فيروس الفتنة الطائفية.. يبحث عن مصل

 

د. خالد محمد غازى   

بات فيروس الفتنة الطائفية من أشد الأمراض المستعصية، التى ضربت الجسد المصرى عقب قيام ثورة يناير وسقوط النظام، خاصة بعد اندلاع أحداث الاشتباكات الطائفية والضحايا والجرحى من المسلمين والاقباط على حد سواء بمدينة إمبابة القاهرية، والتي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة عشر قتيلًا وأكثر من مائتين مصابًا بإصابات مختلفة؛ لذا بات ذلك الحدث – رغم أنه مكرر – خطرًا جسيمًا لا يهدد الثورة وحدها، بل نسيج ووحدة وتكاتف الشعب المصرى الذى فطر منذ قرون على التعايش السلمى وحرية الاعتقاد والتآخى بين المسلمين والمسيحيين على وجه الخصوص، وأكثر ما ينذر بالخطر هو اشتعال مصر مجدداً، سيما ما تلاها من احتجاجات وغضب مسيحى فى ميدان التحرير أمام مبنى ماسبيرو، والاعتداء عليه بالحجارة وتحطيم أسواره وحوائطه الزجاجية.

 

(1)

إذن الفتنة قائمة، معلنة أن مصر مشتعلة؛ نظراً لغضب الحشود من المعتدلين ؛ المسلمين والمسيحيين، وربما ستقسم نتيجة تلك النزاعات التى أصبحت مسلحة، وبات السلاح (الرصاص الحى) وبعض الأسلحة البيضاء، هو المتحدث والراعى لأيٍّ منها، فضلاً عن طرق المواجهة الغاشمة بشكل مؤسف؛ حيث تمركزت حول القذف العشوائى؛ يصيب ما يصيب، لا يهمه مسلمًا أو مسيحيًا، لكن البحث عن ضحية يتم تقديمها قربانا لحالات الغضب، إضافة إلى اعتلاء أسطح المنازل والبنايات، والفوضى فى القصد والفعل والنتيجة، ليعلن كل من الأطراف المشتبكة أنه الأقوى؛ لذا بات ضرورياً على المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وكذا الأجهزة الحكومية المعنية ومجلس الوزراء بأكمله، التدخل فورًا ووقف نزيف الدماء الناتج عن الجهل والتعصب والاندفاع، وعلى سبيل الذكر ما حدث من مواجهات أخرى على الجانب الآخر فى ميدان “عبد المنعم رياض”، بين شباب الجانبين؛ فكلها مؤشرات خطيرة لا تدل إلا على اتجاه الأمور نحو مزيد من التعقيد، فحلها الآن أو محاولات تقديم اقتراحات مرضية من القيادات الدينية والقوى السياسية والدولة خلال الأوقات الراهنة، ربما يوقف – ولو مرحلياً- مسلسلًا ربما يودى بحياة الكثيرين.

 

(2)

فبعد قرابة العشرين عاما من اندلاع أول فتنة طائفية العام 1992، عادت لتطل برأسها من جديد في إمبابة ممثلة في ادعاء شاب باختطاف المسيحيين لزوجته، التي أسملت، وأنها محتجزة في كنيسة “مارمينا” بإمبابة، وكان هذا في صلاة المغرب، ثم تجمع الأهالي وذهبوا إلي ناحية الكنيسة؛ في محاولة منهم لتهدئة الأمر والتحدث مع قيادات الكنيسة بشكل ودي، إلا أن بعض المسيحيين خرجوا عليهم من الكنيسة – بحسب شهود العيان- وهم يحملون صلبانًا كبيرة ويرددون: “بالروح بالدم نفديك يا صليب”، وبعدها مباشرة انطلقت عدة رصاصات من عمارة مواجهة للكنيسة، ثم انطلقت الرصاصات من عمارة أخري؛ مما جعل المواطنين يهربون بسرعة، وحضرت الشرطة، ومن بعدها الجيش، ولم يتمكنا من إيقاف الأحداث، وقام المسيحيون بإطفاء الأنوار في الشارع الذي توجد به الكنيسة، ولم يتمكن أحد من الاقتراب من المنطقة؛ نظرا لأنهم كانوا يطلقون النيران بشكل عشوائي، ولا يميزون؛ الأمر الذي أدي لمقتل الكثير من الأشخاص ممن لم تكن لهم أي يد في الموضوع.

