د.خالد محمد غازي
(1)
“المعارضة السياسية” يقصد بها كمفهوم أنها جماعات سياسية وقوى حزبية تمتلك برنامجا محددا يهدف بالأساس إلى الوصول للسلطة، تفاعلا مع مطالب شعبية وجماهيرية ؛ وتمتلك الأدوات التي تمكنها من تحقيق هذا الهدف.
واذا طبقنا هذا المعنى في مصر.. نجد أن المعارضة بكافة أطيافها تدور في دائرة مفرغة حددتها لها الحكومة، وتأبى أن تتعداها لأفق أوسع ، بشكل قد يدفعها للعمل على كسب شرعية مجتمعية تصب في مصلحة المواطن.. وبالتالي فهي فاقدة التأثير في السلطة السياسية المركزية الحاكمة ؛ والتي أضعفت أي قوة سياسية فعالة مناوئة لها ، بحيث بدت المعارضة كأنها انتقاص من هيبة الدولة وليس نظامها السياسي فحسب. وبغض النظر – عن رأينا هذا – يظل الواقع القائم هو الاساس لأي رأي او اجتهاد.
(2)
ومن وجهة نظر قانونيون أنه ” عبر تاريخ مصر الحديث الذي بدأ قبل نحو 200 عام، بدا أن هناك ميلا – فطريا- نحو احترام القانون وسيادته على الجميع، خاصة من قبل من هم خارج السلطة، وذلك إلى الدرجة التي قد تؤدي إلى اختفاء أي صوت معارض، وكثيرا ما استغل النظام السياسي هذه الفكرة إبان الستينيات والسبعينيات، لتوريط المعارضة في فكرة عدم الولاء الوطني والعمالة للخارج” .
ان مصر من أولى البلدان العربية التي تجذر فيها مفهوم المعارضة السياسة ؛ فقد ارتبط ذلك بمقاومة الاحتلال، لكن الفكرة – الاخطر – أن المعارضة الحزبية الان لا تلقى قبولا كبيرا لدى قطاعات كبيرة من ممثلي المعارضة أنفسهم ، وليس أدل على ذلك من وجود الانشقاقات داخل الحزب الواحد وتفرعه لأحزاب وقوى – قد تكون متضاربة في توجهاتها – ليس لعدم اقتناعهم بجدوى المعارضة بقدر ما هو متداخل مع فكرة أحادية الرأي، فبرامج المعارضة أغلبها لا تطرح بديلا للتعايش بقدر ما تحاول الاستئثار بالسلطة؛ بمعني السعي لتكرار تجربة النظام القائم في التفرد بالقرار وعدم السماح بظهور كل ما هو مخالف، أي إما المعارضة أو النظام. لذلك يبدو غريبا أن تتسم المعارضة السياسية في مصر بهذا الضعف والتخاذل وانعدام البرامج الحقيقية علي ارض الواقع .بداية نشأة الأحزاب فى مصر – كما ورد فى الموسوعة المصرية على الشبكة الدولية للمعلومات “الإنترنت” – تعود لعام 1907، حيث قام الزعيم مصطفى كامل بتأسيس الحزب الوطني “الثاني”، ثم كان مثل: حزب الأمة، لأحمد لطفي السيد، ومن بعده حزب ” الوفد”، ثم توالى بعد ذلك تكوين عشرات الأحزاب الصغيرة، ومن هذه أحزاب: حزب “الإصلاح”، والنبلاء، والدستوري، وحزبا (الوطني الحر، والمصري)، كما كانت أحزاب الكتلة السعدية، والأحرار الدستوريون، وغيرها من الأحزاب المنشقة عن حزب الوفد.
ثم كانت مرحلة جديدة من الحياة الحزبية بعد قيام ثورة يوليو، وإصدار قرار حل الأحزاب في 16 يناير عام 1953، وتبعتها المرحلة التي نعيش أحداثها وتطوراتها، والتي توصف بمرحلة العودة إلى التعددية؛ حيث حاول الرئيس السادات أن يتحول من سياسة الحزب الواحد إلى الانفتاح السياسي والتعدد الحزبي.
لقد أصدر الرئيس أنور السادات في أغسطس عام 1974، ورقة تطوير الاتحاد الاشتراكي، والتي دعا فيها إلى إعادة النظر في تنظيمه وهدفه، وفي يوليو عقد المؤتمر القومي العام الثالث للاتحاد الاشتراكي، وخلص إلى رفض التعدد الحزبي، ووافق على تعدد الاتجاهات داخل الحزب الواحد، فيما أطلق عليه بعد ذلك اسم “المنابر”، والتي وصل عددها إلى 40 منبرا.
وفي مارس عام 1976، تمت الموافقة على تأسيس ثلاثة منابر، تمثل: اليمين “الأحرار الاشتراكيين”، واليسار “التجمع الوطني الوحدوي”، والوسط “تنظيم مصر العربي الاشتراكي”، ثم صدر قرار آخر في نوفمبر 1976 بتحويل هذه المنابر إلى أحزاب سياسية.. وفي يونيو 1977 صدر قانون تنظيم الأحزاب، والذي يقضي بالتحول إلى النظام التعددي مع عدم إلغاء الاتحاد الاشتراكي، الذي أعطيت له الكثير من الصلاحيات، ومنها: حق الموافقة على تأسيس الأحزاب الجديدة، عبر المادة السابعة من قانون الأحزاب، فيما قبل تعديل 1981.
