كثر الحديث خلال المرحلة الراهنة التي تمر بها الأمة العربية عن الإعلام التقليدي والإعلام البديل، وما إذا كان الإعلام البديل استطاع أن يتقدم بخطوات صاحبتها الثقة الشعبية على الإعلام التقليدي.وكان هذا السؤال قد فجرته الأحداث التي صاحبت الثورات العربية، حيث استطاع الإعلام البديل أن يتواجد في الزمان والمكان الذي فشل فيه الإعلام التقليدي، بل إن الأخير اعترف به ضمنيا حينما اعتمد عليه في إعداد تقاريره الإخبارية اليومية.
في هذا التزامن استضافت الجمعية العمانية للكتّاب والأدباء د.خالد محمد غازي حيث ألقى محاضرة حول “الصحافة الإلكترونية العربية.. أخلاقيات الإعلام الجديد ومواثيق الشرف”.تحدث خلالها عن واقع الصحافة الإلكترونية وقال: “دراسة الصحافة الإلكترونية طرحت نوعا جديدا من الصحافة هو “صحافة المواطن” يتميز بالتفاعلية والتواصل الفوري بوسائل وطرق متنوعة تكسر حواجز الصمت في سرعة نقل الحس الشعبي تجاه الأحداث والمواقف والشخصيات وهدم اللغة الرسمية والفوقية وحرية طرح المواضيع الحساسة والخطيرة” وذهب غازي في سياق محاضرته التي لم تشهد حضورا كبيرا رغم أنها كانت تناقش حدثا متعلقا بمناشدات جماهيرية ليست في السلطنة فقط بل في كل العالم العربي ، ذهب إلى أنه مع تطور الصحافة الورقية، وانتعاش الصحافة الإلكترونية، أصبح من الضروري أن تكون الصحافة الإلكترونية العربية مسؤولة تلتزم بالمصداقية، والدقة، والموضوعية، والالتزام بالمعايير المهنية والتي يجب أن تكون عرفا سائدا بينها، وميثاقا للشرف المهني، ربما يكون غير مكتوب أو منصوص عليه صراحة في القانون. إلا أن الكثير من الحضور رأوا خلال مداخلاتهم أن هذا الأمر لم يتحقق، ولا يبدو أن الإعلام العربي في طريقه للمصداقية المعقولة. وطرح الحضور مثالا على جريدة الأهرام العريقة حينما كان “مانشيت” الصفحة الأولى خلال أيام الثورة يقول ” مظاهرة مليونية في شوارع القاهرة تأيدا لمبارك” في تزوير واضح للحقيقة التي كانت تقول أن المظاهرة المليونية كانت ضد مبارك.
ورأى غازي في محاضرته أن التحول من الكلمة المكتوبة أو المطبوعة إلى الصحافة الإلكترونية أصبح ظاهرة أكثر من كونها مجرد تغيير في وسيلة الاتصال، فالصحافة الإلكترونية هي نتاج امتزاج الإعلام بالتقنية الرقمية، ورغم عمرها القصير حققت في نحو عقد من الزمان ما حققته الصحافة المطبوعة في عشرات السنين، وتمكنت من تقديم مكاسب عديدة للمهنة الإعلامية ولجمهور القراء وكذلك لمستويات أخرى من المستفيدين مثل المعلنين والطبقة السياسية ومروجي الأفكار، والدعاة وسواهم، لكن هذه المكاسب ارتبطت ـ ولا تزال ـ بتطور التقنية وانتشارها وبطبيعة الجمهور الذي يستخدمها. وبرغم أن المؤشرات حول ذلك لا تزال غير مشجعة فإن كثيرا من الباحثين جنحوا مبكرا إلى الحديث عن هزيمة الصحافة التقليدية ونهاية عصرها. وهو أمر عاد ليوضحه بشكل أكثر دقة حينما قال أن القانون الإعلامي يؤكد أنه لا توجد وسيلة إعلامية تقضي على وسيلة أخرى، بل تتقدم عليها، وتتجاوزها؛ لكن لا تلغيها.
