الكاتب: د. خالد غازي
مقعد شاغر، وميدان ممتلئ.. لكن اللعبة تدور في ملاعب أخرى، تتخللها صفقات، اتفاقات، شقاق، ثم خصام، وخناقات لا يتوقعها أحد.
* * *
اقتربت إنتخابات الإعادة لرئاسة مصر، ولم يبق للإخوان أية كروت لم يلعبوها لكسب تعاطف الشعب وتأييده، أمام الفريق شفيق المحسوب على النظام السابق. سعت الجماعة لإستغلال الحدث الأكبر المتمثل في الحكم الذي صدر بحق الرئيس السابق ووزير داخليته، وتبرئه نجليه وبقية معاونيه لعدم ثبوت إدانتهم. صحيح أن الحكم أثار جدلاً واسعاً بين النخبة وبين العامة، أثر كثيراً على المرحلة التي أعقبت الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية، بين د. محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة “الذراع السياسية للجماعة الإخوان المسلمين”، والفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في حكومة الرئيس السابق، وأسفر الحكم عن نزول أعداد كبيرة لميادين مصر شمالاً وجنوباً للإحتجاج عليه.
حاولت “الجماعة” استغلال الحكم للزج بالقوي الثورية كلها في خندقها الذي أعدته بعناية، وحشدت له قوتها الناعمة لإقناع الناس بأن “محاكمة مبارك الثورية” الخضراء يحبها الله، وأن “تلك الأحكام” السوداء قادمة من أحشاء الشيطان..!
فجاءت الإحتجاجات لصالح الجماعة ومرشحها، لأنها دعت الثوار إلى النزول والاحتشاد فى الميادين الثورية الواسعة؛ وعلى رأسهم د. “مرسي”، فانتهز الفرصة يؤكد أن “إعادة المحاكمة لرموز النظام بالكامل قد تكون “ثورية” ناجزة، كان الهدف من هذه الدعوات “نسب” د. مرسي إلى الثورة ليكسب بدماء الشهداء و”هم براء”.
وأثار رأي مرشح الإخوان بإعادة المحكمة وفق لأسس ثورية جدلاً بين من يرى فيه محاولة للصعود السياسي عبر سلم خلق الأزمات وافتعالها، ليصل إلى قصر العروبة، وبين من يرون فيها أنها محاولة لتوحيد المشهد السياسي وحقناً للدماء، لربما تكون المحاكمة قد أدت لقلب الأدوار لصالح “مرسي”، لكنه في الغالب إنقلاب مؤقت، لأن المصريين الذين رفعوا راية “الثورة مستمرة”؛ لا بديل أمامهم سوى الخروج إلى ميدان التحرير الذى شهد الثورة الأولى مرة أخرى لحمايتها.
جماعة أخرى ترى في نزول الجماعة للميدان أنه “صيد في الماء العكر” واستغلال الأوضاع لصالح مرشحهم ضد شفيق، مؤكدة أن الأوضاع في مصر لن تهدأ سواء بفوز “مرسي”،، واصفين محاولات الإخوان الإستفادة من الحكم ضد مبارك ونظامه، للحصول على قوة تصويتية أكبر في الإعادة، باعتبار أن المرشح المنافس لهم “منتم” لنظام مبارك، معتبرين هذا الموقف دليلاً على عدم إحترامهم لأحكام القضاء، ويتساءلون كيف نأمن من لا يحترمون القضاء على حكمنا؟ هذا السؤال وذاك هي ما تشغل الساحة السياسية، لكن استغلال الإخوان للشباب للخروج فى المليونيات الإحتجاجية يزيد الأوضاع تأزماً، ويجعل المشهد السياسي أكثر صعوبة لدى الجميع.
تحاول الجماعة إعادة رسم ملامحها باعتبارها الفصيل السياسي الأكبر، وإنجاح مرشحها بتلك الشعارات الرنانة، في الوقت الذي تطالب فيه القوى الثورية الأخرى، بتشكيل مجلس رئاسي يعبر عنها، وضرورة وضع المصلحة الوطنية لشعب مصر فوق الاعتبارات والمصالح الذاتية، بالابتعاد عن “الدجل” السياسي الذي يروج له أثناء تلك الإعتصامات، والتحريض على النزول إلى الشارع اعتراضاً على القضاء المصري، والتشكيك فى نزاهته؛ ما يسئ إلى الديمقراطية التي يرجوها الناس.
