د.خالد محمد غازي
قال الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى “كل مشكلة لها حل والمهم هو أسلوب الحل أو الإخراج، والعناصر المختلفة لكل مشكلة”.
وأعلن أنه يتم حاليا الإعداد لعقد قمة عربية أفريقية في أكتوبر أو نوفمبر لبحث التغلب على مشكلة مياه النيل.. وأن الجامعة على استعداد للقيام بالدور اللازم على صعيد التعاون العربي الأفريقي في قضية مياه النيل.
وأكد أن الأوضاع “لا تدعو إلى اليأس وإنما تدعو إلى العمل والحذر وحسن إدارة مياه النيل”.
(1)
لقد وقعت إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا اتفاقية تدخل تغييرات على الترتيبات التاريخية لاقتسام مياه النيل وهي خطوة بادرت القاهرة والخرطوم بالاعتراض عليها.. وزيرة المياه الكينية تشاريتي نغيلو قالت “إن اتفاقية 1929 عفا عليها الزمن ؛ لا شيء يوقفنا عن استخدام المياه كما نحب، الأمر الآن متروك لمصر كي تنضم … أن الاتفاقية الجديدة التي تنشئ مفوضية دائمة لإدارة المياه ستضمن لكافة الدول المشتركة في النهر “الاستخدام المتساوي للموارد”.وكان رئيس الوزراء الإثيوبي مليس زيناوي قد انتقد موقف مصر الرافض لإعادة توزيع الحصص بين دول حوض النيل التسع، وقال إنها لا تملك وحدها حق تحديد نسبة كل دولة. وأكد أن مصر لا تستطيع منع إثيوبيا من بناء سدود على نهر النيل.. وقال “أعرف أن البعض في مصر لديهم أفكار بالية تستند إلى أن مياه النيل هي ملك لمصر وهي تمتلك الحق في كيفية توزيع مياه النيل، وأن دول المنبع غير قادرة على استخدام المياه لأنها غير مستقرة وفقيرة .. ان هذه الظروف تغيرت، فإثيوبيا فقيرة ولكنها قادرة على تسخير الموارد الطبيعية الضرورية لإقامة أي أشكال من البنى التحتية والسدود على النهر … لا أرى ما يمنعها – السودان ومصر – من الانضمام للركب، لن تستطيع مصر أن توقف إثيوبيا أو تمنعها من بناء سدود على النهر، هذا تاريخ ولن يكون جزءا من الحل، فالحل ليس هو محاولة مصر أن توقف ما لا يمكن وقفه”.
(2)
مراقبون سياسيون متخصصون في هذا الشأن يؤكدون أن مصر والسودان لن توقعا أو تنضما إلى أي اتفاقية إطارية لا تتضمن في نصوصها ما يضمن حماية مصالحهما المائية ؛ خاصة ما يتعلق بالمادة 14/ب التي تؤكد الحقوق والاستخدامات الحالية لكل دول حوض النيل؛ وأن توقيع خمس من دول المنبع على مشروع الاتفاق الإطاري “غير المكتمل والذي تعترض عليه كل من السودان ومصر من شأنه أن يقوض مسيرة تعاون ومفاوضات شاقة استمرت 12 عاما، بل يقوض مبادرة حوض النيل برمتها”.
وقد أعلنت مصر والسودان في أكثر من مناسبة – علي لسان مسئولين رفيعي المستوي – أن دولتيهما لن تعترفا بالاتفاقية الجديدة التي وقعت عليها خمس من دول المنبع واعترضت عليها مصر والسودان اللتان تمثلان دول المصب.
لكن الدولتين ما زالتا تأملان عودة كافة دول حوض النيل التسع إلى مائدة المفاوضات للتوصل إلى اتفاق يضمهم جميعا يلبي مصالحهم ولا يستثني أحدا.
