كتاب يصف العولمـة بأنها شـر لابد منه

 

في كتابه “صناعة الإعلام وتحول السلطة” يرى الكاتب الصحفي خالد محمد غازي أن “العولمة” نتيجة مباشرة لانهيار القطبية الثنائية في العالم ، وانتهاء فترة الحرب الباردة وتبقى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها في الساحة كقوة عظمى ، لترسم سياسات جديدة ومذاهب فقهية أكثر تشدداً ، وتطوى بذلك تحت لوائها قوى واهنة ، دنيا العولمة كأي تيار يحمل عوامل قوته واندفاعه ، فهو يحمل كذلك عوامل ضعفه واندثاره وتلاشيه .
 ويقول الكاتب : إن هناك حدوداً سواء في التاريخ أو الجغرافيا أو الثقافة والفكر ، هذه الحدود هي التي ترد على كل الذين صوروه للناس أنه لا حدود لقدراته أو إنجازاته ، وإذا ما تجاوزنا الواقع الاقتصادي فإن هناك واقع الثقافات والحضارات ، التي سوف تصطدم بالعولمة وثقافتها وأساليبها .. وبالتالي ستنتج عن هذا الصدام ، حركة سوف تدفع اتجاهات قومية أو حركات دينية .
 مراحل العولمة
 ويوضح الباب الأول الجذر والبدايات لتيار العولمة لارتباط هذا المصطلح بشتى أمور الحياة الإنسانية ، وكانت أول صياغة لهذه الكلمة باللغة الإنجليزية 1961 عندما ظهرت في إحدى المعاجم اللغوية ، ثم سرعان ما انتشرت وتداولت وشقت طريقها لتكون مقرره ومتداوله ، ومرت العولمة بالمرحلة الجينية ، المرحلة الثالثة “مرحلة النشوء ومرحلة الانطلاق وهو خط التطور الصحيح” 1870 حتى بداية القرن العشرين ثم مرحلة الصراع من أجل الهيمنة ثم مرحلة عدم اليقين ، وقد حدد هذه العوامل رولاندروبرتسون في دراسته المهمة “تخطيط الوضع الكوني : العولمة باعتبارها المفهوم الرئيسي” وهذه المرحلة تنتهي لتدشين بداية صراع جديد بين أقطاب تتصارع في مرحلة جديدة بأشكال متطورة تحت يافطة “العولمة” وإن كانت تعيد أشكال الصراع بين الإمبراطوريات الكبرى قبل الميلاد إلى الصراع بين القوى الاستعمارية الكبرى في الثلاثة قرون الأخيرة ، وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية .
 هناك الكثير من الأوهام والأساطير التي ترتبط وتنشأ مع الثورات سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو علمية أو اجتماعية قد تحتاج لوقت لدراسة واكتشاف وتبديد هذه الخرافات والأساطير والأوهام هذا بعد أن يهدأ أنبياء ومبشرو تلك الثورة وتزول وحدة حماستهم واندفاعاتهم التي لا تخفى الحقائق عنهم وحدهم بل عن أنبيائهم والمروجين لأوهامهم وأيضاً أولئك الصامتون الذين لا يجدون سؤلاً ولا يعرفون جواباً وهو يذكر بهذا ثورة المعلومات أو المعلوماتية .
 إزدواجية المعايير
ويتحدث الكتاب عن إزدواجية المعايير التي يعاني منها الوطن العربي ويشرح رأي د.حسن حنفي أن ثقة المراكز بالنفس إزدادت اعتماداً على تركيز القوى الاقتصادية والسياسية والمعلوماتية فيها ، مشيراً إلى أن هناك مفاهيماً ثلاثة تحكم منهجية فهم العلم الاجتماعي أولها مفهوم الكونية ، وأبرز تجلياته في المجال الاقتصادي اتفاقية “الجات” والثاني يتمثل في صعود القوميات ..أما الثالث والأخير فتحدده العلاقات متعددة الأطراف مشيراً إلى أن هذه المفاهيم قد صحبتها مجموعة من المشكلات من أبرزها حق التدخل في شئون الدول .
 ويشير المؤلف إلي الطفرة التكنولوجية في أجهزة الحاسبات ، والتي أحدثت ثورة تغيرات جذرية ليس في طريقة الانتاج ولكن في حياة البشر فيما أدخلته من تغيرات في نظم هذه الحياة وطريقة السيطرة عليها وتغيرها أيضاً في أساليب الحياة والمعيشة بالنسبة للفرد والجماعة والدولة ، وبفضل الحاسبات الإلكترونية تغيرت نظم الإنتاج والمراقبة والجودة وهو ما يعرف بثورة المعلومات .
