د. خالد غازي
بات مرشحو الرئاسة المحتملون في مصر يتسارعون في خطب ود قيادات التيار الإسلامي، ومحاولة التواصل معهم سواء وجها لوجه أو عبر وسطاء من الداخل أو من الخارج، فالجميع طامح في أصوات الإسلاميين، خاصة السلفيين منهم؛ لأنهم لم يحسموا أمرهم بعد، وإن كان موقفهم واضحا من مرشحي الرئاسة المحتملين ذوي الخلفيات الدينية. المرشحون سقطوا بين سندان الإخوان الذي أعلنوا عدم ترشحهم أو دعمهم لأحد، ومطرقة الجماعة السلفية التي قد تغير حظوظ الساعين للرئاسة في الفترات المقبلة، لأنهم أصبحوا الأكثر عدداً والجاهزية الكاملة عدة، خلال لقاءات واجتماعات عديدة تدور في أروقتها.
(1)
إن نشوة الفوز في انتخابات مجلسي الشعب والشورى (غرفتي البرلمان) أثرت بشكل كبير في سلوكيات تيار الإسلام السياسي، لاسيما جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة، وكذا الجماعة السلفية وجناحها السياسي وليد الثورة حزب” النور” السلفي، من واقع تحركاتهم وأنشطتهم ومساهمتهم في رسم مستقبل مصر السياسي. إذ باتوا على مقربة من تمثيل “حزب وطني جديد”، واستثمارهم لهوية الشعب المصري ووطنيته بالانتهازية السياسية، لأن الوعود والتصريحات التي قطعوها على أنفسهم تنصلت بشكل واضح وصريح بعدم الالتزام بمرشح رئاسي، ولا يريدون الأغلبية في البرلمان (أي جماعة الاخوان)، في التصريح بدعم مرشح، على غرار سعيهم الفائت بكامل جهدهم في الوصول إلى أغلبية المقاعد في المجالس النيابية. وحتى الجماعة السلفية تبقى مثار جدل لعدم وضوح رؤيتها، ومن سيكون فرس الرهان لها؟ لتنفيذ ما تؤل إليه توجهاتهم السياسية والدينية.. مما يطرح تساؤلاً: لمن سيصوت السلفيون؟ لاسيما أنهم أكثر عددا من الإخوان المسلمين؛ وظهر دورهم بوضوح في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت في مارس من العام الماضي.. حتى أنهم انتشوا بنجاحهم في إخراج الاستفتاء على الإعلان الدستوري؛ كما أرادوا على حد تعبير قيادات عديدة لهم ومن هنا فهم يرون أنهم رمانة الميزان في انتخابات الرئاسة المقبلة.
(2)
وبهذه الوتيرة تتمخض الرؤى السياسية لمرشحي الإسلاميين القادم في الرئاسة عن اجتهادات ثورية واحتمالات سياسية، حيث تباينت الآراء واكتظت الساحة بالمزيد من الترجيحات الانفعالية بالخلفيات الدينية تارة، وأخرى الداعية إلى التحرر الليبرالي والتقدمي. الجماعة السلفية أو حزب النور كان قد قال: إنه لا يريد مرشحا ذا خلفية عسكرية رغم أن محاولات حثيثة يبذلها مرشح رئاسي ذو خلفية عسكرية، لخطب ودهم وكسب تأييدهم وتعاطفهم، حتى أن الأنباء جاءت في هذا الصدد خلال قيادة برلمانية رفيعة عبرت عن عدم ممانعة السلفيين في الجلوس معه والاستماع إليه على حد وصف قيادات السلف في البرلمان، وقد عقدت أيضاً الهيئة العليا للنور اجتماعا مغلقا لمناقشة تشكيل لجنة لدراسة مرشحي الرئاسة وقالت مصادر بحزب النور الذارع السياسية للدعوة السلفية: إنه تم الانتهاء رسميا من تشكيل اللجنة الخاصة بلقاء المرشحين المحتملين لرئاسة الجمهورية، وتم تسميتها بـ “اللجنة الخماسية” التي يأتي على رأسها د. عماد عبدالغفور رئيس الحزب وأربعة أعضاء من الهيئة العليا، وستبدأ اللجنة في عقد عدد من اللقاءات مع جميع المرشحين المحتملين للرئاسة، خلال الفترة القادمة للوقوف على برنامج كل مرشح.
