الصحافة الإلكترونية .. قراءة مستقبلية في جامعة السلطان قابوس

 

خاص   

قدم الدكتور خالد غازي رئيس تحرير وكالة الصحافة العربية محاضرة، ولقاء بجامعة السلطان قابوس بالتعاون مع مجموعة الإبداع الإعلامي، بعنوان “الصحافة الإلكترونية .. قراءة مستقبلية” بحضور رئيس تحرير جريدة الشبيبة أحمد بن عيسى الزدجالي، وعدد من أعضاء هيئة التدريس بقسم الإعلام. وادار اللقاء والمناقشات الدكتور أنور الرواس. في البداية قدم د. الرواس اللقاء بقوله: ضيفنا اليوم هو د. خالد غازي أحد المهتمين بشأن الصحافة الإلكترونية ومواكبتها للعالمية. وتناول في أبحاثه ومقالاته سمات ومصاعب هذا النوع من الصحافة والذي ظهر ونما في ظل التطور التكنولوجي واستفادة الإعلام العالمي والعربي من واقع هذا التطور. وقدم خالد غازي للمكتبة الأكاديمية والعربية رسالته للدكتوراة التي تناولت “الصحافة الإلكترونية العربية: الالتزام والانفلات في الخطاب والعرض”. وكانت رائدة في موضوعها. لقد استثمر خبراته كصحفي ممارس للعمل الصحفي في الدراسة الأكاديمية. وقد قدم العديد من الكتب والمؤلفات الهامة.

وأضاف الرواس: لقد شهدت الصحافة في نهاية القرن العشرين وأوائل القرن الحالي ثورة، تمثلت في نظم الاتصالات الرقمية واستخدام الإنترنت الذي يعد واحداً من أهم الإنجازات التي وصل إليها الإنسان في مجال الاتصالات، وانعكس هذا التطور بطبيعة الحال على الصحافة كمفهوم ووظيفة، مما استدعى إعادة هيكلة وبناء الأنماط الأساسية للصحافة بدلاً من الأنماط المتعارف عليها لعقود مضت، فتكنولوجيا الاتصالات الإلكترونية الحديثة فتحت الباب على مصراعيه لنقل المعلومات والبيانات والأخبار والصور نقلاً حراً يجتاز المسافات والأزمنة، ويوفر الجهد والمال، فأصبح العالم بين يديك وأنت جالس أمام جهاز الكمبيوتر. إن العالم أصبح قرية إلكترونية بفضل وسائل الاتصال الحديثة، وإن الأجهزة الإلكترونية تسيطر على حياة الشعوب وتؤثر على أفكارها ومؤسساتها.. وضيفنا اليوم يتحدث عن الصحافة الإلكترونية وسماتها والتحديات التي تواجه الصحافة العربية. ثم نفتح بعد ذلك المجال للمداخلات والمناقشات.

 

ثورة الاتصال المعرفي

في بداية حديثه قال د. خالد محمد غازي: لقد شهد الفكر الإنساني ثورات أحدثت تحولاً كبيراً في الاتصال المعرفي، تمثلت أولاها في اللغة التي ظهرت منذ آلاف من السنين، والثانية في اختراع الكتابة منذ آلاف السنين ثم الثالثة وهي اختراع الطباعة والتي تميزت بإمكانات توزيع النصوص بشكل أسرع وأوسع من الكتابة اليدوية، وأسهمت في تخطي الحواجز الجغرافية، وتبع اختراع الطباعة عدة اختراعات أخرى مثل ظهور الآلات الكتابية وماكينات التصوير وخطوط الهواتف، إلا أنها لم ترق لمستوي الثورات السابقة عليها، ثم ما لبثت أن ظهرت الثورة الرابعة والتي لم تنخذ مكانها بعد وهي ثورة الكتابة في الفضاء الإلكتروني والتي ارتبطت بوسيط اتصال جديد وهو شبكات الاتصال عن بعد، ولا يمكن أبداً تجاهل ثورة الاتصالات والمعلومات التي أحدثها الإنترنت في وسائل الإعلام المختلفة من خلال النشر الإلكتروني للصحف ومحطات الإذاعة والتليفزيون في سهولة، ونقل الأخبار والصور والأفلام، وسرعة نشر الحدث. هذه الطفرة هي إحدى محصلات النمو الاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي يشهده العالم، واستقبلت الصحافة وافداً جديداً جاء إليها من الإنترنت تلك الشبكة العالمية الإعلامية العجيبة، والتي لم يسعف خيال مؤلف “ألف ليلة وليلة” أن يتخيلها، هذا الوافد هو “الصحافة الإلكترونية”.

