د. خالد محمد غازي
(1)
من المؤكد أن الصحافة الورقية – ليس في العالم العربي فقط، بل في العالم كله – تعيش فترة حرجة، ومرحلة انتقالية مواكبة للتطور التقني الهائل والذي يخرج لنا كل يوم بجديد لا نتوقعه .
والمؤكد أن التقنيات الجديدة والمتلاحقة؛ – ومنها تقنيات الحبر الإلكتروني – تحظى بالكثير من اهتمام الاوساط الإعلامية والصحفية ؛ خاصة ؛ في الفترة الأخيرة، وهو ما يعزو وجهة النظر التي تري أن يكون الظهور التجاري الحقيقي للصحف والمجلات الإلكترونية هو التحول، الذي سيكون له أثر هائل في العالم في حال تحققه ؛ وفي خطوة استشرافية ؛ كانت في منتصف عام 2009 اجتمع كبار شركات النشر والصحافة الورقية عالمياً في الوقت الحالي ؛ مثل مجموعة شركات News Corp الناشرة لكم هائل من الصحف والمجلات؛ وجميعها من المؤسسات العملاقة التي تقدم مجتمعة مئات المطبوعات المختلفة ويبلغ إجمالي عدد قرائها مجتمعين ما يفوق الـ 144 مليون قارئ، والهدف المعلن هو الانتقال إلى عصر جديد .. الشركات الخمس أعلنت عن تأسيس شركة تدار بشراكة بينهم جميعاً، وتهدف في المقام الأول والأخير إلى تقديم جميع إنتاجاتهم عبر منصة إلكترونية منظمة واحترافية، تكفل تجربة قراءة مثالية لجميع هذه المطبوعات على اختلاف أشكالها.
ولعل أحدث المنجزات التقنية هو الكمبيوتر اللوحي الجديد “Ipad” من “آبل”، الذي طرح في الأسواق – حديثا – بعد ترقب كبير، في ظل توقعات بقدرات متفوقة على تغيير النظرة التقليدية إلى أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة معاً.. فالجهازالجديد مصمم للتصفح السهل والسريع للمواقع والصحف الإلكترونية، ويمكن للجهاز استخدام اغلب التطبيقات المتاحة في “آي فون” وعددها 150 ألفاً وكذا أكثر من 1000 تطبيق جديد.
وقد أشار مايك جارتنبرج خبير مركز أبحاث “إنتيربريت” إلى أن “آبل” قدمت الإجابة بالفعل عن السؤال الذي لابد أن يخطر ببال المستخدم، عن مدى حاجته لهذا الجهاز؟ فهو ذو حجم متوسط، ويعمل عن طريق اللمس، ويغطي احتياجات المستخدم بشكل كامل، ويمكن من خلاله تصفح الإنترنت ببساطة من أي مكان وزمان، وهي واحدة من أهم ميزات الجهاز.
وكانت شركة “آبل” قد روَّجت للجهاز؛ باعتباره اختراعاً لجيل جديد من أجهزة الكمبيوتر، يقع بين أجهزة الكمبيوترات الدفترية والهواتف المحمولة الذكية. كما يتوقع المهتمون بصناعة أجهزة الكمبيوتر أن يفتح جهاز “Ipad” الآفاق أمام انتشار جيل جديد من أجهزة الكمبيوتر، لاسيَّما بعد أن كانت شركة مايكروسوفت العملاقة للبرمجيات قد فشلت في تسويق أول جهاز مماثل أنتجته عام 2001.