(3)
لكن ملف ( نهر النيل ) أصبح شائكا وهذا يطرح عدة أسئلة بديهية : ما هي أهداف الجهات التي عمدت إلى تحريك ملف مياه النيل ؟ وهل حان موعد التحضير للحروب المائية ضد العرب ؟
وقد أقام مركز الدراسات العربي الأوروبي في باريس ندوة الكترونية حول هذا الموضوع ؛ الذي تباينت الاراء حوله ؛ لكنها أجمعت أن هناك أصابع خفية تحرك الموضوع وتشعل فتيل الأزمات فيه ؛ ومن الضروري أن نعرض لوجهات النظر المختلفة ؛ فيري اللواء الركن د.مهند العزاوي رئيس مركز صقر للدراسات الإستراتيجية والعسكرية ان العالم العربي يخضع اليوم لأبشع مخططات التجريف الجيبولتيكي والتفتيت السياسي وباستخدام كافة الاساليب وإبرزها الحرب الديموغرافية وسياسة التجويع وخصخصة الخدمات العامة ؛ ليفقد الشعب ثقته بنظامه وقيادته وبات الطريق ممهدا لهذه المخططات بعد مساهمة العرب في غزو العراق, وانشغالهم بإرضاء أمريكا وترصين تواجدها في العراق على حساب الآمن القومي العربي, ولا يمكن القفز على حقيقة ان المبادرة بيد القوي , ومن لا يمتلك خيار الردع الاستراتيجي والذي جرد العرب منه, فعليه انتظار دوره ضمن مخطط التفتيت السياسي .. وفي السياق ذاته أكد د. محمد مرسي وهو عضو بمجلس الشعب المصري ( البرلمان) ان الأعداء لن يتركوا أفريقيا إلا ويعبثوا بها . لأن بها الماء والكنوز المدفونة والبترول واليورانيوم و أراض زراعية شاسعة وطاقة بشرية هائلة ؛ ولكن المطلوب إطلاق حرية شعوب إفريقيا ليتم الاتحاد الإفريقي ؛ والذي إن تم سوف يحدث توازنا على مستوى العالم ولكن إشعال الفتنة والخلافات حتى داخل الوطن الواحد هو إعلان الحرب لذلك على حكام إفريقيا ان يعوا الدسائس من قبل هولاء وان يعودا لاستقرارهم الذي عاشوه من قبل مئات السنين . بينما أكد د. حسان التليلي الخبير في شؤون التنمية أنه لدى أطراف خارجية كثيرة وفي مقدمتها إسرائيل مصلحة في حث بلدان تقاسم مصر مياه حوض النيل على إضعاف هذا البلد ؛ ونظرا للعلاقات الجيدة بين إسرائيل وأثيوبيا،فإنه ليس غريبا أن يتزعم الأثيوبيون اليوم الحملة على مصر للتخلي كليا عن الإطار التشريعي الدولي الحالي الذي توزع بموجبه مياه الحوض بين البلدان التي يشقها نهر النيل.
و ليس ثمة مصلحة لأي بلد من البلدان التي تتقاسم مياه أنهار تشقها في تغذية مقولة حروب المياه ؛ لأنه لا يمكن لمثل هذه الحروب في المستقبل أن تؤدي إلى منتصرين ومهزومين . وصحيح أن موازين القوى السياسية والعسكرية عنصر هام من عناصر إذكاء ما يسمى ” حروب المياه” أو العمل على تجنبها.ومع ذلك فإن التسمية الأصح هي تسمية ” التصعيد حول المياه أو بسبب المياه” وهو تصعيد سيتفاقم في المستقبل في عدة مناطق تطرح فيها مشكلة ندرة المياه العذبة بحدة. و بقدر ما سعت إسرائيل خلال السنوات الخمسين الماضية إلى تعزيز علاقاتها مع دول القارة الإفريقية غير العربية بقدر ما انحسر التعاون العربي الإفريقي في مجالات كثيرة وبخاصة في المجالات التي من شأنها أن تعود بالفائدة على حياة الشعوب الإفريقية وأن تسهم في تنمية ثرواتها البشرية وختم التليلي مداخلته بان الخوف كل الخوف اليوم أن يفشل العرب في الاستعداد بجدية لظاهرة الاحتباس الحراري والتي ستترجم مثلا في البلدان العربية عبر تزايد رقعة التصحر وفترات الجفاف وتفاقم مشكلة ندرة المياه .
(4)
وفي رأي له وجاهته وموضوعيته قال د. محمد نعمان جلال السفير الاسبق بالخارجية المصرية ” إن تحريك موضوع مياه النيل في هذه المرحلة يعكس ثلاثة أمور الأول عدم الاهتمام الكافي المصري بإفريقيا وبخاصة بدول حوض النيل الثاني حاجة الدول الإفريقية بالحوض للتنمية الثالث الدور الخارجي الذي تلعبه دول مثل إسرائيل ودول إخري في التحريض ضد مصر والسعي للإضرار بمصالحها الوطنية .. وهذه كله يقتضي حركة مصرية إكثر نشاطا مع إفريقيا ومزيد من الوعي لدي الدول الإفريقية للمحرضين ؛ لأن ذلك يؤثر علي علاقاتهم المستقبلية الإستراتيجية مع مصر ورأى جلال انه ضرورة وجود خطة للتعاون المصري الإفريقي للمصلحة المشتركة لجميع الاطراف ” .