نِساء نوبل.. وظل الصهيونية في اختيار الفائزين

 

 

عجًَل كتاب “النساء ونوبل: الفائزات بالجائزة في الآداب” لمؤلفه الكاتب المصري “خالد محمد غازي” ـ الذي صدر عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة في شهر يونيو الجاري ـ بالتفكير في جائزة نوبل هذا العام.

فالمعتاد أن تكثر التكهنات والتساؤلات في شهر أكتوبر ونوفمبر من كل عام، وهو موعد إعلان الفائز بالجائزة وبخاصة في مجال الأدب، وذلك منذ أن حصل عليها الروائي المصري “نجيب محفوظ” وتبلغ قيمتها حوالي 1.3 مليون دولار.

ويرصد الكتاب العوامل المشتركة والتجارب المريرة لمبدعات نوبل، ويتعرض للاستلاب الفكري والاجتماعي والتمييز العنصري الذي جمع بينهن وتاريخ منح جائزة نوبل للنساء, ويتساءل: متى تكون لعربية؟

ويضيف أن المرأة المبدعة الآسيوية غابت تماما، عن نيل جائزة نوبل. ولم تكن نساء القارة الأفريقية أفضل حالاً، ماعدا امرأة بيضاء تنتمي إلى جنوب أفريقيا، وهى الأديبة “نادين جورديمر” التي تعتبر مواطنة من جنوب أفريقيا، غير أنها في واقع الأمر أوروبية الأصل وتنتمي إلى أب وأم يهوديين نازحين من القارة الأوروبية إلي أفريقيا حيث ولدت.

ويقول المؤلف في مقدمة كتابه: “لم يكن الهدف من هذه الدراسة تخصيص النساء اللواتي فزن بنوبل أو مجرد التفرقة بين الرجال والنساء الذين فازوا بالجائزة، أو نوعًا من التقسيم حسب الجنس، بل إن هناك مبررات وفقًا لمعطيات وضرورات، تتجلي من خلال استقراء السيرة الذاتية لكل النساء المبدعات، شاعرات وروائيات، ممن كان لهن نصيب مع نوبل”.

واستعرض من خلال الكتاب 9 هن كل النسوة اللواتي فزن بالجائزة ومبررات اختيارهن، من خلال الأكاديمية السويدية وهى الجهة المسئولة عن منح هذه الجائزة التي يبلغ عمرها الآن 103 أعوام.

البداية في عام 1901 وقد خصص لهن فصل كامل من بين ثلاثة عشر فصلا وثلاثة ملاحق إضافية، كما خصص المؤلف فصلا لكل فائزة، وألقى الضوء علي أدبهن ومؤلفاتهن وحياتهن؛ وهن كالتالي: الكاتبة السويدية “سلمي لاجيرلوف”؛ والكاتبة الإيطالية “جراتسيا ديليدا”؛ والشاعرة اليهودية “نيللي ساخس”, والروائية النرويجية “سيجريد اندسيت”.

ومن أهم الملامح التي كشفها عن بعض الأديبات الأخريات الشهيرات وخصص المؤلف فصلا بعنوان “قواسم مشتركة بين النوبليات” ركز الكاتب على انتماءات وملل بعض الروائيات وسيرهن الذاتية مثل الكاتبة الزنجية الأمريكية “توني موريسون”، التي كانت تعمل من عام 1976 إلى 1977 كأستاذ زائر في جامعة “يال” في “نيوهافن” بـ”كونيكتيكت”.

فقد بدأت في روايتها الثالثة (نشيد سليمان)! التي نشرت عام (1977) وفازت بجائزة النقاد الوطنية وجائزة الأكاديمية الأمريكية ومؤسسة الفنون والأدب. كما تم دعوة موريسون من قبل “جيمي كارتر” رئيس الولايات المتحدة آنذاك لتشارك في المجلس الوطني للفنون.

بعدها مباشرة بدأت موريسون في كتابة روايتها الأخيرة (جاز) التي نشرت عام 1992 لتحصل بعدها مباشرة على نوبل في الأدب عام 1993. وتصبح بذلك المرأة الثامنة في عالم نوبل للآداب والسوداء الأولى التي تحصل عليها.

أما الكاتبة الأفريقية البيضاء “نادين جوديمر” والتي فازت عام1991 وتنتمي الى دولة جنوب أفريقيا, يقول الكاتب: “إلا أنها لن تجد حظها على الساحة العربية, بل نادرا ما نجد عنها شيئا أو نجد لها عملا مترجما, رغم ثراء حياتها الإبداعية بعديد من الروايات والقصص، وأن أصولها اليهودية حالت بينها وبين القراء العرب”.

والكاتبة البولندية “فيسلافا شيمبورسكا” التي حصلت على نوبل عام 1996 توصف بأنها استطاعت بشعرها المصاغ بأسلوب ساخر متحذلق أن تفتح أبوابا رحبة لاستيعاب البيئة التاريخية والبيولوجية المحيطة بها, لتنير في جمل رشيقة ولمحات ضوئية خفيفة حقيقة الإنسان.

والكاتبة الأمريكية “بيرل بك” عاشقة الشرق الأقصى كما جاء في الكتاب برائعتها (الأرض الطيبة) وقد كتبتها خلال فترة وجودها مع أسرتها في الصين، فقد عاصرت خلال هذه الفترة إحدى المجاعات التي اجتاحت الإقليم الذي كانت تعيش فيه، وما رأته من مشاهد مأساوية وغضب الفلاحين كان دافعا لكتابة هذه الرواية.

وقد نشرت نحو خمسة وثمانين كتابا مابين روايات وقصص أطفال ومسرحيات وسير حياة وكتب غير روائية. وقد غادرت الصين عائدة إلى مسقط رأسها في الولايات المتحدة وحتى توفيت في عام 1973 عن اثنين وثمانين عاما.

