في كتابه “الإعلام الناعم” يؤكد الكاتب الصحفي الدكتور خالد غازي أن وسائل الإعلام تؤثر في دعم القيم الاجتماعية والثقافية والتواصل والتعليم وتشكيل وعي المواطنين، ويحذر من أنه يمكن استخدامها للتضليل والتلاعب بالعقول والرأي العام. وأنه رغم مزايا التطور التكنولوجي فقد أصبح مصدر المعلومة في وضع خطر، فلا ندري مصدرها الصحيح، وكيف نتعامل معه. ويشدد على أن وسائل الإعلام تؤثر في تشكيل وتحديد الهوية الوطنية والعربية، وتتأثر بها.
فكيف نفهم أدوار الإعلام في المجتمع؟ وهل تغتال شبكات التواصل الاجتماعي المواطنة والهوية؟ وكيف تؤثر وسائل الإعلام في الحراك المجتمعي؟ وماذا عن الوظيفة التبادلية بين الإعلام التقليدي والجديد؟… أسئلة مهمة يجيب عنها.
يُعني الفصل الأول بتأكيد أن وسائل الإعلام تؤثر في الرأي العام والقيم الاجتماعية والثقافية، وأنّ الإعلام يتأثر بطبيعة المجتمع والدولة التي ينتمي إليها، ويعكس الجانب الثقافي والسياسي، ويلعب دورًا في وضع أجندة الاهتمامات العامة، والتركيز على قضايا أو أحداث أو أشخاص معينين.
ويحذر من أن الإعلام يمكن أن يستخدم للتضليل والتلاعب بالعقول والرأي العام، بواسطة المعلومات ضئيلة الأهمية، أو الاعتماد على المصادر الرسمية أو التسريبات الاستراتيجية، أو التركيز على الصراعات. ويؤكد أن الإعلام وسيلة للتواصل والتعليم والتأثير في الوعي والرأي العام، وليس للتضليل والتلاعب بالعقول. ونتوقف أمام سؤال مهم: كيف تؤثر وسائل الإعلام؟ وتأتي إجابة د. خالد غازي في كلمات واضحة: تلعب وسائل الإعلام دورًا مؤثرًا في تشكيل وعي المواطنين، والطريقة التي يدرك بواسطتها الأفراد الأمور، وترسم الصورة الذهنية لديهم عن الدول والمواقف والقضايا والأحداث.
ويبرز عدة متغيرات مؤثرة في فاعلية وسائل الإعلام، أهمها: البيئة، والوسيلة، والمحتوى، والجمهور، والتفاعل، والمدى الزمني لتأثير وسائل الإعلام، فضلا عن الاستثارة: وتعني الاستجابة السريعة من المتلقي.
أما أسلوب وضع الأجندة وترتيب الأولويات للتأثير في المتلقي فيخضع لعوامل تشمل: نوع الوسيلة المستخدمة، وطبيعة القضايا وأهميتها وتوقيت إثارتها، وأسلوب التأثير التراكمي طويل الأمد.
ويتناول الكتاب في فصله الثالث “الوظيفة التبادلية بين الإعلام التقليدي والجديد” فيشير إلى أنه مع التطور التكنولوجي أصبح مصدر المعلومة في وضع خطر، فلا ندري ما المصدر الصحيح، وكيف نتعامل معه.
ويبرز سمات الإعلام الجديد، وأهمها: أنه إعلام عابر للحدود واللغات والثقافات، والتكلفة القليلة، والسهولة والتفاعلية، واللاتزامنية، وتعدد مصادر المعلومات، والمشاركة الفعّالة للأفراد. والإعلام الجديد يستخدم التقنيات الحديثة، ويتأثر بالمجتمع. والشباب العربي يحتاج إلى الإعلام الجديد الذي يعكس واقعه وقضاياه ويساهم في تنميته، وليس الذي يغرقه في المعلومات الرديئة والتقليد ومحاكاة الثقافة الغربية.
إشكاليات الإعلام الجديد
ونصل مع الكتاب، في فصله الرابع، إلى “إشكاليات الإعلام الجديد” وأبرزها:
– إشكالية الهوية: ترتبط بالمؤثّرات الخارجيّة، إضافةً للتداول العلمي للثقافات والأفكار. واللغة هي العنصر الأساسي للهوية، وهي تصونها وتحيا بها.
– إشكالية الأمن المعلوماتي: وتكمن عناصره في المعلومات السريّة، وتوفر البيانات التكامليّة، وسلامة البيانات. وتشمل مهددات أمن المعلومات: هجوم تعطيل الخدمة، والفيروسات، وهجوم القرصنة الكاملة.
– إشكالية الأمن القومي: تحت مظلة الإعلام الجديد تسقط الجدران الأمنية، وتتلاشى الحدود الفاصلة، وتصبح المعلومات متاحة مع عدم القدرة على معرفة منبعها الأصلي.
– إشكالية الوعي المجتمعي: ويشمل الوعي الثقافي والديني والاقتصادي والسياسي والقانوني والأخلاقي والوعي الصحي. ويتميز بالقابلية للتطور والتجديد، والشمولية، والتنوع، وغيرها.
تشكيل الوعي والثقافة
وحول علاقة “الإعلام الاجتماعي” والرأي العام؛ يبرز الكتاب في فصله الخامس أن الإعلام الاجتماعي أحد أشكال “الإعلام البديل” الذي يتناقض مع “الإعلام التقليدي” الذي يخضع للرقابة والتشريعات ويستخدم تكنولوجيا مادية تنقل المعلومات ببطء وصعوبة.