وفي سياقات السؤال التي كانت تطرح قبل المحاضرة وخلالها عن أخلاق الصحافة الإلكترونية قال المحاضر ” أخلاق الصحافة الإلكترونية بالنهاية لا تختلف عن أخلاق الصحافة عامةً، وقد وضعت جمعيّة الصحفيين سياسة شاملة للأخلاق الصحفيّة؛ هادفة منها إلى دعم أسمى المقاييس والمعايير المهنية في الصحافة الإلكترونية (إذاعة وتليفزيون وصحافة إنترنت)، وتعزيز فهم الجمهور وثقتهم بها، وتقوية مبادئ الحرية الصحفية في جمع وتوزيع المعلومات فالصحفيون الإلكترونيون يجب أن يعملوا كأمناء على مصلحة الجمهور، وأن يبحثوا عن الحقيقة، ونقلها بإنصاف وصدق واستقلالية، وأن يتحملوا مسؤولية أعمالهم. ويمكن أن نقدم أكثر من رؤية أو نموذج لميثاق عمل الصحفيين في الصحافة الإلكترونية، كما نرى في أكثر من جامعة وصحيفة إلكترونية ونقابات صحفية عربية”.
ورأى غازي أن الإنترنت فرض نفسه على العملية الصحفية، بما في ذلك استقاء المعلومات من مصادر متعددة، وتوظيفها ثم تخزينها بعد ذلك في أوعية إلكترونية تمثل أرشيف المحرر بعد ذلك، والاستفادة من الخصائص التي وفرتها النظم الرقمية وأصبحت دالة على تميزها، وبصفة خاصة التفاعلية والوسائط المتعددة والنص الفائق, لم يعد مفهوم الصحافة حكرا على المؤسسات الصحفية بالمعنى التقليدي في الصحافة المطبوعة، لذلك فإن الصحيفة الإلكترونية يجب أن تتميز بالاستقلال التام عن الصحف المطبوعة، حتى وإن كانت تصدر عن مؤسسة صحفية قائمة أو تحمل نفس عناوين إصداراتها، ويمتد الاستقلال ليشمل جميع المراحل بدءاً من التخطيط لإنشاء الموقع وأهدافه إلى تحرير المادة الصحفية، وتصميم الصفحات ونشرها على الشبكة، تمت الاستفادة من خصائص النظم الرقمية في تصميم البرامج والمواقع بالتركيز على خصائص المتلقي وحاجاته؛ بحيث يصبح الموقع أو المحتوى كما لو كان مخصصاً للمتلقي بذاته وتكون له الحرية في توجيه اختياراته وفق هذه الخصائص والحاجات، بما يؤدي بالتالي إلى تطوير العلاقة بالقارئ وتدعيمها؛ حتى يتحقق في هذه العملية الاتصال ثنائي الاتجاه، أو متعدد الاتجاهات لتأكيد تفاعل القارئ مع الصحيفة والعاملين بها وأقرانه من القراء والمستخدمين لهذه الصحيفة وموقعها.
وأشار غازي إلى أن احتكار الصحف للأخبار ولى زمنه، وأن التحدي هو نقل الأخبار في الشكل الذي يريده المستهلكون، مشيرا أن السمة البارزة التي تميز ظاهرة الصحافة الإلكترونية هي الابتكار فلم تعد المواقع الإعلامية الإلكترونية تفرض على قارئها أطرا معينة تنحصر في مصادرها ومعلوماتها هي فقط، بل أصبحت تمتد وتتشعب لتصل به إلى مصادر إعلامية أخرى ذات توجهات ورؤى مختلفة وإن الصحف الإلكترونية تتعرض لما لا تتعرض له الصحف الورقية من حجب وتدمير وإتلاف ومن ثم تعرضها لخسائر معنوية ومادية كبيرة ويرتبط هذا أكثر مما يرتبط بمسألة الدعاية والدعاية المضادة، حيث تأخذ هذه الفكرة شكلا عدائيا، وقد ترتب على هذا كله ظهور نوع جديد من الإرهاب أسماه المحللون “الإرهاب الإلكتروني”.
وكان الدكتور خالد غازي قد أصدر كتابا يحمل عنوان ” الصحافة الإلكترونية العربية .. الالتزام والانفلات في الخطاب والطرح”. تضمن حديثا طويلا حول الصحافة الالكترونية في العالم العربي، رغم أن المتغيرات في هذا المجال لا تتوقف والتطور الذي يشهده الإعلام البديل أسرع من أن يتم رصده بشكل سريع. ويعتقد المراقبون أن الإعلام البديل خلال التغيرات التي يشهدها العالم العربي تقدم كثيرا عما كان عليه، وربما بدأت الدول العربية تنتبه إلى ما يشكله هذا الجانب في بناء وتشكل الشخصية العربية سواء كانت شابة أو حتى تلك التي وصلت إلى مرحلة عمرية متقدمة.
—-
جريدة عمان (http://main.omandaily.om) الثلاثاء, 5 أبريل 2011