(3)
وهناك أيضاً مصادر مقربة من د. عبدالغفور قد كشفت عن أن مرشح النور في انتخابات رئاسة الجمهورية لا يعلمه – حتى الآن – رئيس الحزب نفسه أو أعضاء الهيئة العليا فمثل هذا الشأن في يد الدعوة السلفية نفسها التي تواصل هي الأخري اجتماعاتها في الإسكندرية برئاسة محمد إسماعيل المقدم ونائبه ياسر برهامي والعديد من شيوخ الدعوة، فقرار اختيار مرشح الحزب لن يكون إلا بعد اتفاق بين السلفيين “دعوة وحزبا” والمجلس الأعلى للقوات المسلحة وبعض الدول العربية. فالحزب إذن يرفض أن يتولى منصب الرئيس شخصية عسكرية، لكنه في الوقت ذاته لا يمانع من الجلوس مع جميع المرشحين سواء عسكريين أو غيرهم، مبيتين النية على أن مصر لا يمكن أن يحكمها ، لأنها تحتاج للتحول إلى حكم مدني، خاصة أن اللجنة التي تم تشكيلها بالجلوس مع مرشحي الرئاسة المحتملين، سوف تراعي في الاختيار المرشح الذي سوف يحظى بدعم ملامح برنامجه الانتخابي ووجهة نظره في معالجة القضايا المختلفة، والإعلان عن المرشح النهائي للجماعة والحزب فور الانتهاء من دراسة برامج جميع المرشحين.
(4)
أما جماعة الإخوان المسلمين فالإعلان عن دعمها لمرشح رئاسي يتنافى مع التصريحات القديمة التي قطعوها على أنفسهم منذ اندلاع ثورة 25 يناير؛ بعدم ترشحهم للرئاسة، وأنهم لا يستطيعون الحصول على هذا المنصب، لأن انتخابات البرلمان تختلف في الأداء عن الانتخابات الرئاسية.. وبصرف النظر عن فوزهم أو لم يحصلوا على الفوز سنتوقف دائمًا عند التصريحات التي بها مصداقية الجماعة من قبل، والتي اتخذت قرارًا بعدم الحصول على أكثر من ثلاثين بالمائة من مقاعد الشعب، لكن الواقع يقول إنها حصلت على سبعين بالمائة، فالتصريحات ليست غريبة علينا. خاصة أن الجماعة لا تسعى إلى السيطرة على المحليات وممارسة ما كان يمارسه الحزب الوطني من ممارسات للدعاية الانتخابية، فهي لم تلتزم بوعودها أيضًا بعدم ترك مقاعد للشباب كما وعدوا، ومن الواضح أن التيار الديني لم يستوعب درس أن استبعاد الأقلية؛ ومما حققوه هو نصر قاتل للأغلبية؛ وأن لغة الخطاب أصبحت تحمل في طياتها عنفًأ سياسيًا مدللاً بعدم مشاركتهم في المليونيات، فسعى الإخوان إلى تدعيم مرشح للرئاسة يعتمد على المصلحة الأساسية للجماعة والتي تتركز في رئيس لمصر لا يكون بقوة ونفوذ الإخوان، وأنهم يتوقعون أن يكون لهم سيطرة قوية على المجلس التشريعي بقوة الأغلبية، وكل المرشحين الحاليين لانتخابات الرئاسة حظوظهم قليلة، لذلك احتمال قبولهم المرشحين الإسلاميين تكاد تكون مرفوضة، وقد يكون هناك اتفاق بين المجلس الأعلى للقوات المسلحة والإخوان على إفراز رئيس جمهورية ذي خلفية عسكرية؛ ولا نستطيع الجزم بحقيقة هذا الاتفاق. ورغم ذلك تصر قيادات الإخوان على القول: إن الجماعة ملتزمة بعدم الدفع بمرشح لها في الانتخابات الرئاسية من داخلها أو تقوم بتدعيم أي مرشح دون أن يحدث توافق وطني عليه، وأنها غير ملتزمة بتدعيم المرشح الذي تدعمه القوى السياسية الأخرى باعتبارها قوة سياسية مضادة ونافذة؛ لم تتفق على مرشح بعينه في الفترة الحالية، وشددوا كذلك على ضرورة سرعة تسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة من أجل الوصول إلى عتبة الديمقراطية الأولى.
(5)
إن مصر تعيش فترة ضباب سياسية مصيرية؛ يغلب عليها سمة التصريحات الانفعالية والدعائية؛ ويغلب عليها الانتهازية؛ وكلها إرهاصات ضد مفهوم الثورة، فطريقة تفكير جماعة الإخوان المسلمين لا تعطيهم مفتاح المغامرة لقفزة الوصول إلى الحكم ولن يحاولوا الوصول إلى قمة الجبل السياسي، والقفز إلى قصر الرئاسة الآن؛ لكن سيلعبون على أنصاف الحلول والمواقف، فمنطقهم في هذه المرحلة المشاركة لا المغالبة، فالمرحلة القادمة ستضعهم في مواجهة بين الآمال والطموحات والإمكانات والمسئوليات، ولهم أسلوب في توزيع الأدوار والأنسب للمرحلة يحاولون تطبيقه.