 والاستعمار الإلكتروني كلمة يوضحها الكاتب، ويبرز بها التغيرات الجذرية في نمط الحياة والعلاقات السائدة ، والتي قد بدأ انعكاساتها بالفعل في جميع مناحي النشاط الإنساني ، ويسعى بالبعض من المفكرين إلى القول : بأنه ولأول مرة في التاريخ تسبق العلوم التطبيقية العلوم النظرية فيرى البعض أن التغيرات الهائلة والجذرية في مجالات التكنولوجيا والمعلومات والاتصالات والجينات والهندسة الوراثية وعلوم الفضاء وغيرها من مستحدثات تلك الثورة لم يواكبها أو يسبقها أي نظريات فكرية أو فلسفية تضع لها الأطر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، فقد تعودنا في التاريخ البشري التبشير النظري .
 ومن الصحيح القول بأن العالم أصبح قرية واحدة من ناحية سرعة معرفة وتداول الأخبار والمعلومات ، غير أن هذه القرية تخضع لهيمنة ونفوذ دول الشمال والشركات متعددة الجنسية والتي لا تهتم بأوضاع ومشكلات التنمية في دول الجنوب ، وتسعى من خلال ما تقدمه من مضمون إلى نشر وترويج اقتصاد السوق ونموذج الحياة والثقافة الغربية .
 تقزيم الدولة
ويؤكد الكاتب إلى أن قوة الدولة في الخارج تنبع من قوتها في الداخل فقوة الدولة على الساحة الدولية ما هي إلا انعكاساً لقوتها في مواجهة مجتمعها ، ولذا فإنه من الأهمية بمكان أن تستكشف تأثير الثورة المعلوماتية على قوة الدولة في الداخل ، وتكاد تجمع معظم الكتابات في هذا المجال أن من شأن ثورة الاتصالات وما ينتج عنها من مجتمع المعرفة تقزيم الدولة ، ولم يعد لدينا علماً بأن المحتمع الدولي المعاصر لم يعد فيه ما يسمى “خارج الدولة” .. وعن عولمة الاقتصاد يشير الكاتب إلي ضرورة التنسيق بين السياسات الصناعية والاقتصادية ، حتى يمكن تخطى المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها من جراء انتشار العولمة في مجالات الاقتصاد والسياسة والتكنولوجيا ، فالعولمة لم تنشأ من فراغ ، فهي جزء من التنمية والتحديث اللذين قد يفرضان على الحكومات أن تتحرر من سياستها الاقتصادية والاجتماعية ، حتي تستطيع أن تصمد أمام منافسات الأسواق العالمية ، وهذا الانفتاح قد يكون على حساب قيم وعادات واستقرار الدولة نفسها .
 الدمار الاجتماعي
وتحت عنوان ” فقراء وأغنياء الدمار الاجتماعي” فقد تمزقت سلسة العلاقات الاجتماعية وخبرات الناس التي تراكمت عبر مئات السنين وتوارثوها جيلاً بعد جيل ، إذ فقد العامل الإفريقي المنهك كل ارتباطاته وعلاقاته وخبرات آبائه كاملةً تلك الصفات التي كانت تعطيه لونه وهويته ، فأصبح حائراً في مواجهة المستقبل .
ويحذر الكاتب خالد غازي من نشوء حروب جديدة في ظل تواجد العولمة ، لذلك فالفئات التي تستفيد من ظاهرة العولمة محدودة وإن كان مركز ثقلها الأساسي في الولايات المتحدة الأمرىكية ، وهناك بعض المراكز في أوروبا واليابان وعدا ذلك مجرد مجتمعات تعيش في الفلك ، وتعيش على الفتات والهامش ، كما أنها سوف تصطدم بثقافات وتقاليد أصلية ومجتمعات عريقة وقيم وأفكار راسخة تتعارض مع القيم الفردية والاستهلاكية وحضارة العولمة وأهدافها.. إن الصراع هو الحكم القادم وإن العولمة سوف تتضح معالمها وكينونتها وآثارها وقدرتها من خلال نتائج هذه الصراعات في السنوات القادمة .
    إيهـاب زايـد