الإخوان المسلمين ومسئولية حل البرلمان

 

  د. خالد غازي 

” ديمقراطية مصر هشة” صدقت على ذلك جماعة الإخوان المسلمين عقب اعتراضها على قرار المحكمة الدستورية العليا التى قضت بحل مجلس الشعب، ويقول برنارد شو ” إن كل حدث – أين كان- مبرر فهو صحيح”.. إذن ما يفتقد المبرر ليس جديرا بالتفكير أو الاهتمام.

 

(1)

الإساءة للقضاء هي إساءة للوطن والشعب، فمن الضرورى احترام القضاء وعدم المساس بحرمته، فمن يمتهن حرمة القضاء، فقد أسقط حق نفسه فى التمتع بحقوقه فى المساواة والعدل، وضمان ممارسة حقوقه وحريته ؛ فحالة الشد والجذب المحتدمة بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس العسكرى منذ إعلان المحكمة الدستورية العليا قرارها ببطلان مجلس الشعب ليس له مبرر على الاطلاق، باعتبار أن الجماعة هى صاحبة الأغلبية، فكان لزاماً عليها احترام كلمة القضاء حتى لا تثار حالة من الصراع والجدل العقيم والخنق السياسي في الشارع المتأجج.

ويعتبر ماقامت به الجماعة من رد فعل تحدٍ صريح وواضح تجاه عدم احترام حكم المحكمة الدستورية العليا ؛ بسبب عدم دستورية بعض المواد التى جرى على أساسها الإنتخابات بما يتناقض مع الإعلان الدستورى، وجاء الرفض الإخوانى بأن إستفتاء مارس الماضى لم يعطى الحق لأى جهة فى الدولة بحل المجلس المنتخب الذى جاء باستفتاءِ شعبى، مطالبين بتدخل محكمة النقض المختصة بالفصل فى صحة العضوية لأنه إعتداء على حقها القانونى.

وقد علق رئيس المجلس د. الكتاتنى بأن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا الخاص بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب الخاصة بالترشح على المقاعد الفردية، شهد تأويلات عديدة من فقهاء القانون الدستورى، وأن الإعلان الدستورى الصادر فى مارس الماضى خلا من أى مادة صريحة تمنح أى جهة فى الدولة سلطة حل البرلمان، لأنه هيئة منتخبة بإرادة شعبية، وبالتالى فإنه لا يجوز لأى جهة اتخاذ قرار بحله ؛ إلا بعد استفتاء شعبى، مؤكداً بأن المجلس لن يستسلم لحكم الدستورية العليا !

 

(2)

وقال نواب برلمانيون آخرون إن محكمة النقض وحدها صاحبة الحق فى الفصل بعضوية نواب البرلمان، وأن الدستورية قامت بدورها فى نظر الدعوى، ويبقى للنقض النظر فى صحة العضوية، خاصة أن هناك بعض الأعضاء المرشحين على مقاعد فردية حزبية وبعضها مستقلة، وأن الحكم واجب النفاذ بحل ثلث البرلمان فقط، ولن يترك للنواب حقهم فى سلب إرادتهم والإمتثال لحكم الدستورية، لأن المجلس سيد قراره وليس القضاء هو سيد قرار المجلس، وكذا أن الأحكام الصادرة من المحكمة الدستورية العليا لابد أن نحترمها ؛ ولكن حين تحكم بما ليس من حقها فهو تحدٍ صريح للشعب، لأن حقها فقط فى مناقشة القوانين ونظر مدى دستوريتها وليس الحكم بحل البرلمان وإبطال ثلث مقاعد مجلس الشعب، وأن القرار لا يقع ضمن الصلاحيات الدستورية للمجلس العسكري، وعلى ذلك اعتبر البعض قرار العسكرى بحل المجلس محاولة منه للصعود على أعناق الديمقراطية التى خرج إليها الشعب فى ثورة الخامس والعشرين من يناير ، ثم إقامة نظام جديد قائم على رغبة الشعب فى الانتقال الديمقراطى للسلطة بإجراء إنتخابات تشريعة لمجلسى الشعب والشورى نزيهه  شارك فيها الشعب مشاركة حقيقية لأول مرة  ،مؤكدين أن إصرار العسكرى على حل البرلمان ينذر بثورة جديدة عليه وإنقلاب عسكرى وشيك لامحال من حدوثه فى ظل محاولته تشويه صورة البرلمان والنواب .

