د. خالد غازي
الحرب المتجددة بين شمال السودان وجنوبه لن تكون كسابقاتها. إنها الآن حرب بين دولتين تتنازعان المصالح وتحركهما دوافع مختلفة. استمرار تهميش المناطق المتنازع عليها بين الشمال والجنوب في اتفاقية السلام الموقعة بين السودان شماله وجنوبه؛ وهي ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق وولاية آبيي يؤدي إلى استمرار المعارك المسلحة بين الحركات المتمردة ويشعل الحرب الأهلية مجدداً؛ وبذلك سوف يبقي السودان أبعد ما يكون عن الإستقرار وبناء الدولتين.
(1)
تبدو التوترات المسلحة على الحدود بين دولة شمال السودان ودولة الجنوب؛ وتدخلات الجيش السوداني في ولاية كردفان لضبط واعتقال المتمردين أصابت الشعب السوداني بالقلق؛ لأنه بدأ يستشعر أن العودة للحرب هو الخيار المطروح الآن بين جوبا والخرطوم ولا بديل عن استمرار القتال بين أبناء البلد الواحد؛ الذي قسمته التدخلات والاجندات الدولية؛ فالرأي الأحادي هو السمة التي تغلب على مناقشات الخرطوم وجوبا، مصحوباً بالعناد المستمر في الخفاء وإصرار كل طرف على رأيه؛ حيث أكد البشير بأن بلاده على استعداد لخوض حرب مع دولة جنوب السودان في حالة عدم التزامها باتفاقية السلام الموقعة بين الدولتين؛ وعلي الجانب الآخر يعطي سلفاكير الضوء الأخضر للتحرك الإسرائيلي ويمهد للتعاون العسكري بين الدولتين في حالة نشوب حرب مع دولة الشمال. ترى ماذا يدبر في الخفاء؟ نعم.. الطرف الثالث هو اسرائيل وهي المستفيد الحقيقي من هذا التوتر، بل ان قادة تل أبيب يشجعون سلفاكير على دخول الحرب حتى يتمكنوا من الدخول إلى السودان بكل حرية مع قوات حفظ السلام ومع المنظمات الدولية المزعومة للاغاثة والعون؛ مما يهدد – بطبيعة الحال – الأمن القومي العربي والمصري ويشتعل السودان مجدداً في حروب جديدة وقوات متمردة جديدة ويفتح الباب على مصراعيه لأفراد تنظيم القاعدة وتجدد العمليات الإرهابية. فجنوب السودان يواجه أعمال عنف قبلية دامية وتزايد في القوات المتمردة والجيش الشعبي المسلح ولذلك سيكون من الصعب بناء دولة سودانية جنوبية جديدة قبل القضاء على هذه البؤر الإرهابية التي تسعى لجر السودان في حرب مسلحة؛ بسبب عدم تقسيم مناطق البترول المتنازع عليها وعدم الإلتزام بإتفاقية السلام الموقعة بين الدولتين وعدم ترسيم الحدود في المناطق المتنازع عليها والإتهامات المتبادلة بين الطرفين بدعم المتمردين.
(2)
وبعد تزايد المواجهات والاشتباكات المسلحة وخاصة في منطقة هجليج الحدودية بين الجيش السوداني في الخرطوم والجيش الشعبي والمتمردين في جوبا؛ أخذت دوائر اقليمية ودولية في ترتيب قمة بين الرئيسين البشير وسلفاكير للخروج بنتائج إيجابية وملموسة يترتب عليها ما ستؤول اليه الأوضاع في المرحلة القادمة بمعنى “إما الحرب بين الدولتين وإما التهدئة والإستقرار” ولابد من تقديم تنازلات من كلا لطرفين حتى لا تنجرف الدولة السودانية في حرب تفتك بشعبيها ويضيع مستقبل البلاد. فالدعوات الغربية وبعض الدول العربية – للأسف – التي طالبت بانفصال السودان حتى تستقر الأوضاع الداخلية وينعم السودان بالأمن هي التي أغرقت السودان ومهدت للفرقة والنزاعات المسلحة ومع ذلك تركت مناطق الصراع أبيي وكردفان بعيدة عن الحلول السياسية حتى يستمر وجود فتيل الاشتعال؛ فالإنفصال كان مجرد حلقة من سلسلة سوف تتفكك في الأيام القادمة وسيطالب أبناء دارفور وغيرهم بحقهم في الإنفصال حتى يبقى السودان مجرد دويلات صغيرة مقسمة ويضيع البلد ويذهب بلا رجعة. ولم تنجح المنظمات العربية وعلي رأسها الجامعة العربية في التحرك الدبلوماسي على أرض الواقع لطرح الحلول والأفكار التي تؤدي إلى التهدئة بين الشمال والجنوب؛ فالحرب القادمة التي يستعد لها سلفاكير بدعم اسرائيلي – أميركي توضح مدى الخطر الذي تمثله دولة الجنوب على الأمن القومي العربي عموماً والمصري خصوصاً؛ بسبب التنسيق الواضح بين حكومة الجنوب والكيان الإسرائيلي ورغبة سلفاكير في إفتتاح سفارة إسرائيلية في جوبا وتدريب الجيش الإسرائيلي لجنود السودان الجنوبيين وإبرام الصفقات العسكرية لتسليح الجنوب بالأسلحة والذخائر وقاذفات مضادة للدبابات وصواريخ ودبابات وطائرات مجاناً؛ مقابل استغلال إسرائيل في الاستثمار والزراعة والنفط دليل على عمق العلاقات المشتركة مما يشكل تهديداً لمصر والسودان خاصة والوطن العربي بشكل عام.
