صدر في القاهرة كتاب “ما بعد العولمة.. صناعة الإعلام وتحول السلطة” للكاتب الدكتور خالد محمد غازي وهو صحفي مصري وله إسهامات فكرية في عديد من الصحف العربية وسبق له إصدار كتبا تتناةل الاعلام الحديث ، وكتاب بارز عن الصراع العربي الإسرائيلي تناول ما يتعلق بمدينة القدس المحتلة بعنوان ( القدس سيرة مدينة ).
وكتاب “ما بعد العولمة” الذي نعرض له هنا يتناول الجذور والبدايات التي قادت للوصول لفكرة العولمة الذي تحول لتيار كاسح له جوانبه الاقتصادية والسياسية والثقافية. والكاتب في البداية يحاول تعريف العولمة بغرض ضبط المصطلح على الرغم من اعتراف المؤلف بأن هذا المصطلح ما زال مثار خلافات بين الكثيرين وفشلت المحاولات حتى الآن في ضبطه على شكله الصحيح ويشير إلي بعض الباحثين الذين حاولوا تعريف العولمة على أنها وصول نمط الإنتاج الرأسمالي عند منتصف هذا القرن تقريبا إلى نقطة الانتقال من عالمية دائرة الإنتاج واعادة الإنتاج ذاتها، أي أن ظاهرة العولمة التي نشهدها، هي بداية عولمة الإنتاج والرأسمال الإنتاجي وقوى الإنتاج الرأسمالية، وبالتالي علاقات الإنتاج الرأسمالية ايضا ونشرها في كل مكان مناسب وملائم خارج مجتمعات المركز الأصلي ودوله، والعولمة بهذا المعنى هي رأسملة العالم على مستوى العمق بعد ان كانت رأسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره. كما ينقل المؤلف عن باحثين آخرين تعريفهم للعولمة على أنها هي تعبير عن ظاهرة تاريخية موضوعية تمثلت في البداية ثقافة بالمعنى الأنثروبولوجي تخلقت وتشكلت من رحم الأنساق الإقطاعية في أوروبا في القرن السادس عشر تتسم بنمط إنتاجي هو نمط الإنتاج الرأسمالي الذي اخذ يمتد ويتوسع ويسود حتى اصبح لا مجرد حضارة غربية كما يقال بل حضارة عصرنا الراهن وان اختلف مستواها من مجتمع لآخر.
يستعرض الكتاب بعد ذلك ما يقول عنه المؤلف بأنه مراحل ظهور الفكرة بداية بالمرحلة الجنينية والتي بدأت منذ بواكير القرن الخامس عشر وحتى منتصف القرن الثامن عشر وهي المرحلة التي شهدت نمو الجماعات القومية في أوربا وتعميق الأفكار الخاصة بالفرد والإنسانية. والمرحلة الثانية التي يقول المؤلف أنها مهدت لظهور تيار العولمة هي مرحلة النشوء والتي استمرت في أوربا من منتصف القرن الثامن عشر وحتى عام 1780 وهي الفترة التي شهدت تبلور المفاهيم الخاصة بالعلاقات الدولية وحقوق الأفراد باعتبارهم مواطنين لهم حقوق وواجبات يمكن تحديدها . والمرحلة الثالثة بدأت من عام 1780 واستمرت حتى بعد العشرينات القرن الماضي والتي ظهرت خلالها مفاهيم تتعلق بالهويات القومية والفردية وتم خلالها إدماج عدد من المجتمعات غير الأوربية في المجتمع الدولي . وشهدت المرحلة الرابعة التي استمرت حتى منتصف الستينات من هذا القرن بداية الخلافات والحروب الفكرية حول المصطلحات الناشئة الخاصة بعملية العولمة والتي بدأت في مرحلة الانطلاق وتم خلالها التركيز على الجوانب المأساوية من الحروب وبروز دور الأمم المتحدة. أما المرحلة الخامسة والتي بدأت منذ الستينات وتم فيها إدماج العالم الثالث في المجتمع الدولي وتصاعد الوعي الكوني بعد هبوط الإنسان على سطح القمر وتعميق القيم المادية .
تقسيم الكرة الأرضية
ويضيف المؤلف أنه منذ التسعينات أصبح العالم متشابكا ومترابطا بدرجة ليس لها مثيل بفضل الثورة الهائلة في الاتصالات والمعلومات علي الرغم من استمرار تقسيم الكرة الأرضية إلي حقب تاريخية تبعا لدرجة تقدمها أو تخلفها معلوماتيا. ويحذر المؤلف من أن التطور الهائل في مجالات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والجينات والهندسة الوراثية وعلوم الفضاء وغيرها من مستحدثات تكنو-معلوماتية وفي ظل غياب لأي إطار فكري أخلاقي يحدد لهذه الثورة أطرها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية يهدد بأن تهدد هذه التحولات وخاصة في ظل التقسيم الجديد للكرة الأرضية إلي حقب زمنية تبعا لدرجة استيعابها للثورة المعلوماتية الجديدة فإن هذا التقسيم الجديد يهدد بخلق نوع جديد من الاستعمار لم تألفه البشرية من قبل هو الاستعمار الإلكتروني والذي سيصبح معه العالم النامي تابعا للعالم المتقدم الذي يكاد يحتكر مقدرات الثروة المعرفية والمعلوماتية الجديدة التي تتدفق طبقا لواقع العالم المعاصر من الشمال للجنوب في اتجاه واحد .
وبالنسبة لخطاب العولمة على الصعيد الثقافي والأيديولوجي يحذر د. غازي من أن هذا الخطاب يمثل قضية في غاية الخطورة? ومتميزة تماما عن العملة التاريخية الجارية، فهناك ترويج كبير للأيديولوجية? التي أطلق عليها:(خطاب العولمة) على الصعيد الثقافي، وعناصر هذا الخطاب تحوي دعوة للتنميط، أو بالأحرى (محاولة استنساخ فكري) وكتابات فرانسيس فوكوياما حول (نهاية التاريخ) وأنصاره واضحة وفجة تماما في هذا المجال، حيث يدعو هذا (الخطاب) إلى محو التمايز الثقافي والحضاري، ويرى أن محصلة العملية التاريخية الجارية للعولمة هو انتصار الحضارة الغربية التي سوف تفرض قيمها وأساليبها التنظيمية وأنماط الحياة الاجتماعية على شعوب العالم، وضمن هذا الإطار، يجري ترويج لمفهوم (القرية الكونية) ، وكأن تلك (القرية الكونية) تتكون من شارع واحد كبير فسيح الجنبات يتسع للجميع، وكأن الكل يجري بسرعة واحدة، بينما الكل يعلم ان تلك (القرية الكونية) هي قرية متعددة الشوارع? بل ومتعددة الأزقة والحارات? واليوم يتحدثون في الدوائر الغربية عن خطوط التقسيم الجديدة المسماة (خطوط تقسيم التكنولوجيا الرقمية) (The digital divide) أي هناك شمال وجنوب في نفس البلد الواحد? نتيجة خط التمايز بين الذين يمتلكون زمام ومقدرات (التكنولوجيا الرقمية) الحديثة والذين لا يمتلكون سبل التعامل والتواصل معها.
الكتاب يقع في 256 صفحة من القطع المتوسط ويحوي 8 فصول ومقدمة وخاتمة تقدم للقارئ العربي وجبة دسمة من الثقافة الرفيعة والمعلومات حول تيار العولمة ومخاطرها.
محرر الكتب
موقع باب دوت كوم