 

(3)

ان كل هذا اللغط والجدل لم يكن منتظرا من جماعة الإخوان المسلمين وذراعها السياسية حزب “الحرية والعدالة ” فمن الضرورى أن يتسم سلوكها في الرأي والتعبير بالتحضر والرقي ؛ فسيادة القانون تعني احترام أحكام القضاء والنزول علي مقتضاها ، وبالتالي بحقوق الإنسان الرئيسية، وهو أمر مهم فى هذه المرحلة ؛ ونحن نرسخ دولة القانون وحكم الدستورية، لكن الحكم فى كل الأحوال لن يؤثر على قرارات وقوانين المجلس التى اتخذها قبل الحكم،  فالخروج من الأزمة الحالية، هو احترام أحكام القضاء ؛ خاصة أن مسألة التعليق على الأحكام القضائية يجرمها القانون، و التعليق على الأحكام فى مجالين فقط، الأول: عند الطعن فى الحكم، والثانى فى الدراسة القانونية ؛ سواء كان بحثا قانونيا أو مجلة علمية قانونية لإثراء الدراسات العلمية القانونية، وإن كل ما يمكن فعله فى حالة الأحكام القضائية الصادرة عن القضاء هى شرح الأحكام وتوضيحها لمن يجهل كيف صدر الحكم بهذا الشكل ؟ ويعتبر ما حدث من حل البرلمان وإعلان قانون العزل السياسي غير دستوري ليس “انقلابا” وانما نتيجة طبيعية للمواجهة السياسية في المجتمع المصري.

 

(4)

المسئول عن بطلان مجلس الشعب هى الأحزاب السياسية ؛ خاصة حزب “الحرية والعدالة ” الذراع السياسي للجماعة، وسبب تعنتهم على الترشح على المقاعد الفردية ؛ علما بأن المادة الخامسة من الدستور لا تجيز ترشح الحزبيين على المقاعد الفردية، مما يؤدي إلي خلل فى مبدأ تكافؤ الفرص ؛ وكان الحل القانوني هو حل مجلس الشعب كاملا، لكن ما يقال عن أن المجلس العسكرى هو من خطط لحل مجلس الشعب وغيرها من الأمور الأخرى هى عارية تماما من الصحة ؛ وهي نوع من الداعية المضادة لـ ” العسكري ” الذي حمي الثورة وانحاز لها وحقن الدماء من أن تسيل.

جماعة “الإخوان المسلمين” لهم الحق كفصيل سياسي فى الدخول إلى الساحة السياسية وهو حق شرعى ومطلوب ؛ ولكن هذا الحق مرتبط بالرأى الآخر ويجب الحرص عليه ، ولا يصح أن يستحوذوا على كل سلطات البلاد، و جاءت لهم فرصة ذهبية للم الشمل مع جميع القوى السياسية ولكن حساباتهم السياسية الضيفة هى من جاءت بالأخطاء التى وقعوا فيها، ولا يصح أن نرى تحول الأكثرية التى حصل عليه الجماعة فى  مجلس الشعب إلى انتقام من كل شئ من الشرطة والجيش والقضاء على حد سواء . فحزب “الحرية والعدالة ” هو المسئول الأول عن الكثير من الأخطاء ؛ من واقع أنهم حزب الأغلبية المنوط به قيادة الحياة السياسية ، منتقدا قانون العزل التى تم تفصيله من أجل اللواء عمر سليمان، ثم تم تفصيله على مقاس الفريق شفيق، رغم التحذيرات الكثيرة بعدم دستورية قانون العزل ؛ فالجو العام للمارسة السياسية غير صحى ؛ نتيجة الأزمات التى نعايشها والتى نصنعها بأيدينا، فهناك حالة من الاستنفار ضد بعضنا البعض، هناك محاولة للقفز على الواقع دون إدراك الجزء المتكامل وتغييب الآخر ؛ فلا يمكن تبرير أفعال جماعة الإخوان المسلمين، وأن هذه الأفعال تأتى فى إطار الإحباطات الكثيرة التى واجهتهم من قبل ، والتضييق على مكتسبات الثورة، خاصة بعد رفض العسكرى تكليف حزب “الحرية والعدالة ” بتشكيل الحكومة، حيث أن الإخوان هم من جاءوا بحكومة الجنزورى ودعموها فى بادئ الأمر، وأن الجماعة عرضت على الجنزورى أن يأتى مرشحا للرئاسة وأن يأتى بالمهندس خيرت الشاطر كرئيس للحكومة .. الأمر الذى رفضه الجنزورى، وبعد انقضاء شهر العسل بين حكومة الجنزورى وحزب الحرية والعدالة، طالبوا بإقالة الحكومة، ثم طالبوا بتعديلها، وبعد تعديلها قاموا بمقاطعتها!