ديدانى أرزقى
هناك كتاب قصة قصيرة – وكتاب بالمطلق – لانسمع بهم وليس لهم ذاك الصيت الاعلامى كحنا مينا وزكريا تامو، يوسف ادريس، ومحمد زفزاف على سبيل المثال، أى انهم لم يتوفروا على تلك الشهرة والتى فى اغلب الاحيان لايرجع لانهم يكتبون بطريقة جيدة؛ بل الى الحظ الاعلامى وخدمة مرحلة أو مراحل خدمت أعمالهم• ومع مرور الوقت لايبقى منهم سوى غرور ووهم بشهرة فارغة• وعندما اهدانى الكاتب العراقى المقيم بتونس- الصديق عبد الرحمن مجيد الربيعى نسخة من مجموعة خالد محمد غازى، لم أكن قد سمعت بهذا الاسم- رغم اطلاعى على ماينشر فى المشهد الابداعى العربى- واستغربت أن يكون هذا قاصا•• ولكن عندما قرأت المجموعة وجدتنى مرغماً أعيد قراءتها بشكل معمق، ومن اعجابى وفرحتى بهذا القلم العربى، الجيد اقدمت على حمل بعض اصدقائى على قراءتها• المجموعة القصصية تقع فى 110 ص من القطع المتوسط ويزين الغلاف البسيط رسماً متداخل المعنى والمدلول•• مع فهرس يتكون من إهداء و9نصوص – قصصية وقصيرة وهى مسبقاً قصص عن جدارة فنياً وتشكيلاً- نشر وكالة الصحافة العربية سلسلة نوافذ للابداع – الهرم – الجيزة – جمهورية مصر العربية• “أحزان رجل لايعرف البكاء” جاءت مختلفة ونجد القاص قد ضمن الغلاف الخارجى فقرة من نص “كتاب الموتى” وجاء فيه “هاأنذا جئت أعاين جمالك، لم أرتكب الظلم فى الناس؛ لم أرتكب الوشاية، لم أحرض احداً على رئيسه، لم أجع أحداً، لم أسرق من التقدمات إلى الهياكل والمقابر• لم أطفف كيل القمح، ولم أغش قياس الذراع، وفى الحقل؛ فأنا “نقى نقى نقى”• و تذهب بنا هذه الفقرة من الفكر الدينى القديم إلى قمة النزاهة وحذق الانسانى فى صياغة هويته، ليست الذاتية أو الوطنية؛ بل هويته كانسان جدير بهذا الاسم واللقب والذى يقربه من المثال؛ مثال أعلى ومثلاً أعلى، وتحيلنا إلى عمق فلسفات أفلوطين والذى عاش فى أرض الثقافة – مصر الآن، نص: ربما يأتى: ذاك الانسان الذى لايهتم به أحد هو مجرد عامل يتذكر لمسات حنان من يد أمه•• تقول له “ياضى العين وقطر الندى وشهد حياتى” ويمر الزمن بالانسان الكادح وهو وراء لقمة العيش يعدو ولايملك سوى قوة داخلية وحنان الوالدة الفياض•• حنان عندما غاب الابن حطم وهدم قوى الام بالكامل• كل هذه الفواصل فى القصة جاءت عبر لغة رشيقة توصل المعنى دون حذلقة ودون رتوش ثقافوية•• تنساب القصة، عفوية رغم التشكيل الذى يقسم نسيجها إلى عناوين فرعية• كانت هذه التقسيمات تخدم تماسك البناء الفنى للنص• حين يغير الماضى ألوانه: “لاتقتل خصمك، وإنما اجلس على حافة النهر وانتظر، سوف ترى جثته طافية فوق الماء”• مفتتح لنص قصصى يعطى دلالته، مسبقاً وتتأسى التيمة لتتوضح الرؤية القصصية، ليس الشعر فقط الذى يحمل رؤية بل النص القصصى يتوفر على هذه الميزة•• “انت انسان طيب ياحامد”•• حكم يصدر نحو الشخصية التى يبنى عليها نسيج النص، رغم ان اللغة هى التى تشكل بنيانه العام ولكن التداخل بين الشخصية ولغة النص القصصى واضحة• والاعتراف ينحو إلى بوح واخراج ما فى جعبة الشخصية• امرأة تثق فى حامد•• انهكتها ضربات الزمن•• لاتجد سواه كى تتعلق به كغريق فى نهر هادر المياه•• وتمر الاحداث ومعها يمر الزمن وتتحقق نبؤة مفتتح القصة فالظالم لم يندحر وتندحر سطوته بعد احداث يصفعه بها الزمن، ويبقى معزولا: “لقطة وهو يبكى وحيداً” ليست عظة، بل هى قوة وصرامة احكام القدر• امرأة فى الغربة: “لاتصمت، من يصمت لايعى سر الأشياء” الكلام هو خدش للواقع، كى تظهر بقع الضوء• ولكى نعرف مساحة الظل من مساحة النور•• نحن نتكلم كى نضع لهويتنا اساسها واسسها ونعرف اجتماعياً وحتى فيزيقياً من نحن وماذا نمثل للآخر، والذى يعرفنا وينفينا، يعرفنا بالتواصل، الحب، الود• وينفينا