لقد تناسى الإخوان ضرورة احترام الشعب والثوار لأحكام القضاء والثقة فيها لتكون المرحلة القادمة مرحلة إنتقالية حقيقية، تعقبها مرحلة ديمقراطية جديدة لم ير الشعب المصري ليها مثيلاً قبل بزوغ شمس الثورة المصرية المجيدة، التى شهد العالم كله على نجاحها الساحق في إسقاط الدكتاتورية.
بدأت أولى مراحل الديمقراطية الجادة والملموسة بخروج الشعب المصرى بكل حرية وإرادة ليشارك في اختيار من يمثله داخل مجلسي الشعب والشورى “الغرفتين الأولى والثانية” في البرلمان المصري، التي جرت تحت إشراف القضاء المصري، فلم يتخط دوره الإشرافي بلا أدنى تدخل، على عكس ما تدعيه بعض القوى السياسية التى تريد أن تبحث عن “زعامة” باسم الشعب المصري دون تفويض منه، قابلت فكرة التشكيك في الإنتخابات استياء الشارع المصري، فرفض التوجه إلى ميدان التحرير، سواء بطلب المرشحين الذين تم إستبعادهم، واعتبرها “رغبة” منهم في الظهور الإعلامي والمزايدة السياسية على حساب الشعب.
وقفت جماعة الإخوان المسلمين التي تعد أكبر فصيل سياسي جماهيري على رأس المطالبين بنزول الناس إلى الشارع ودعته إلى العمل من أجل قضية حقيقية، واسترداد ما فقد في المراحل السابقة، ومحاولة إنقاذ الثورة، لكن موقفها كان متستراً بهذه الدعوة للتغطية على أخطائهم التي إقترفوها في الفترة الأخيرة.
* * *
قضية أخرى تثير جدلاً وعلامات استفهام، تتمثل في إقدام المرشحين للرئاسة أحمد شفيق ومحمد مرسي على تغيير شعار حملاتهما الانتخابية في جولة الإعادة؛ حول مدي نجاح هذه الخطوة في دعم كلا المرشحين، واستبدل أحمد شفيق شعار حملته القديم “الأفعال لا الأقوال” بـ”المواطن هو الحل”، فيما استبدل مرسي شعار “النهضة إرادة شعب” بشعار “قوتنا في وحدتنا”.
فهل سيؤثر تغيير شعارات المرشحين على مسار التنافس؟، هذا ما يجيب به الخبرء على السؤال، فهم يرون في شعار مرسي “كلاماً مرسلاً” لن يكون له تأثير قوي على حملته، لأن الكل يدرك أن القوة في الوحدة، وفي ذات يرون أن شعار شفيق الجديد “أكثر قوة” لأنه يركز على الفرد أو الشخص نفسه، باعتباره حل كل الأزمات، مشيرين إلى أن الشعارات لن يكون لها تأثير قوي، لأن الفترة الحالية فترة أفعال وليس فترة شعارات.
المراقبون السياسيون أنفسهم وفي سعيهم لقراءة السيناريوهات المتوقعة يرون أن الأحكام القضائية ببراءة نجلي الرئيس السابق مبارك وقادة الداخلية في قضايا التربح من المال العام وقتل الثوار، ستصب في مصلحة حملة المرشح محمد مرسي، وأن محاولات إعادة إحياء الثورة بعد “براءة” قتلة الثوار سيكون لها تأثير إيجابي في صالح مرسي ضد شفيق، باعتباره أحد أفراد النظام السابق، وهذا ما جعل القائمين على حملة مرسي يستغلون الأحكام بشكل كبير، وفي جميع الوسائل الإعلامية والترويجية، فيما قد يستفيد شفيق من جزء واحد في هذه المحاكمة، وهو “الحكم بالمؤبد” على مبارك والعادلي.
لكن اللافت أن ما حدث عقب الحكم قد يزيد من غضب ورفض الجماهير لجولة الإعادة، وبالتالي قد يزيد عدد المقاطعين للإنتخابات بسبب حالة اليأس التي أصبحت تسيطر على الكثيرين، لربما، يكون لفكرة إعادة إحياء الثورة من جديد بعد محاكمة قتلة الثوار ومبارك ونجليه، تأثير سلبي كبير على حملة شفيق بنسبة تتعدي “أربعين بالمائة” باعتباره منتمياً للنظام السابق، لكن في ذات الوقت فإن الأحداث الأخيرة ستؤثر على “حملة مقاطعة الإنتخابات”، ولربما غير الكثيرون الذين قرروا المقاطعة أراءهم وعادوا للمشاركة في إختيار مرشح آخر غير شفيق، إعتراضا على ما حدث في المحاكمة.