فساد النخبة السياسية في إسرائيل

د . خالد محمد غازي  

(1)

إن الوسط السياسي في إسرائيل ليس بعيداً عن حالات الفساد والإجرام المنظم، إلا أن هذا الوسط يمارس ذلك بطريقة منظمة ويحاول حمايته بالقانون وبالحصانة البرلمانية ؛ فمؤخرًا، أوقف رئيس البلدية السابق للقدس المحتلة “أوري لوبوليانسكي”، لتورطه في فضيحة فساد عقارية مدوية، مرتبطة بعدد من المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، ويشتبه في إقدام ليوبوليانسكي، الذي خلف أولمرت عام 2003 في رئاسة بلدية القدس لولاية من 5 سنوات، علي تلقي رشاوي عاد منحها الي جمعية “يد سارة” الخيرية، في القضية التي أطلقت عليها تسمية “هوليلاند”ـ بحسب وسائل الإعلام ـ وكان موقع “هوليلاند” وهو أحد أجمل عقارات القدس، مخصصا في البدء لبناء ثلاثة فنادق، لكن بني فيه مجمع سكني ضخم لاحقا·· وتشتبه الشرطة في أن بناء المجمع الأسمنتي الضخم الذي يحجب الرؤية تم مقابل رشاوي كبيرة، سددها رجال أعمال إلي مسئولين رفيعي المستوي في بلدية القدس .

ومثال أحر للفساد ، فقد استقال  “إيهود أولمرت” رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، ورئيس حزب كاديما من منصبه في 12 سبتمبر 2008، بعد أن أوصت الشرطة باتهامه رسميا بتلقي أموال بصورة غير مشروعة من مانح يهودي أمريكي .. ويحاكم أولمرت (46 عاما) علي ثلاث فضائح منذ 21 سبتمبر 2009 وتعود الوقائع إلي فترة توليه رئاسة بلدية القدس، ثم وزارة الصناعة والتجارة (2003ـ2006) وهو متهم بالاحتيال، استغلال الثقة، التزوير، والتهرب الضريبي في القضية غير المسبوقة في تاريخ الدولة العبرية ·· ويتعرض أولمرت الذي دفع ببراءته إلي خطر عقوبة بالسجن .

ولم يكن “أولمرت” آخر هؤلاء الفاسدين الذين لاحقتهم قضايا الفساد، من اللحظة الأولي لدخوله لمكتب رئيس الوزراء بعد سلفه “آرئيل شارون”، الذي أنقذته الجلطة الدماغية ـ التي لا يزال يعيش نتائجها ـ من الملاحقات القانونية، وكان أول هذه الملفات التعيينات السياسية في وزارة الصناعة والتجارة أيام كان يشغل منصب الوزير فيها، وقضية شرائه منزله في مدينة القدس وختمها بقضية مغلفات الدولارات، ويشكل “أولمرت” مجرد عينة حية من مظاهر الفساد، فسبقه “آرييه درعي” وزير الداخلية الأسبق من حركة “شاس”، وقبله الوزير “سيغف” الذي حوكم وسجن بتهمة تهريب حبوب مخدرة إلي إسرائيل .

وبالعودة سنوات قليلة إلي الوراء، سنجد أن الفساد المالي والإداري وحتي الأخلاقي، بات جزءًا من ثقافة السياسة الإسرائيلية، فرئيس الدولة السابق “موشيه كتساف” أدين بالعديد من جرائم التحرش الجنسي، أدت به للاستقالة من رئاسة الدولة، وبالتزامن مع قضية رئيس الدولة، كان “حاييم رمون” من قيادات حزب “كديما” يلاحق في قضايا أخلاقية هو أيضاً، وقبل رئيس الدولة السابق كان رئيس حزب الليكود الحالي “بنيامين نتنياهو” قد تورط في علاقات غرامية اضطر للاعتراف بها من علي شاشة التليفزيون الإسرائيلي والاعتذار لزوجته علي الملأ ؛ لينقذ مستقبله السياسي بالدرجة الأولي .

 

(2)

تعتبر قضايا الفساد والإجرام التي تقودها عائلات معروفة بتاريخيتها في هذا المجال مادة مثيرة للإعلام الإسرائيلي ؛ فلا تمر نشرة أخبار ولا تقرأ صحيفة إسرائيلية، إلا وتجد أخبار عائلات الإجرام في عناوينها الرئيسة .

فهذا أحد قادة حزب الليكود “إيلي لندوا”  له مقولة شهيرة تتداولها وسائل الإعلام: “إذا ظلت الأمور علي ما هي عليه الآن في إسرائيل فإنه لا يستبعد اليوم الذي يصبح فيه أبرجيل (زعيم أكبر عصابة إجرام منظم في الدولة) رئيسا للوزراء” .. وها هي اليوم عائلة أبرجيل باتت جزء من الاقتصاد الإسرائيلي تسيطر علي عشرات الشركات في مختلف القطاعات الاقتصادية، فقد ذكرت صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية أن أملاك وعقارات عائلة أبرجيل تقدر بملايين الدولارات، فهذه العائلة تسيطر علي ما يقرب من (37) شركة كبري منها المختص في إدارة القوي العاملة ومنها في مجال الوساطة المالية وإدارة مواقع المراهنات والقمار علي الإنترنت، ناهيك عن عشرات العقارات السكنية  بمناطق متميزة جدا .

