د.خالد محمد غازي
يظل عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية السابق، والمرشح لانتخابات الرئاسة المصرية المقبلة، مثار إعجاب وانتقاد الكثير من السياسيين والمسئولين العرب والدوليين، حتى على المستوى الشعبي في كثير من البلدان؛ لما يتمتع به من كاريزما عالية، وقبول مستحسن، يكسو مواقفه وتحركاته على مستوى السياسة العربية، رغم افتقاد الجامعة العربية لدورها المنوط في عهده، إلا أن مواقفه هذه وتحركاته تلك خلال منصبه تراوحت بين الإقدام والإحجام، ولكنها حالة لا تعبر عن طبيعته الشخصية بقدر ما تعبر عن مأزق الحراك السياسي العربي، دون أن ننسى أنه كان أول من نادى بجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل بشكل عام، كما اهتم بالدعوة إلى إطلاق حوار عربي- إيراني لتحديد طبيعة العلاقات المستقبلية مع طهران.
(1)
وباتت مواقف موسى عربيا ودولياً صادمة لبعض الاطراف خاصة بعد وصفه للمفاوضات الفلسطينيية – الإسرائيلية، بأنها عبثية لا جدوى منها، عقب خطاب رئيس وزراء إسرائيل أمام الكونجرس في الرابع والعشرين من مايو 2011، الذي تعددت لاءاته، وحثه الجانب العربي على الخطو قدما على الطريق السليم، وهو الذهاب إلى الأمم المتحدة، والنضال السياسي في هذا المعترك الدولي الكبير وعدم التراجع عن هذا.
ويبدو أنه يتخذ من مواقفه – كوزير خارجية سابق وأمين للجامعة العربية سابق – طريقًا نحو منافسته في انتخابات الرئاسة المصرية المقبلة، التي اعلن ترشحه لها بشكل رسمي والذي تتأرجح نسبته يوماً عن الآخر، ومن استعراض نقاط الضعف والقوة لدي كل مرشح تتفق معظم الآراء على أنه الأقرب، بالتزامن مع انطلاق حملات تأييد واسعة النطاق احتلت صدارة مواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل “فيس بوك” و”تويتر”، ويرى هؤلاء أنه صاحب كاريزما شعبية وخبرة إدارية اكتسبها من عمله الدبلوماسي، اضافة لتنوع علاقاته السياسية والاقتصادية على المستوى العربي وكذا الدولي، والتي تضفي عليه ثقلًا كمرشح رئاسي.
وعلى صعيد المعارضين لترشحه؛ فيرون أنه لم ينجح في تحسين الوضع العربي؛ سواء الداخلي بين الدول العربية نفسها، أو بينها والعالم الخارجي، إضافة إلى تقدمه في السن التي تجاوزت الرابعة والسبعين، وسط دعوات بإفساح الفرصة أمام الشباب لتولي المهام، والمناصب القيادية في الدولة المصرية الحديثة، التي يسعون إلى تأسيسها، فضلاً عن تشكيكهم فيه باعتباره مثل – لفترات طويلة – أحد الأضلاع المهمة في نظام السابق، إلا أنه مع البعد عن طرح مرشح للرئاسة ذي خلفية عسكرية دعماً لمدنية الدولة، يبدو موسى هو الأوسع فرصة، والأكثر حظاً حتى الآن، رغم أن الأيام المقبلة ربما تحمل مفاجآت.
(2)
ويأتي النظر إلى موسى باعتباره مرشحا للرئاسة؛ لتاريخه السياسي الطويل الذي يمتد لأكثر من عشرين عامًا متواصلة؛ تنوعت في الأدوار، وامتازت بالانغماس في معترك السياسة العربية والدولية؛ ففي عام 1991 تم تعيينه وزيرا لخارجية مصر، في الفترة التي أعقبت غزو صدام حسين للكويت، والتي شهدت انقسامات عربية حكومية وشعبية – غير مسبوقة – حول شرعية التدخل الدولي لتحرير الكويت، وانقسمت على إثرها الحكومات العربية – عندئذ – بين مؤيد لحرب تحرير الكويت؛ مثل حكومات مصر وسوريا والمغرب، ومعارض؛ مثل حكومات اليمن والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ذلك الانقسام الذي لم يقم على مبادئ محددة، بقدر ما جاء مبنيا على مواقف شخصية من القادة العرب تجاه الكويت وحكومتها وصدام حسين، إذ لم يكن طريق موسى في وزارة الخارجية وقتها معبداً، إذ كانت حقيبته الوزارية تعج بمهام جسام؛ كان أهمها مؤتمر مدريد للسلام بالشرق الأوسط، ومفاوضات السلام العربية – الإسرائيلية، والحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق.. إضافة إلى العديد من الأحداث التي شهدتها تلك الحقبة مثل تصاعد ظاهرة الإرهاب والصراعات العرقية في المنطقة، ومرحلة ما بعد الحرب الباردة، الأمر الذي تطلب نوعية خاصة من الدبلوماسية تختلف في منهجها.