(3)
الأطماع والمؤامرة؛ إذن؛ عنوان رئيسي لما يحدث في السودان، خاصةً وأن السودان تنعم بالنفط والغاز والثروات المعدنية والثروة الزراعية الشاسعة؛ فيصدرون اليها الأسلحة والأموال لدعم حركات التمرد حتى ينشغل السودان في صراعاته الداخلية. ومازالت الولايات المتحدة الاميركية تمارس ألاعيبها السياسية؛ وتريد اشعال الموقف السوداني حتى يتم نشوب الحرب بين الشمال والجنوب؛ فأقر مجلس الأمن برعاية أميركية قانون “محاسبة السودان” الذي يلعب على ورقة حقوق الإنسان والتحول الديمقراطي؛ والولايات المتحدة تدرك جيداً أن هذه المبادئ بعيدة تماماً عن الشعب السوداني بسبب صراعات ومشاكلة الداخلية وطبيعته القبلية التي لا تدرك معنى الديمقراطية أو حقوق الإنسان؛ ولكنها مجرد محاولات لتفكيك السودان والتدخل في شئونه؛ وما يصاحب ذلك من جرائم ضد الإنسانية وانتهاكات لحقوق الإنسان واستخدام ورقة محاكمة البشير وتسليمه للمحكمة الجنائية؛ وهذه الأمور حسب الرؤية الأميركية تستدعي التدخل والمساءلة الدولية.
(4)
الزيارات المتعددة من سلفاكير لإسرائيل لها محوران أولهما: تنبئ بعلاقات سودانية جنوبية قوية مع اسرائيل؛ والتي تحدث ارتباكاً في الوسط السياسي السوداني الداخلي وخوف من استقواء القوى المسلحة السودانية بإسرائيل ودعمهم بالأسلحة التي يرغبونها؛ ثاني المحورين: هو فتح الباب للزيارات المتبادلة بين البلدين ومجالات للتعاون العسكري والإقتصادي؛ وهو ما يجعل الموساد والإستخبارات الأميركية موجودة طالما تواجدت البعثات المختلفة على أرض السودان؛ مما يسهل التجسس على مصر والدول العربية من الناحية الخلفية السودانية. فالتوغل الإسرائيلي واللعب في دماغ سلفاكير واضح تماماً واسرائيل تقدم له العون العسكري والمادي؛ حتى ظن بأنه الأقوى ونسي أن بلاده تعاني من نزاعات قبلية وحركات متمردة مسلحة وفقر وجوع؛ كما سادت حالة من الذعر والرعب وسط سكان الجنوب إثر استعداد الدولة الوليدة للحرب؛ وحزمت الأسر السودانية أمتعتها استعدادًا للمغادرة، خاصةً ان الحرب اذا اشتعلت في السودان سوف تكون مختلفة عن أي حرب سابقة لأنها في السابق كانت مجرد حرب اهلية ونزاعات مسلحة وتمرد بين الشعب؛ ولكنها حالياً سوف تكون حرباً بين دولتين ومجلس الأمن لن يقف في مقعد المتفرج والمتابع ولكن الدول الكبرى وخاصةً أميركا ومعها ذراعها الطويل إسرائيل سوف تستثمر الفرصة للدخول العسكري في البلاد بحجة حفظ السلام ووقف إطلاق النار بين الطرفين ولكنها سوف تسعى لبناء قواعد عسكرية والإستيلاء على حقول النفط المتنازع عليها بين الجارتين؛ ولن يكون للشعب السوداني نصيب من ثروات بلادهم.