وتطرق د. غازي في البداية إلى مفهوم الصحافة الإلكترونية والخطر الذي يواجه الصحافة الورقية في المستقبل بسب الثورة التكنولوجية العالمية. وأوضح الفوارق الجوهرية بين المواقع الإلكترونية والصحف الإلكترونية. وقسم الصحف التي تنشر بواسطة النشر الإلكتروني إلى ستة أنواع.

أولا: نسخ إلكترونية من صحف مطبوعة ورقيا معروفة باسمها وتاريخها، وما تقدمه مجرد نسخة إلكترونية طبق الأصل لما تقدمه الصحيفة الورقية.

 

ثانيا: صحف إلكترونية تحمل اسم الصحيفة الورقية، لكنها تختلف عنها في محتواها وخدماتها وتوجهاتها، وتعتمد على التحديث المستمر واستطلاع الرأي والتفاعلية.

 

ثالثا: صحف إلكترونية ليس لها أصل ورقي.

 

رابعا: مواقع إعلامية، ويقصد بها الشبكات الإخبارية على الإنترنت ومواقع الأحزاب والتيارات السياسية والاقتصادية.

 

خامسا: الإذاعات والفضائيات التي تعنى بتقديم تقارير إخبارية صوتية وتقديم خدمات نصية بصور وأشكال إيضاحية وساحة حوار تفاعلي مع المتلقي.

 

سادسا: مواقع وكالات الأنباء العالمية والعربية التي تقدم خدماتها على شبكة الإنترنت بعدة لغات أو باللغة العربية، وتقدم تغطية لجميع الأحداث العالمية وتعرضها في الموقع. إضافة إلى خدمة الأخبار والمعلومات التي تتواصل بها مع المتلقي عبر البريد الإلكتروني.

 

وأشار إلى خطوات إنشاء الصحيفة الإلكترونية، أولها حجز اسم معين للصحيفة، ثانيا تصميم الصحيفة، ثالثا تبويبها وأخيرا توزيع المساحات. ويرى غازي ضرورة وضع ضوابط لإنشاء صحيفة إلكترونية، ووجود كيان عربي يحمي الصحافة الإلكترونية من الانتقاد والتزوير، إضافة إلى الاهتمام بها في الدراسات الأكاديمية. وأكد أن الصحف الإلكترونية استطاعت الدخول في منافسة قوية مع الصحافة التقليدية الورقية، واستثمرت عناصر ومؤثرات تعجز الصحافة الورقية عن استخدامها نظراً لطبيعتها، فاجتازت الحدود والأيديولوجيات عبر فضاء أرحب. ويقرر البعض أن الصحافة الإلكترونية شهدت انتصاراً كبيراً بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، والذي أفاق فيه العالم على وقع كارثة الدمار والرعب في أميركا، فقد استطاعت الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية الإلكترونية، أن تنقل بالكلمة والصوت والصورة، ذلك الحدث التاريخي بدقة وكفاءة نادرة، بينما تعثرت بعض الصحف والفضائيات الكلاسيكية وفشلت في تلك المهمة. واستطاعت بعض الموقع الإخبارية الإلكترونية العالمية أن تثبت حضورها وتفوقها وأصبحت كمرجعية إخبارية في الظروف الجادة والحرجة، وأصبح من الطبيعي أن يلجأ إليها الفرد العادي والمهتم أو المختص في السياسة وغيرها، كمرجعية موثوقة المصداقية بعد أن كانت متهمة بالتواطؤ والتدليس. ومثلما حدث على المستوى العالمي من ولادة مواقع إخبارية إلكترونية، تمخضت المنطقة العربية عن عدة مواقع إخبارية إلكترونية بعضها تصنع الخبر، ولا تكتفي بإعادة تصديره بعد التقاطه من الوكالات وشبكات التليفزيون والإذاعة.

 

وأكد د. غازي أنه نتيجة للتقدم التكنولوجي المتلاحق، فقد تغير مسار إنتاج المعلومات ومعدل تدفقها، وبالتالي أصبح من الصعب وقف هذا الزخم، وتحقيق ما يشبه بديمقراطية المعلومات، والإقلال من تحكم الدولة في مسارها وتوجيهها. بالاضافة إلى أن التحول من الكلمة المكتوبة أو المطبوعة إلى الصحافة الإلكترونية قد أصبح ظاهرة أكثر من كونها مجرد تغيير في وسيلة الاتصال، فالصحافة الإلكترونية هي نتاج امتزاج الإعلام بالتقنية الرقمية، ورغم عمرها القصير فإنها حققت في نحو عقد من الزمان ما حققته الصحافة المطبوعة في عشرات السنين، وتمكنت من تقديم مكاسب عديدة للمهنة الإعلامية ولجمهور القراء وكذلك لمستويات أخرى من المستفيدين مثل المعلنين والطبقة السياسية ومروجي الأفكار، والدعاة وسواهم، لكن هذه المكاسب ارتبطت ـ ومازالت ـ بتطور التقنية وانتشارها وبطبيعة الجمهور الذي يستخدمها. وبرغم أن المؤشرات حول ذلك لا تزال غير مشجعة فإن كثيرًا من الباحثين جنحوا مبكرًا إلى الحديث عن هزيمة الصحافة التقليدية ونهاية عصرها.