(3)
شن عمرو موسى بعد توليه حقيبة الخارجية المصرية، حملة لقيت صدى كبيرا في الشارع المصري والعربي على حد سواء، ضد البرنامج النووي الاسرائيلي بمناسبة تمديد معاهدة حظر الانتشار النووي في العام 1992، وقد تزايد الاعجاب الشعبي به بعد رفضه العلني والقوي إدماج إسرائيل اقتصاديا في الشرق الأوسط، وهو الاقتراح الذي طرحه في أعقاب اتفاقات اوسلو عام 1993 شيمون بيريز وزير خارجية إسرائيل، ضمن ما اسماه “مشروع الشرق الاوسط الكبير”، وانتقد بشدة الكثير من الحكام العرب الذين يهرولون تجاه تطبيع العلاقات مع اسرائيل، الامر الذي أدى إلى تراشقه اللفظي المتكرر مع بعض المسئولين الاسرائيليين.. وشهدت سنواته العشر كوزير للخارجية إنجازات مهمة، مثل عملية سلام الشرق الأوسط التي كرس جل وقته وجهده لها تتعثر بعد نحو خمس عشرة سنة على انطلاقها، في الوقت الذي لم تجن فيه مصر ثمرة نجاح دبلوماسي يذكر على أي صعيد آخر. فقد جاء تركيزه على البعد العربي دون سواه على حساب الأبعاد الأخرى من السياسة الخارجية المصرية، فقد فترت على سبيل المثال العلاقات المصرية- الأفريقية، وبلغت أدنى مستوياتها منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر، في حين توترت العلاقات الاستراتيجية مع إثيوبيا التي تتحكم في منابع نهر النيل مصدر الحياة الأوحد في مصر بسبب الخلاف على حصص المياه، لكنه رغم ذلك عُرف دائما بمعارضته التي بدت جلية لإسرائيل وسياساتها وممارساتها وتسلحها لخدمة أغراضها الاستيطانية، بينما قوبل بالرفض اللاذع من قبل إسرائيل والولايات المتحدة وبعض حلفائهما؛ ليحظى بنصيب من الاتهامات بعرقلة مسيرة السلام بتشدده ورفضه حلولا وسطا للقضايا الأساسية كالقدس واللاجئين الفلسطينين، وأزمة الجولان في سوريا، وهي الاسباب التي أدت إلى إقصائه عن منصبه كوزيرا للخارجية في عام 2001، كما أشار إلى أن الأمر كان خلافا حول سياسة مصر تجاه إسرائيل أكثر من كونه يتعلق بالغيرة؛ لذا لم يلق موسى القبول من الجانبين الاسرائيلي والاميركي على حد سواء، وكانت تلك الفترة من التاريخ تشهد اندماجًا للعلاقات المصرية والاميركية، الا ان شعبيته تنامت وقتها على المستويين المحلي والدولي هواجس لدى نظام مبارك من تأثير على مصالحه بدعم من الشارع العربي وعزز هذا الانطباع دوره الحيوي عقب اندلاع انتفاضة الاقصى في العام 2000، والتي كانت بمثابة استفتاء على شعبيته.
(4)
وتولى عمرو موسى أمانة الجامعة العربية في العام 2001، والذي شهد أضخم حدث إرهابي هز أرجاء العالم؛ وهو تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر والذي ألزم الجامعة العربية بمسئولية تصحيح الصورة الذهنية عن دولها في عيون العالم، إلا أن ملابسات تعيين موسى لمنصب الأمين العام جاء بعد ضيق مؤسسة الرئاسة المصرية على ما يبدو من تصريحات موسى، والتي تسببت في إحراج الموقف المصري من الموقف الاميركي الداعم لسياسات إسرائيل في المنطقة والذي دعمته الحكومة المصرية، ومن جهةٍ ثانية، فبعد أن جمدت اليمن ترشيحها لمحسن العيني – في انتخابات أمانة الجامعة العربية – خلفا للامين الأسبق عصمت عبدالمجيد ليشغل منصباً آخر يقصيه عن المشهد السياسي لمصر، ولا تلوك الصحف في أسباب إبعاده من الخارجية وما إن كانت نتيجة ضغوط أميركية أو إسرائيلية؛ مما سيعمل على إحراج الحكومة والنظام وقتها.
(5)
ويعد أبرز موقف للجامعة العربية – في عهد موسى – إعلانها المبادرة العربية للسلام موقفا رسميا للدول العربية في القضية الفلسطينية، التي طرحها ولي عهد السعودية –آنذاك- الأمير عبدالله على القمة العربية ببيروت 2002، وهي المبادرة التي طرحت لأول مرة سلاماً عربياً شاملاً مع إسرائيل، مقابل إقامة دولة فلسطين على حدود ما قبل 1967، عاصمتها القدس الشرقية مع حق العودة للاجئين، ولعل سنواته – والتي قضاها أميناً عاماً للجامعة العربية – ليست أفضل حالا من مكانته وزيرا للخارجية؛ حيث تعثرت الجامعة في عهده في إنجاح إنشاء الكيانات العربية الجديدة كالبرلمان العربي والاتحاد الجمركي وتوحيد الاقتصاديات العربية، والتي لم تكن خطوة الاتجاه اليها إلا من قبيل التقليد الأعمى لمؤسسات الاتحاد الأوروبي، كما انحسرت قرارات الجامعة تجاه السياسات الاستيطانية الاسرائيلية في القدس في الشجب والتنديد، كما أنها لم تفلح في اتخاذ موقف رافض للانتهاك الاميركي للاراضي العراقية في 2003، وأيضا موقفها الهش في حرب لبنان 2006، وكذلك في حل الازمة بين الانفصاليين والحكومة في الصومال، أو الحيلولة حتى دون حدوث تقسيم السودان إلى دولتين، ومن جانب آخر، فَشَل المساعي لتحقيق المصالحة الفلسطينية، ولعل أبرز القرارات وأكثرها ضعفًا غياب دور الجامعة الرسمي في الأحداث العربية الجارية، والتي كانت مؤشرا على أن العالم العربي على أبواب مرحلة تفكك غير مسبوقة، خاصة الازمة الليبية؛ حيث أكد موسى عقب اجتماع لوزراء الخارجية العرب، أن الجامعة طلبت رسميا من مجلس الأمن فرض منطقة لحظر الطيران في مواجهة أي عمل عسكري ضد الشعب الليبي.