ويلفت إلى أن المجتمع الافتراضي مجموعة من الأشخاص الذين يتواصلون عبر الإنترنت بناء على اهتمامات مشتركة دون الالتزام بالجغرافيا أو الهوية التقليدية، ويمثلون فرصة للتعارف والتحاور في جو من التسامح والاحترام المتبادل. والمجتمع الافتراضي يؤثر في تشكيل الوعي والثقافة والقيم ويمنح المستخدمين حرية التعبير والتمرد والثورة على الأنظمة السياسية والاجتماعية.
تعزيز المواطنة والهوية
ويطرح د. خالد غازي تساؤلا مهما في الفصل السادس من كتابه: هل تغتال شبكات التواصل الاجتماعي المواطنة والهوية؟
ويجيب بقوله: تلعب شبكات التواصل الاجتماعي دورًا في تعزيز المواطنة والانتماء والهوية الوطنية من خلال: احترام التعددية والآخر والولاء والوطنية، وترسيخ القيم والعادات الإيجابية للثقافة العربية، وتزويد الأفراد بالمعلومات عن تاريخهم وحضارتهم وانتمائهم، وتشجيع حوار الثقافات والحضارات، والتمسك بالهوية العربية.
ويشدد الكاتب على أن المواطنة علاقة قانونية وأخلاقية بين الفرد ودولته، وتشمل حقوقه وواجباته، وتقوم على الحب والولاء والانتماء للوطن. والمواطنة الرقمية ممارسة لحقوق المواطنة في المجتمع الافتراضي، وتتزاوج بين المواطنة المقننة والمواطنة الحرة، وتتأثر بالتكنولوجيا والإعلام والثقافة. ولا شك في أن وسائل الإعلام تؤثر في تشكيل وتحديد الهوية الوطنية، وتتأثر بها.
الإعلام والحراك الاجتماعي
ويخصص الكتاب فصله السابع للإجابة عن هذا التساؤل: كيف تؤثر وسائل الإعلام في الحراك المجتمعي؟
يقول د. خالد غازي: الحراك الاجتماعي هو تنقل وتغير الأفراد بين طبقات السلم الاجتماعي، وتحول الحالة الاجتماعية للفرد من حالة إلى أخرى. وهو يتأثر بالخلفية الاجتماعية، والعرق، والإنجاز التعليمي والمهني، والمعرفي. ويمكن أن يحدث في مجتمعات مفتوحة أو مغلقة، ويعتمد ذلك على مدى التطور والسماح بالتنقل بين الطبقات المجتمعية.
والحراك السياسي جزء من الحراك الاجتماعي، الذي يهدف إلى التغيير أو الانتقال في المواقف والرؤى والتحالفات السياسية، ويتميز بالتفاعل حول قضايا مهمة في المجتمع.
ونصل مع الكاتب إلى الفصل الثامن الذي يجيب عن تساؤل مهم: كيف استطاع الإعلام الاجتماعي أن يغير؟
وتأتي إجابة الكاتب واضحة: إنه وفّر للجمهور ما لم توفره التقنيات السابقة، كما أن للفيسبوك مميزات عديدة، تشمل: الاتصال السريع، وقلة التكلفة، وسهولة الاستخدام، وتعدد اللغات، والحضور الدائم، والعالمية، والقدرة على التعبئة.
ومواقع التواصل الاجتماعي جزء من “الإعلام البديل”. وهناك دراسات علمية تبحث في تأثير التكنولوجيا على المجتمع والسياسة. ومواقع التواصل الاجتماعي تساعد على رفع الوعي وتقبل الاختلاف ومقاومة الظلم.
مراعاة المصالح المشتركة
وينصح الكاتب في الفصل التاسع بمراعاة المصالح المشتركة بين وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني، وتأمين التغطية الإعلامية للنشاطات والتحركات التي تقوم بها، والتركيز على مضمون الرسالة وإيصالها، والاعتراف بالعلاقة التكاملية بين الإعلام والمجتمع المدني.
ويلفت إلى أن وسائل الإعلام هي مرآة المجتمع، وتتأثر بمستوى الديمقراطية والحرية والتنوع. والمجتمع المدني هو القوة التي تسعى إلى تحقيق المساواة والعدالة والمشاركة، وتحتاج إلى وسائل إعلام قوية لنقل رسالتها وتوعية الجمهور. ويلفت إلى أن المجتمع المدني يجب أن ينظر إلى الإعلام كوسيلة للتربية والتثقيف والتأثير، كما يجب أن تهتم وسائل الإعلام بتغطية القضايا التي تثيرها منظمات المجتمع المدني.
ويختتم د. خالد غازي كتابه بالتحذير من استراتيجيات الإعلام للتلاعب بالعقول، وتشمل: الإلهاء والتسلية، واختراع الأزمات، والتدرّج في التطبيق، والتأجيل، ومخاطبة الجمهور على أنّهم قصّر، ومخاطبة العاطفة بدل العقل، وإغراق الجمهور في الجهل، وتشجيعه على استحسان الرداءة، وتحويل مشاعر التمرّد إلى شعور بالذّنب.
سارة الدسوقي
Reviews are disabled, but trackbacks and pingbacks are open.