(2)
المؤسسات الصحفية العربية ؛ يتسم موقفها بالترقب لانتظار نتائج تجارب الصحف الغربية، أملاً في نجاح التجربة لتطبيقها ، وحتى يحين هذا الوقت يجب على مطوري مواقع الصحف العربية التفكير في جعل مواقعهم متوافقة مع أجهزة “آي باد”؛ لأن معظمها يعتمد – بشكل أو بآخر – على تقنية الفلاش غير المدعمة في أجهزة “آبل”، مما يسبب عدم إمكانية ظهورها على جهاز الـ”آي باد” بشكل مثالي ؛ لذا يجب البدء بتطوير مواقع هذه الصحف وفقاً لأحدث التقنيات البرمجية كالـ “HTML٥،CSS٣، و”JavaScript، بالإضافة لتوفير إصدارات خاصة لزوارها من مالكي “آي باد” و”آي فون”، نظراً لاختلاف أسلوب التصفح في “آي باد” و”آي فون” عنه في أجهزة الكمبيوتر المكتبية.
واذا كانت الصحف الخليجية المطبوعة، قد شهدت ازدهارا وطفرة كبيرة في التحرير والاخراج وتقنيات الطباعة والاحبار ونوعية الورق، وانعكس ذلك علي جذبها لسوق الاعلام ؛ فإنها الآن أمام محنة حقيقية؛ فقد أكد المشاركون من ممثلي الصحف الخليجية في ندوة (انعكاسات الأزمة المالية العالمية على الصحافة الخليجية) التي نظمها اتحاد الصحافة الخليجية على هامش المؤتمر العام الأول ً، التوجه العالمي اليوم إلى الصحافة الإلكترونية .. مؤكدين أنه حتى الصحف الورقية التي كونت لها على مدار عشر سنوات ماضية مواقع إلكترونية، “أصبحت اليوم تقف على (برزخ)، لا تستطيع أن تعود ثانية للورق أو الدخول ثانياة إلى (جنة) الصحافة الإلكترونية”.
كما خلص الخبراء خلال جلسات المؤتمر إلى أن الإعلام لم يعد “ورقة وقلماً” وشاشة تلفاز وإذاعة مسموعة، وقد يكون تأخر انتشار الثورة الرقمية في البلدان العربية أنقذ الصحافة المقروءة في المنطقة من الانهيار، الذي مُنيت به صحف عالمية في أوروبا وأمريكا – على سبيل المثال.
وتوقعوا مرور الصحف المطبوعة في الدول العربية بأزمة مالية مضاعفة، خلال السنوات العشر المقبلة، فضلاً عن خسارة أكثر من 50% من القراء، وعزوف المعلنين الذين سيفضلون الإعلان عبر الانترنت والهواتف النقالة، حيث قد تبلغ عائدات الإعلام الرقمي 50 مليار دولار في عام 2020.
(3)
ومؤخرا ؛ نظم المجلس الأعلى للصحافة بالقاهرة جلسة نقاش، مع جورج بروك، رئيس التحرير الأسبق لجريدة التايمز اللندنية، وعميد كلية الإعلام جامعة سيتى بلندن ؛ شارك فيها رؤساء تحرير الصحف القومية والحزبية والمستقلة ؛ وكان محور اللقاء: “مستقبل الصحافة فى العصر الرقمى” الذى أكد فيه بروك أهمية ظهور الإنترنت؛ الذى أنتج تحولات معلوماتية كبرى فى العالم نتج عنه التزاوج الخطير ما بين الإنترنت والموبايل؛ وهو ما ستكون له انعكاساته على الأوضاع الداخلية فى كل أنحاء العالم، وصعوبة تلاعب حكومات العالم فى الحقائق والمعلومات.
وأكد “بروك ” رفضه لما قامت به “التايمز” اللندنية مؤخرا،ً من فرض رسوم على قراء موقعها الإلكترونى، قائلاً : “أعتقد أن هذا أمر خاطئ وصعب فى الوقت، نفسه ولن يحقق ما تتمناه التايمز فى زيادة توزيع نسختها المطبوعة على حساب النسخة الإلكترونية ؛ علي الاقل في الوقت الحالي” .
وقال إنه أخطأ خطأ كبيرا عندما كان مسئولا عن جريدة “التايمز” في أواخر التسعينيات ؛ وهذا الخطأ هو أنه لم يدرك حجم وخطورة الزحف الإلكتروني علي الصحافة الورقية .. ولو عاد به الزمن لأخذ محرريه الموهوبين وسعي لتنمية قدراتهم لمواكبة هذا التطور المذهل .