ثم اتبع الرئيس السادات هذه الخطوات بتأسيس حزب جديد أطلق عليه الحزب الوطني الديمقراطي، ودعا من خلاله أعضاء حزب مصر الاشتراكي إلى الانضمام إليه وتوليه رئاسته .. كما أجرى الرئيس أنور السادات عام 1981، تعديلًا في قانون الأحزاب، يسمح للجنة شئون الأحزاب بحق الموافقة على طلبات تأسيس أحزاب جديدة دون غيرها.
ويُشترط لتكوين أي حزب: توفر شرط التميز، الذي يعني ضرورة أن يتضمن برنامج الحزب المتقدم ما يختلف عما تتضمنه برامج الأحزاب الموجودة، وتلتزم في مبادئها وأهدافها وبرامجها وسياساتها، مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومبادئ ثورتي يوليو 52 ومايو 1971، ومقتضيات الحفاظ على النظام الاشتراكي والديمقراطي والمكاسب الاشتراكية، ويحظر إقامة أحزاب على أسس طبقية أو دينية أو على إعادة الحياة للأحزاب السياسية التي تعرضت للحل عام 1952.
هذه البداية التى تختلف بالضرورة عن واقعها الذى تعيشه الآن؛ حيث لم تعد هناك قوة، سوي للحزب الحاكم الان .
(3)
ان الركود والجمود الحركي وعدم تنفيذ أي حزب لبرنامجه أوقع الاحزاب ضحية لضغوط السلطة وجعلها تتهافت علي منحها وعطاياها.. علي المناصب والتعيينات في مجلسي الشعب والشوري .. كذلك فان الأحزاب الموجودة على الساحة صدرت بقرار إداري من الدولة – أي من السلطة الحاكمة- و يمكن إعتباره نوعا من الرضا والمن الحكومي, فكيف يمكن لحزب يسعى لنيل رضا الحكومة أن يقوم بمعارضتها.
وأصبحت معارضة الاحزاب مجرد أصوات وضجيج وهتافات لا تجد من يسمعها واذا سمعهم أحد لا يجد من يصدقهم .. وبالتالي صارت المطالبات بالاصلاح مجرد اصوات تصدر من بوق مفتعل .. لان الممارسة الحزبية أصبحت متأنسة .. والعبرة ليست بالوجود بل بالفعالية والقدرة التعبوية لأفكار ومشروعات اصلاحية تحظي بالدعم الجماهيري والتأييد الشعبي .
وكشفت أكثر من دراسة ميدانية وأكاديمية حديثة عن ترهل الاحزاب السياسية المصرية, وأنها أقرب إلى “الديكور السياسي”, وأن 85 % من أحزاب المعارضة ليس لديها مشروعات اجتماعية, و100 % منها لا يمتلك ما يمكن أن نطلق عليه حكومة الظل بحيث يكون لديها تشكيل وزارة ذات كفاءة تعتمد عليها إذا ما وصلت إلى السلطة, كما أنها لا تسعى بجدية لتداوله السلطة وهي معزولة عن الجماهير.
و أن 58 % من الأحزاب ورقية لا تعدو كونها ديكورا سياسيا وان 45 % منها لعبت دور المحلل في الانتخابات الرئاسية الأخيرة,وهو ما كشفته أيضا نتائج الانتخابات الأخيرة التي أجريت عام 2000، التي لم يتعد نصيب أي حزب من هذه الأحزاب فيها عشرة مقاعد من أصل 455 مقعدا في البرلمان ؛ واكثر من
50% من الأحزاب هي أحزاب عائلية, و95 % منها تضيع الوقت في مشاكلها وصراعاتها الداخلية وأن 90 % من كوادر هذه الأحزاب تسعى لشغل مواقع حزبية من أجل الوجاهة الاجتماعية.
ويدعم وجهة النظر تلك ماقاله د.مفيد شهاب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية بأن أحزاب المعارضة ليس لها وجود فعلي, مؤكدا أنه لا توجد تعددية حزبية حقيقية في مصر.
بعض الحزبيين يرون أن اخفاق أحزاب المعارضة في التجربة الحزبية يرجع إلى مجموعة من القيود المفروضة, وقانون الأحزاب الذي يمنع الالتحام بالجماهير, إلى جانب انشغال غالبية الشعب بالبحث عن لقمة العيش بعيدا عن أحزاب المعارضة.
كما أن الممارسة الحزبية تعاني تضييقا وحصارا مفروضا عليها من خلال قانون الأحزاب الذي يحوي نصوصا جائرة تمنع الأحزاب من ممارسة العمل السياسي داخل المؤسسات الصناعية والجامعات وهو ما يحرم المجتمع من الشباب المؤهل لقيادته سياسيا .
(4)
وفى أغلب الظن أن العلاقة بين الحكومة وحزبها الحاكم والمعارضة ستظل هكذا على الأقل خلال المستقبل القريب، إلى حين الانتهاء من موقعة انتخابات مجلس الشعب لعام 2010، والتى من المتوقع أن تكون المعركة فيها شرسة جداً، خاصة على ذكر جماعة الإخوان المسلمين، ومن غير المتوقع أن يحدث بها أي تغيير مادامت المعارضة السياسية فى كهفها راضية طالما هي غائبة ومغيبة عن أي مشروع سياسي أو اصلاحي مجتمعي .