الاعلام المصري.. مضمون متكرر بروح الثورة

 

   د. خالد غازي   

سقط نظام الرئيس حسني مبارك؛ فسقطت معه كل الأحكام العرفية التي كان يفرضها على وسائل الاعلام من خلال الأجهزة الأمنية في دولته البوليسية التي صنعها على مدار ثلاثين عاما؛ هي فترة حكمه.

 

(1)

وما يلاحظ على أداء وسائل الاعلام في مصر خلال الفترة الراهنة يبرهن على مدى حرية الرأي التي صارت في المجتمع، باعتبارها حالة غير مسبوقة من السيولة والانفتاح، فعقب مرور عام كامل على ثورة الخامس والعشرين من يناير، شهد الإعلام طفرة نوعية من حيث الكم، حيث انطلقت عشرات من الفضائيات برؤوس أموال خاصة، وكذا العديد من الصحف الورقية والإلكترونية ومزيد من المواقع الاخبارية على شبكة الإنترنت، ومن حيث الكيف كان لافتا أيضا تغيير محتوى ما يقدم في هذه الوسائل بما يتلاءم مع مرحلة الجديدة ما بعد الثورة، والالتفاف حول الأحداث الداخلية لمصر كحالة إعلامية خاصة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والثقافية؛ فظهور هذا الكم – لاسيما القنوات الفضائية – بما صاحبها من تطور نوعي في المضمون الذي تقدمه، ظاهرة طبيعية جاءت مصاحبة لحالة الاختلاف والتغير الجذري الذي تشهده البلاد في هذه الفترة المهمة من تاريخها، عقب خروجها من حالة الكبت والتضييق الإعلامي الشديد الذي كان يمارس في كنف النظام السابق، إضافةً إلى تنوع وتعدد القضايا المطروحة؛ بل المشتعلة والتي تعني كل فرد في المجتمع المصري؛ واهتماماته التي اختلفت، مع ظهور أدوات إعلامية جديدة يتم استخدامها على غرار مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيس بوك” و”تويتر”، وكذلك الارتكاز على الجمهور العادي؛ باعتباره حجر الزاوية في كل الأحداث.

 

(2)

وتعتبر كثافة الوسائل الإعلامية، وتعدد أشكالها وسرعة وتيرتها ما بين افتتاح فضائيات وميلاد صحف جديدة، لا يعني أن كل هذا الكم سوف يستمر، قد يتوارى الكثير منه؛ سواء عن طريق المتلقين أنفسهم بتجاهلهم لبعض الوسائل ومن ثم فشلها، أو بسبب التكاليف المالية الباهظة التي تتكبدها مثل هذه المؤسسات والتي قد لا تصمد أمامها كثيرا، أو عن طريق النظام السياسي الجديد الذي سيحكم مصر في الفترة القادمة والقوانين التي ستسير عليها، والذي لم تتشكل ملامحه بعد. ونظراً لتلك العوامل في كمها وكيفها؛ تواجه تلك القنوات الاعلامية (فضائيات – صحف)، تهمة التحريض الجماهيري واشعال فتيل الازمات والنفخ في الرماد – أحيانا – لاسيما بعد أحداث استاد بورسعيد والذي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة وسبعين ضحية، وكانت الدوائر الرسمية قد طالبت – مؤخراً – من وزارة الاعلام أن تتبني مشروع قانون جديد لتنظيم العمل الإعلامي يتضمن إنشاء مجلس وطني للإعلام وتنظيم البث المرئي والمسموع، وقد تم مناقشته خلال اجتماعات لجنة الثقافة والإعلام والسياحة بمجلس الشعب (البرلمان)، الذين أكدوا على ضرورة أن تتبنى الحكومة والمجلس وقف فوضى الفضائيات؛ لاسيما أن الفضائيات المصرية قد شهدت مؤخراً ظهور العديد من القنوات الإخبارية والمتنوعة حملت معظمها أسماء تعبر عن الحالة الثورية الجدية التي تسود مصر، ومنها قناة “25 يناير” التي تعد أول قناة فضائية تنطلق بعد الثورة، وهي قناة إخبارية متنوعة، وقناة “التحرير” التي ترفع شعار “الشعب يريد تحرير العقول”، وقنوات “النهار”، “سي بي سي”، “مودرن حرية”، “روتانا مصرية”، “المصراوية”، “مصر الحرة”، “المصري”، “الصعيدي”، والعشرات من قنوات المنوعات، مثل قناة “رمضان” التي سيطلقها رجل الأعمال نجيب ساويرس خلال شهر رمضان المقبل.