 

 

التفاعلية والوسائط المتعددة

وأكد المحاضر على مجموعة من الحقائق حول الصحافة الإلكترونية، منها أن هذا النوع من الصحافة في الولايات المتحدة الأميركية وفي أوروبا استمر نحو ربع قرن من التجارب الإلكترونية والشبكية، وأصبحت تمتلك درجة من النضج والمعرفة بميزات النشر الشبكي الإلكتروني مكنتها من الوجود في شبكة الإنترنت بمجرد ظهورها، أما بالنسبة للصحافة العربية فالأمر مختلف، حيث لم تكن لها تجارب سابقة في النشر الإلكتروني مثل تجارب التكست والفديوتكست وقواعد المعلومات الشبكية إلا لماما، وبالتالي تأخرت في اللحاق بعالم الإنترنت.

كذلك فإن انتشار استخدام الإنترنت، فرض نفسه على العملية الصحفية، بما في ذلك استقاء المعلومات من مصادر متعددة، وتوظيفها ثم تخزينها بعد ذلك في أوعية إلكترونية تمثل أرشيف المحرر بعد ذلك، والاستفادة من الخصائص التي وفرتها النظم الرقمية وأصبحت دالة على تميزها، وبصفة خاصة التفاعلية والوسائط المتعددة والنص الفائق.

وليس كافيًا توفير الصحيفة الورقية على موقعها الإلكتروني بنفس الشكل ونفس الصيغة فلا يزيد هذا الأمر على كونه نقلاً للصفحات المطبوعة إلى شبكة الإنترنت باستخدام نفس التقنية التي تستخدم في الصحيفة المطبوعة، وهي الماسح الضوئي، ولا تحمل أية سمة جديدة سوى القراءة على الشبكة بجانب توزيعها اليومي للجريدة المطبوعة، وبالتالي لا تحمل السمات الخاصة بالصحافة الإلكترونية التي تتميز بخصائص تميزها مثل: الفورية ومواكبة الحدث – الحدود المفتوحة – تغليب العالمية على المحلية – التفاعلية – استخدام الوسائط المتعددة – خيارات التصفح والعرض – الأرشيف الإلكتروني الفوري – التكلفة المالية القليلة – تطوير المهارات المهنية للصحفيين.

ولم يعد مفهوم الصحافة حكرًا على المؤسسات الصحفية بالمعنى التقليدي في الصحافة المطبوعة، لذلك فإن الصحيفة الإلكترونية يجب أن تتميز بالاستقلال التام عن الصحف المطبوعة، حتي وإن كانت تصدر عن مؤسسة صحفية قائمة أو تحمل نفس عناوين إصداراتها. ويمتد الاستقلال ليشمل جميع المراحل بدءًا من التخطيط لإنشاء الموقع وأهدافه إلى تحرير المادة الصحفية، وتصميم الصفحات ونشرها على الشبكة، وتمت الاستفادة من خصائص النظم الرقمية في تصميم البرامج والمواقع بالتركيز على خصائص المتلقى وحاجاته، وتلبية هذه الحاجات وفق نظم التجول والاختيار والتفاعل والمشاركة التي توفرها هذه المواقع، بحيث يصبح الموقع أو المحتوى كما لو كان مخصصًا للمتلقي بذاته وتكون له الحرية في توجيه اختياراته وفق هذه الخصائص والحاجات، بما يؤدي بالتالي إلى تطوير العلاقة بالقارئ وتدعيمها. بالإضافة إلى تصميم آليات تفاعل المستخدم أو القارئ، فإن الصحيفة الإلكترونية يجب أن تستفيد أيضًا من أدوات الاتصال المتاحة على الشبكة، حتى يتحقق في هذه العملية الاتصال ثنائي الاتجاه، أو متعدد الاتجاهات لتأكيد تفاعل القارئ مع الصحيفة والعاملين بها وأقرانه من القراء والمستخدمين لهذه الصحيفة وموقعها.

