واعتبرها النقاد عملًا مسرحيًا مصريًا خالصًا.. وقد غمر النجاح الكبير المشاركين في العمل وكتبت بعض الأقلام عن فاطمة صاحبة الدور الصغير بشكل جيد.. وتنبأ لها البعض بمستقبل كبير في دنيا الفن.