والمجال الإجرامي لهذه العائلة تعدي حدود إسرائيل ليصبح نشاطاً دولياً، فقد اعتقلت الشرطة الإسرائيلية الأخوين “يتسحاق أبرجيل” و “مائير أبرجيل” بناءً علي طلب الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتهم هذان بالمشاركة في عمليات قتل وغسل أموال وتهريب مخدرات للولايات المتحدة الأمريكية .. وعائلة أبرجيل ليست الوحيدة فهناك العديد من العائلات المثيلة لها؛ منها عائلة “أوحنا”، وعائلة ” أبطبول” وغيرهما كثر، وتعمل هذه العائلات علي شكل تنظيمات منظمة في العالم السفلي، فعلي الرغم من عمليات التصفية المتبادلة بين هذه العائلات، فنادراً جداً ما تستطيع الشرطة الإسرائيلية الوصول للفاعلين، كون هذه المجموعات تعمل دائماً علي تصفية حساباتها بعيداً عن الشرطة وساحات القضاء، حيث باتت لهذه العصابات مناطق نفوذ في إسرائيل، وسيطرة علي بعض القطاعات التي يحذر علي غيرهم العمل أو الاتجار بها في مناطق النفوذ هذه .

 

 

(3)

إن الترابط بين عالم السياسية وعالم الإجرام في إسرائيل ظاهرة اتسعت بشكل كبير ؛ ونشير في هذا الصدد  أيضا، إلي ما عرف بقضية “بارون مقابل حيفرون”، أو بالعربية “بارون مقابل الانسحاب من الخليل”، وكانت هذه القضية زمن حكومة “نتنياهو” عام 1997، حين اشترط “آريه درعي” من حركة شاش تعيين “روني بارون” محاميه الخاص في قضايا فساد مثارة ضده في حينه كمستشار قضائي للحكومة، مقابل موافقة حركة “شاس” علي إعادة الانتشار لجيش الاحتلال في مدينة الخليل، والثمن مقابل هذا التعيين كان إغلاق ملفات التحقيق ضد درعي عند تولي “بارون” وظيفة المستشار القضائي للحكومة، ونتائج هذه الصفقة هي تمرير خطوة سياسية وأمنية للحكومة مقابل تعيين سياسي، وتبرئة درعي من قضايا فساد وسوء استغلال للمنصب، مما يكشف زيف وكذب دولة الاحتلال وساستها عن وجود قيم ومبادئ وعقيدة يدافعون عنها، بقدر ما هي عصابات منقسمة لسياسيين فاسدين وإجرام منظم كلهم يعمل تحت شعار: “الغاية تبرر الوسيلة” .

حادثة أخري تدل علي الفساد السياسي  فبعد حملة الهجرة من الاتحاد السوفيتي السابق إلي إسرائيل، كان “أفجيدور ليبرمان” زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” له علاقات قوية مع رجل الأعمال الروسي الأصل “جادي ليرنير” الملاحق جنائيا وقضائيا من الحكومة الروسية، وها هو رجل الأعمال “جادي كدي دماك” الروسي الأصل صاحب ثروة مجهولة الأصل في معظمها يحاول حجز مقعد له في النخبة السياسية الإسرائيلية مقعد قد يشكل له الحصانة من أي محاكمات أو مطالبات دولية بتسليمه في قضايا مالية وفساد .

 

(4)

وهذا الواقع الذي تشهد عليه وقائع وأحداث وشهود، وفضحته أجهزة الإعلام الإسرائيلية نفسها ؛ جعل الشارع السياسي في إسرائيل يفقد الثقة بنخبه السياسية، عندما يدور الحديث عن الواقع الداخلي لهذه الدولة، وهناك شريحة واسعة في إسرائيل تؤمن بحالة تزاوج قائمة بين السياسيين وعصابات الإجرام ، حيث أشار استطلاع للرأي العام إلي أن حوالي 50% من الإسرائيليين يعتقدون أن عصابات الإجرام تسربت بطريقة أو بأخري للنخب السياسية في إسرائيل .

فساد الساسة يهدد البنية الداخلية للمجتمع الاسرائيلي؛ خاصة لارتباطها بقضايا أخلاقية واجتماعية ؛ فكيف يصدق الناس أولي أمرهم وهم فاقدو الثقة في نزاهتهم؟ وكيف يؤمنون بوطنيتهم والإدانات والتوقيفات حاصرتهم من كل جانب .. فهل هم حقا مخلصون وذوو نوايا حسنة وثروتهم تتضخم يوما بعد يوم؟!