مؤكدا ان اهم ميزة للتطورانه يجبر الناس للنظر الي مجموعة من الاسئلة المهمة في عصر المعلومات ؛ وأن الصحافة الورقية لن تلغي بسهولة فوجود وسيلة إعلامية لا يلغي أخري مثل وجود الصحافة لم يلغ التليفزيون .. كذلك التليفزيون لم يلغ الاذاعة .. لكن تتأثر الوسيلة الاعلامية بالاقبال الجماهيري في اخري من ناحية الجمهور المتلقي والمقبل عليها .. لكنه أكد حقيقة مهمة يراها بالنسبة لاوروبا وامريكا وهي انه لن تبدأ استثمارات جديدة في الصحف أو الاخبار ؛ لأنها غير مربحة بشكلها التقليدي .
وقال “جورج بروك “إنه من الآثار السلبية التي أثرت بها الصحافة الالكترونية في الورقية هو فقدان الاعلان خاصة الاعلانات الصغيرة التي اخذت في الاختفاء مفضلة الإلكتروني .
ولمواجهة التطور التقني الهائل، علينا أن نجرب ونجرب .. وان تكون لدينا امكانية المواكبة والتغيير والثقة الكاملة في النجاح .. ان الصحافة هي الصحافة كقيمة ومبدأ ومهنة .. فعليها أن تكون شاهد عيان تترجم الحقائق وتكشف النقاب عما هو مستتر .
وذكر أن هناك تطوراً؛ لكنه بطيء فى مجال الصحافة الإلكترونية فى دول العالم الثالث .
(4)
ومن المؤكد أن الصحافة الإلكترونية “المجانية” كانت سبباً في تراجع مبيعات الصحف الورقية في العالم أجمع، وبالتالي أصبح لابد من إيجاد بدائل لزيادة العائدات من جديد، لذا أدى ظهور الـ”آي باد” لتسابق الجميع في إبداء الآراء والتوقعات حول التغيير الذي سيحدثه في سوق النشر الإلكترونية .وتشهد سوق النشر الصحفية الإلكترونية في العالم حالة من الترقب مع طرح الجهاز المبتكر ؛ حيث تعلق الكثير من الصحف ودور النشر آمالهم على التغيير المتوقع في السوق اعتقاداً منهم بأن الـ “آي باد” يمثل فرصة حقيقية لجهاز غير تقليدي يعرض المحتوى الإلكتروني بشكل جيد مقابل المال، مما يعني وضع نهاية لعصر الصحافة الإلكترونية المجانية ؛ ودفع ذلك مؤسسة “نيوز إنترناشيونال” البريطانية، المالكة لصحيفتي “التايمز” و”الصنداي تايمز”، للإقدام على اتخاذ خطوة جريئة تجاه الحد من التصفح المجاني لمواقعها الإخبارية على الإنترنت، برغم اعترافها بأن تلك الخطوة تعد مغامرة، لكنْ لديهم أمل في تكرار سيناريو شركات صناعة الموسيقى، عندما بدأت سياسة تحميل الملفات الموسيقية مقابل اشتراكات، الأمر الذي أدى لانتعاشة تلك الصناعة مرة أخرى، بعد أن تضررت من التحميل المجاني للمقاطع الموسيقية، عبر مواقع الإنترنت.
واليوم أصبح من المألوف جداً تصفح مواقع الأخبار والصحف والمواقع الالكترونية، كل صباح عبر وسائط عديدة، كالهاتف الجوال والانترنت في المقاهي وأماكن العمل والباصات وغيرها، فهل تسارع هذه التقنيات في طيّ سجل الصحافة المطبوعة في القريب العاجل، وأن الـ Ipad والأجهزة المشابهة – والمتوقع ظهورها – ستكون مسماراً آخر في نعش الصحافة الورقية؟