والملاحظ أنه يغلب على بنية المواقع الصحفية العربية انعدام توظيف الوسائط المتعددة باستثناء مواقع قليلة جدا، بعضها خاص بفضائيات عربية شهيرة، وباقي مواقع الصحف الإلكترونية تعرض صوراً صماء دون تعليق أو دون وجود صور فيديو، أو إحالة مواقع أخرى، واستخدام أنظمة الوسائط المتعددة في الصحافة يمارسه حاليًا صحفيون كبار في صحف عالمية واسعة الانتشار مثل الواشنطن بوست والنيويورك تايمز، حيث يقدمون عروض فيديو أو صوراً مصحوبة بتعليقات ينفذها محررون صحفيون.

إن العديد من الصحف الإلكترونية العربية والمواقع الإعلامية والشبكات الإخبارية على الإنترنت يعيد نشر ما هو منشور سابقًا، مثل شبكة الأخبار العربية (محيط) فهي تعيد نشر ما تبثه الوكالات المشتركة بها، وتعيد نشر ما تنشره الصحف بعد تلخيصه، كذلك موقع (نسيج) الإخباري، وهذا يشير ضمنا إلى أن لدينا صحافة إلكترونية قائمة محكومة بتصور في الفعل ومرتكزة على منظومة عمل، في حين أن الحاصل هو وجود بعض المنابر على الشبكة على أساس من هذه الخلفية أو تلك، ولو سلمنا بأن إعادة نشر مادة منشورة أو تجديدها في وسائل أخرى لها متصفحون على الشبكة، لكن بنسبة أقل، فلماذا لا يذهب المتصفح للأصل بدلاً من الناقل؟ وبالتالي فهذه المواقع الخاصة بالشبكات الإخبارية في حاجة ملحة للتطوير المهني ومواكبة الحدث، فمن وظيفة الإعلام توفير الخبر ومتابعته بوجهات نظر ورؤى مختلفة تثري التعمق في جزئياته واحتواء ملابساته.

 

وأكد د. خالد غازي على أن الصحافة الإلكترونية العربية تواجه صعوبات كثيرة أهمها:

– عدم وجود عائد مادي من الإعلانات أو الاشتراكات أو التسويق مثل الذي توفره الصحافة الورقية، فالمعلن لا يزال يشعر بعدم الثقة في هذا النوع الجديد من الصحافة.

 

– ندرة وجود الصحفي الإلكتروني المدرب والمؤهل للتحرير الإلكتروني وإلمامه بالتقنيات الرقمية المتعددة، التي تحتاج إلى مهارة ودراسة وتدريب. كذلك متابعة الصحف الإلكترونية الدولية وطرق تحريرها، ولا يتوافر ذلك إلا بإجادة الصحفي أكثر من لغة.

 

– تأخر دخول الإنترنت للعديد من الدول العربية وعدم وجود قاعدة جماهيرية واسعة لمستخدميه – حتى الآن – بصرف النظر عن بعض الاستثناءات.

 

– غياب الأنظمة والقوانين العربية التي تنظم الصحافة الإلكترونية، ما لها وما عليها، لهذا يتعاظم الاهتمام بأمن المعلومات الإلكترونية وسلامتها.

 

ـ المنافسة الشرسة من مصادر الأخبار والمعلومات الأجنبية التي أصدرت صحفا إلكترونية عربية، ومثال ذلك الـ”bbc” والـ “cnn” وراديو مونت كارلو.

إن التحدي الأكبر أمام الناشرين للصحف المطبوعة هو الاستفادة من ثورة الإنترنت التي وصفت بأنها جنين، إلا أنها تدمر وتعيد بناء كل شيء في طريقها، وأن الصحف الورقية ستصبح واحدة فقط من عدة خيارات أمام مستخدم الأخبار مستقبلاً، وهذا ما يتطابق مع ما يقوله المدافعون عن قطاع الصحف الذين يقولون دائماً إنه في تاريخ الإعلام لم يحدث أن ألغت وسيلة جديدة أخرى قديمة والدليل أن التليفزيون والإذاعة والصحف لا تزال جميعاً موجودة.