 

(3)

الحدث جسيم، ويمثل خطرًا حقيقيًا يسرى كالنار فى الهشيم، ويهدد الكيان والهيكل العام الذى يحكم الدولة، خاصة أن الأسباب متعددة ومتنوعة من كل حد وصوب، تتعلق بالجانبين؛ وعلى رأسهما الخطاب الدينى الذى يبث روح الفتنة فى المسجد والكنيسة، فضلاً عن الفضائيات التى انتشرت بأعداد كبيرة وأغلبها غير خاضع للرقابة؛ ولا لأخلاقيات العمل الاعلامى المسئول، مما يعطى الفرصة لكل من أراد دس السموم فى العسل أن يجد الأرض الخصبة والمناخ الملائم لصناعة ما أراد، وتقليب الأديان، ورجالها على بعضهم البعض، وذيوع الفتاوى المختلفة التى تحرض فى سياقها المختل وعدم الفهم الصحيح لها على الفتنة، إضافة إلى الاضطراب السياسى الذى تشهده مصر، وما يعانيه الشارع من انفلات أمنى، وإلقاء البعض تهم هذه الاحداث على بعض فلول النظام السابق للرئيس مبارك، ورغبتهم فى تهييج الرأى العام، وتعبئته ضد هذه الأعمال الاجرامية؛ لإشغالهم عنهم وسير قضاياهم التى اكتظت بها السجون، واستمرار التحقيقات التى تأتى تباعاً، وتجديد حبسهم، ويقول قائل: إن حكومة طره تقود المسيرة خلال بلطجية الحزب الوطنى المنحل، الذين كانوا يستعينون بهم فى تزوير الانتخابات والتهديدات الأمنية المختلفة على امتداد أرض مصر واتساعها”.. من الضرورى الوقوف عن الأسباب والدوافع لما يحدث،  وتقديم مصل عاجل للفتنة. فالمشكلة ليست فى السلفيين ولا والإسلاميين بشكل عام، كما أنها ليست نتيجة ممارسات تيار مسيحى متطرف، لكن فى الكيان العام.. لابد من حل.

 

(4)

وتعتبر حالات الاحتقان الطائفي التي تزايدت في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، نتيجة للانفلات الأمنى، والسلاح الذى نهب من أقسام ومراكز الشرطة فى أيد عابثة، وتعدد الأفكار المتطرفة وانتشارها على مستويات مختلفة، وهى من أسوأ ما يكون والخطاب الديني كان له دور كبير جدًا من التهييج، فضلاً عن أن الخطاب الديني – سواء مسيحيا أو مسلمًا – وراء ذلك، ويكفي أن نقول إن أكثر الاعتداءات علي الكنائس ربما تكون بعد صلاة الجمعة، مثلما حدث فى مسجد النور بالعباسية عقب صلاة الجمعة مؤخراً خلال احتشاد عدد كبير من السلفيين والتحرش وببعض المسيحيين لإطلاق سراح من أسموهم أخواتهم المسيحيات اللائى أعلنّ إسلامهن وتم احتجازهم فى الأديرة.

ولا يمكن اغفال دور الإعلام الذى يغذى التوتر الطائفى، والتعليم نفسه في المناهج الدراسية ينهج نفس نهج الاعلام، ففيه الكثير من الدعوة إلي التصادم بين المسلم والمسيحي والإساءة للمسيحيين، وخطب الجمعة أحيانًا تندد بالمسيحيين وأحيانًا تحرض الناس ضدهم.

 

(5)

وتدعو الضرورة القصوى التى تمر بها مصر خلال الاوقات الراهنة وما تتعرض له من ازمات طائفية خفية غير معلوم مصدرها، وهل هم فلول نظام “مبارك” الذين يسعون إلى إشغال الرأى العام وتعبئته حتى ينصرفوا؟ إذن فمن الضرورى الوقوف على الحلول اللازمة لإنهاء حالة الاحتقان الطائفي.

فضلًا عن وجود إرادة سياسية حاسمة، تطالب كل من يقوم بالخطاب الديني بالمنع عن أي تهييج، وكذلك تسعى إلى تهذيب الرسالة الاعلامية، خاصة فى تناول القضايا الشائكة المتعلقة بوحدة المصريين، وأمنهم وتطالبه بالتوقف نهائيا عن الفتاوي الضارة لوحدة الشعب.. وإقرار عقوبات حاسمة علي من يقوم بهدم وحدة النسيج الوطنى، والذي يوجد به نوع من أنواع السرطانات ينهش فيه الذي يدب الخلاف فيه، فهذه مسألة حياة أو موت للمجتمع نفسه، وتلبية رغبة دفينة فى اشعال الفتن، وكان أحد رؤساء إسرائيل قد بشر بأن مصر سوف تقسم لعدة دولة مثل العراق، وهذا خطر علي مصر، وكيف يتقدم هذا الشعب، وقد نفذ هذا المخطط فى البوسنة عندما قسمت بسبب ظهور البغضاء من بين المسلمين، والأرثوذكس العرب، والكاثوليك، وأصبح كل بلد مستقلًا وحده، بعد أن كانت تلك الدول تمثل أكبر دولة عظمي، وممكن أن يلعب بذلك أعداء، مصر ونحن نعرف عن تدعيم هذا المخطط الشيطانى.

وهنا نتساءل: لماذا لم يخرج قانون “تكافؤ الفرص” ومنع التمييز إلي النور، مادام المجلس قام بعمل القانون والمشروع الخاص بتكافؤ الفرصة، وأصبح أمام مجلس الشعب؟.. فالمفروض أن ينظر فيه في أقرب فرصة، ومن الممكن أن يلقي نوعًا من أنواع المعارضة، ولكن يجب أن يتم حرصًا علي مصلحة البلد.