يقول الكاتب خالد غازي: “تسع نساء مقابل عدد كبير من الرجال، إنما تعد نسبة قليلة.. فهل يمكن القول بأن هناك شبهة تعمد في إبعاد الجائزة عن المبدعات.. فيما تلاشى تماما كل اسم عربي أو آسيوي من المبدعات من أفق الجائزة؟ هذا إذا افترضنا جدلا أن ثمة أسماء منها قد استدعتها ذاكرة الأكاديمية السويدية المانحة للجائزة.. وسواء هذا أم ذاك، فإن عودة تلك الجائزة إلى النساء اللواتي فزن بها يكشف كثير من الأمور”، ويجيب عن تساؤلات مازالت مطروحة”.

وخصص لهذه التساؤلات فصلا خاصا عنونه بـ”دائرة الشكوك” قائلا :”بات مؤكدًا في أوساط النخبة العربية أن جائزة نوبل “مُسيَّسة”، وأن أعضاء الأكاديمية السويدية تحكمهم اعتبارات وميول سياسية وعنصرية في الاختيار”.

وأشار الكاتب إلى رفض عدد من الأدباء والمفكرين المعروفين هذه الجائزة مثل” جان بول سارتر” والكاتب الأيرلندي “جون برنارد شو”عام 1925 وقال “إنني أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت ولكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل”.

وعرض الكاتب رأيا معتبرا نفسه في موقف الحياد منه مفاده أن جائزة نوبل استخدمت كأحد أدوات الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي لمصلحة أمريكا وحلفائها في الغرب، وفضلا عن حصول عدد كبير من اليهود عليها، مما يؤيد الانطباع السائد بأن اليهود يتحكمون في الجائزة ويحددون من يحصل عليها وفق شروط تخدم أهدافهم في كل مكان بالعالم.

وفى رأى البعض كما يقول؛ إن حصول “مناحم بيجين” عليها وهو من أشهر السفاحين الصهاينة دليل على ذلك، كما لم يتم منحها للسادات إلا حين اعترف بالدولة اليهودية ووافق على الجلوس معهم للتفاوض.

وعاد إلى مجال الأدب قائلا: فهناك الأديب الأمريكي “سينكلر لويس” الذي فاز بالجائزة؛ لمجرد أنه يحمل الجنسية الأمريكية! أما الشاعر الإنجليزي “كيلنخ” المعروف بميوله العنصرية وآرائه الشاذة، الذي نال نوبل، فقد قال إن الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيَا أبدًا..!

وأشار الكاتب إلى ما كشفه الشاعر “شل أبسمارك” عضو الأكاديمية السويدية في كتابه الأخير “الجائزة” عن وثائق التشاور السرية بين أعضاء جائرة نوبل. فقد ذكر أن المحكمين أهملوا الكاتب الروسي الأشهر “ليو تولستوي” رغم أنه يحتل مكانًا راقيًا في الأدب العالمي وروايته “أنا كارنينا” التي تتمتع بقيمة فنية عالية، ويتخللها مفهوم أخلاقي عميق ـ حسب وصف أحد المحكمين- إلا أن نقده السلبي للكنيسة والدولة وآراءه الاجتماعية وانتماءه لمعسكر مناوئ حالت دون حصوله على الجائزة.

ويؤكد الكاتب أن الجائزة خضعت لضغوط كثيرة سياسية وعنصرية متسائلا:”هل سيأتي أكتوبر أو نوفمبر كل عام، دون أن نصاب بالدهشة من أديب نوبل الجديد؟”.مشيرا إلى تكرر ما حدث في السابق؛ خلال مئوية الجائزة حيث منحت الأكاديمية السويدية جائزة في 2001 للكاتب التريندادي الأصل “في.إس. نايبول” المعروف بعنصريته ومعاداته للإسلام وازدرائه للأديان، حتى إنه وصف الحضارة الإسلامية بأنها حضارة استعمارية! واتهم الإسلام بأنه دين عنصري وهو ما دعا المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (آيسيسكو)- والتي تضم في عضويتها 48 دولة -إلى التنديد بمنح جائزة نوبل في الأدب لـ”نايبول” بسبب ما وصفته المنظمة بعدائه الصريح للإسلام وتحيزه في كتاباته غير القصصية المتعلقة بالإسلام.

كما منحت الجائزة للمجري اليهودي “أيمري كيرتيش”، عام 2002 وهو أحد الناجين من معسكرات الاعتقال النازية “الهولوكست” التي سيق إليها مع أقرانه اليهود في سن المراهقة.

ثم خصص فصلا أخيرا بعنوان “الجائزة في ديار العرب”. مشيرا إلى جائزة نجيب محفوظ على أساس أنه المبدع العربي الذي استطاع الحصول عليها من خلال روايته “أولاد حارتنا ” التي اعتبرت عام 1959 محاولة فلسفية للدفاع عن الطائفة اليهودية أمام بطش عبد الناصر، بعد أن تسللت المخابرات الصهيونية إلى عناصر هذه الطائفة في القاهرة فوظفتها للقيام بحملة تفجيرات.

وقد منعت الرواية من الأزهر وطبعت في بيروت. وأشار إلى ما كشفه “شل أبسمارك” أيضًا عن رفض الكاتب المصري “يوسف إدريس” صفقة يتم بمقتضاها فوزه بنوبل، شريطة أن يتقاسم الجائزة مع كاتب صهيوني، إلا أن إدريس قال: إنه لا يريد صورة جديدة من اتفاق “بيجن ـ السادات”! وانتهى الأمر بعدم منحه الجائزة.

محمد رضا السيد