بعكس ذلك• المارد الذى مات: عندما تتسلط فكرة، رأى، توجه، اثر انسان على انسان ما•• ولايجد فكاكاً لهذا•• يصبح كالأسير زمن العصور المظلمة•• يقبع داخل بناء لاكوة فيه لنور ولكن عندما يسترجع المرء ارادته،ارادته فى الوقوف فى وجه القوة•• مهما كانت هذه القوة•• ينتصر الانسان والذى تصور نفسه يوماً ضعيفاً•• مجرد المقاومة مجرد الرفض هو بداية لطريق صحيح• فلاتؤاخذنى على صراحتى: تتوزع القصة عبر عناوين فرعية تؤسس لبناء العمل الفنى – الطريق•• مجرد اشارة لسير الشخصية فى مسار يحدده الراوى• وقد يكون المقصود الراوى بحد ذاته• – الصعود•• حكاية تتكرر دائماً•• امرأة ورجل، المتعة ثم النهاية شئ مايدور داخل الروح/•• لكن الابهام يبقى سيد الموقف• فالهزيمة•• عندما تتحكم روح الخذلان فى النفس تشل الإرادة ولن يعود للفكر، مهما كان منطقياً الوصول إلى بداية طريق•• ما• – الملامح القديمة•• هنا فى قلب مأساة انسانية وهو عندما تطوح الحياة بالمبادئ وتلوى الطرق المتعرجة حياه انسان فيمشى:”فى الليل” كنت أسير وحدى فى الطرقات بلاهدف تلك هى نهاية الأشياء! – عندما صمتوا•• تلك هى الحكاية: عندما يجهز على الافكار ويجهز على الحرية – ممثلة بالطائر- والبراءة يتغير كل شئ• – الحلم•• تتكور احلام صغيرة ولكن الواقع صلب الارضية•• ربما يفجع صاحب الحلم ويرجع بخفى حنين• – ويستمر العرض/•• ملهاة•• هى الحياة فكل ممثل فيها عندما يجئ دوره وينهيه؛ ينتهى معه•• قد يكون هو سُنة الحياة وقد يكون- حياة الانسان وقيمته لاوجود لها سوى عند اصحاب الافكار الطوباوية• – الاخرس•• الخذلان•• الهزيمة•• الاندحار وجه واحد لعملة واحدة• – الذكرى•• تمد الذكريات اذرعها•• تتشابك كخيوط لاترى وترفع الغطاء•• لكن لالشئ من ذلك•• لأن الذى فات كان- منطقياً- انتهى• – حيرة•• نقطة واحدة تتمركز حولها الاشياء – الضياع- أيام بلون واحد•• واحساس واحد وحيرة قاتلة تلك حياة انسان وحيد• من اوراق امرأة تنتظر: مجموعة اوراق مرقمة تكون بناء القصة من حيث الشكل النصى•• الاولى مصارحة حول فكرة المرأة ذات شخصية سلبية•• وهى فى شكل اتهام دائماً يتردد فى الادبيات العربية وللأسف العربية فقط! الورقة الثانية وتحاور سر الانجذاب نحو شخص امرأة واحدة بعينها دون اجابة عن هذا السر الازلى• الورقة الثالثة وتناقش غباء الحب وانشداد المرأة الآسر نحو جلادها- الورقة الرابعة عندما تكون المرأة ساذجة ولاتجد الجواب الشافى للأسئلة المعلقة، تصاب بخيبة أمل، الورقة الخامسة•• الدخول وسط بحر من الصدق اساسه المحبة الصادقة• الورقة السادسة•• ذكرى لاتريد أن تبرح عالمها•• انها عاشقة وقدرها هو الانتظار• مع سبق الاصرار والترصد: قاتل من نوع مختلف•• الذى تعارف عليه الناس ومنذ أن انتشرت البشرية على وجه اليابسة؛ ان الدافع لفعل القتل هو شعور الكره ومهما تعددت اسبابه – اخلاقية، عرفية، اجتماعية، سياسية••• لكن بطلنا فى قصة خالد محمد غازى يقتل بدافع الحب أو قل المحبة “قال القاضى بحزم:- أنت تعترف اذن بقتل زوجتك؟ أجاب باصرار:- نعم،”، قال القاضى: لقد قلت فى التحقيق انك قتلتها لأنك تحبها•• مامعنى هذا؟ أجاب:- معناه لايفهمه أمثالكم•• واذا شرحته لكم لن تفهموه!•• إن الذى يحرسه القيم هو من الجهل بالنفس البشرية بمكان•• هناك افكار ومواقف تستعصى على الفهم وشرحها لايزيدها سوى إغراقاً فى الابهام• – الرهان على جواد ميت: يوميات مناضل سياسى- عربى- وهنا الكلمة لها من الواقع الشئ الكبير، لأن الحرية فى البلاد العربية غائبة وشمسها لايعرفها البشر الذين يقطنون مساحة شاسعة (الوطن العربى) فإن المهزلة هى فى أن المناضل -حقاً- يراهن على جواد ميت، لن يسير أبداً، تشاؤم وسوداوية لأن الطريق مسدود.