عين أخرى على هذا المشهد؛ حيث نجد ان الممارسة الإعلامية في مصر لا يوجد بها جديد بعد ربيع الثورة، ويمكن ملاحظة ذلك في نشرات الأخبار؛ فهي مثل ما كانت عليه قبل الثورة، بها الشخصيات ذاتها التي كانت تستعدي الجماهير ضد الثورة”، التي تم إيقافها عن قراءة نشرات الأخبار بالتليفزيون؛ بسبب انتقادها لأداء المجلس الاعلى للقوات المسلحة لادارة البلاد واستخدامها لهجة بطعم الثورة في البرامج التي تقدمها، فكثير من العاملين في التلفزيون كانوا أعضاء في الحزب الوطني المنحل (الحاكم سابقا) وروجوا للنظام السابق، فالتلفزيون يحاول يسعى جاهدا لاسترجاع العصر القديم، بأقنعة زائفة ومستعارة، تلعب على وتر الثورة وهموم الناس.

 

(3)

القنوات الفضائية الوليدة بات فيها نوع من الاجترار الجديد؛ من خلال السهرات الكلامية التقليدية، حيث الضيوف أنفسهم على القنوات كافة؛ حتى في الصحف نفس الخبراء والمحلليين كأنهم ينتقلون كالبارشورت من هنا إلى هناك، ناهيك عن أن الاحاديث نفسها والافكار ذاتها دون تغيير، كأنهم تفرقوا وكأنهم قسموا أنفسهم على عدد من القنوات، وكأن عددهم محدود ولا يوجد تنوع، فالأسلوب التلغرافي مفقود في الإعلام المصري في نقل الأحداث مثل وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، خاصة أن مشكلة الإعلام المرئي الملل منه سريع جدا، وإن لم يحدث فيه تجديد باستمرار سوف يهبط مستواه، وينصرف عنه الجمهور، ولا أحد ينكر أن مستقبل هذه القنوات يتوقف على الجانب المالي ومصادر التمويل لهذه المؤسسات التي اصبحت كبرى في أوقات قصيرة جدا؛ نتيجة الضخ المالي الكبير الذي يتجاوز أية توقعات، وتكاليف من مذيعين ومعدين ومنفذين ومخرجين وكذلك للضيوف والتصوير الخارجي والاستديوهات، بدليل ان الكثير من القنوات التي ظهرت بعد الثورة المصرية بين غمضة عين وانتباهتها باتت شبكة كاملة، اذن نستطيع القول انه إذا كانت الناحية المادية متوافرة، ستواصل هذه القنوات عملها حتى وإن كانت خاسرة، لأنه من المعلوم أن كل القنوات الموجودة حاليا في مصر تخسر، كحال معظم التلفزيونات العربية والعالمية، بفعل الاضطرابات التي يشهدها العالم، وكذلك استحواذ الانترنت على نصيب ليس بالقليل من الاعلانات التجارية في الفترات الاخيرة، وبالتالي فإن الاستمرار ليس له علاقة بالمكسب والخسارة وإنما مرتبط بالأجندة السياسية، خاصة أن الحراك الإعلامي الذي تشهده مصر على اتساع دوائرها وقنواتها الاتصالية، يبدو بمعزل عن التلفزيون الرسمي، حيث أن الثورة لم تصل بعد إلى الإعلام الرسمي، وأن التلفزيون الحكومي والصحف القومية على الرغم من المحاولات التي حدثت فيها بعد سقوط النظام وعملية التغيير والتبديل، وعلى الرغم من عودة عدد من الضيوف الممنوعين إلى صفحاتها ومنابرها، مثل د. محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والعالم د. أحمد زويل، وحمدي قنديل والكثير من الكتاب والاعلامين والصحفيين، فيعتبر هذا الإعلام ما زال جزءا من الماضي، ومعنى ذلك أن الكثرة ليست دليلا على الازدهار والنجاح، وإنما هي رد فعل، وتبقى العبرة في النهاية بمحتوى ما يقدم، وهل يحمل مضمونا وقيما تتفاعل مع روح ثورة الخامس والعشرين من يناير، أم أنه مضمون متكرر ومنتج سلفا، يغلف نفسه بروح الثورة؟