 

كما إن احتكار الصحف للأخبار ولى زمنه، وأن التحدي هو نقل الأخبار في الشكل الذي يريده المستهلكون، وعلى أصحاب المؤسسات الصحفية والإعلامية التخلي عن الأحكام المسبقة والبدء بالتفكير في طرق جديدة ومبتكرة لجذب قطاعات كبيرة من القراء، فأصبح من الضروري تطوير كيفية تفكيرنا بمنتجنا، وفي كيفية التواصل الفعال فيما بين المحررين والمراسلين مع قرائهم، فالسمة البارزة التي تميز ظاهرة الصحافة الإلكترونية هي الابتكار فلم تعد المواقع الإعلامية الإلكترونية تفرض على قارئها أطراً معينة تنحصر في مصادرها ومعلوماتها هي فقط، بل أصبحت تمتد وتتشعب لتصل به إلى مصادر إعلامية أخرى ذات توجهات ورؤى مختلفة.

ولا توجد في البلاد العربية عموما تدخلات تشريعية منفصلة تهدف إلى تقييد حرية الإعلام على الإنترنت، فالتدخلات التشريعية لتقييد تدفق المعلومات على الإنترنت محدودة ، حيث إنه في معظم البلدان العربية يمتد تطبيق نصوص قوانين العقوبات والقوانين المقيدة لحرية النشر والبث إلى مستخدمي الإنترنت، أيضاً تونس الدولة العربية الوحيدة التي لديها أكثر تشريعات الإنترنت. ولا توجد تشريعات خاصة بالصحافة الإلكترونية في العالم العربي، فلم نجد بعد بنية من القوانين الخاصة بهذا اللون الجديد من الصحافة الذي يعد صوت المستقبل، وهذا يعني أننا متخلفون عن الركب ولا نواكب الأحداث فضلاً عن أن نسبقها بل نتأخر دائماً عن ملاحقة الحدث وننتظر حتى تقع الكارثة، ومن ثم فإننا ننشغل بالأمور غير الجوهرية من خلال ضعف بنية التشريعات لهذا الوليد الجديد، كذلك فإن كثيراً من الدول تكيل بمعيار واحد لنمطين مختلفين من الصحافة بمعنى أنها تطبق تشريعات الصحافة المكتوبة أو الورقية على الصحافة الإلكترونية مما يعني عدم الاستقلالية والتمييز. صحيح أن الصحافة واحدة من حيث هي حرفة لكن آلياتها وأدواتها ومفاهيمها أصبحت مختلفة، الأمر الذي يعني المطابقة في البداية وضرورة الفصم والاستقلال في النهاية، ومن ثم فتطبيق تشريعات الصحافة المكتوبة أو الورقية على الصحافة الإلكترونية هو نوع من التقصير لا بد من تداركه الآن، وفي الكثير من الدول العربية لا توجد قوانين أو تشريعات خاصة بالصحافة الإلكترونية. كما يلاحظ التشابه الشديد بين تشريعات الدول العربية فيما يخص الصحافة الورقية أو الإلكترونية ولا يكاد يوجد اختلاف إلا في الصيغ والقوالب اللغوية وصك المصطلحات وهذا يعني أن الوطن العربي ـ ككل ـ هو وطن واحد أو بلد واحد وإن تعددت صوره.

 

محاور رئيسية

وأكد د. خالد غازي في ختام محاضرته على عدة نقاط:

– أولا: طرحت دراسة الصحافة الإلكترونية نوعا جديدا من الصحافة هو “صحافة المواطن” يتميز بالتفاعلية والتواصل الفوري بوسائل وطرق متنوعة تكسر حواجز الصمت في سرعة نقل الحس الشعبي تجاه الحداث والمواقف والشخصيات وهدم اللغة الرسمية والفوقية وحرية طرح المواضيع الحساسة والخطيرة، الأمر الذي يستدعي توافر قسط من الرسائل والدراسات العلمية حول هذا الموضوع بالذات.

 

– ثانيا: ضرورة وجود تشريعات كضابط للممارسة الصحفية الإلكترونية في الدول العربية، وإن عدم وجودها يخلي المسألة من الضوابط الفاعلة ويجعل هناك خروجاً عن القيم والأخلاقيات والآداب العامة في مجتمعنا، وهذا يعني في النهاية وجود ابتذال وانفلات واضحين في الصحافة الإلكترونية تميزت به لعدم وجود الرقيب أو التشريعات الخاصة، ومن ثم تدهور العمل الصحفي في النهاية وتحوله إلى معول هدم أخلاقي بشكل أكثر سفوراً.

 

كما أن التشريعات حينما تصطبغ بالصبغة الدولية بشكل يتكئ على اتفاقيات دولية عالمية تنتمي لفترات سابقة فإنها لا تسير علي الخط المهيأ لها بل تنحرف عنه، إلى أن تنفصل عن أرض الواقع وتصبح مجرد بنود موقع عليها دون تفعيل جاد على أرض الواقع.

 

إن الهدف من التشريعات هو ضبط العمل الصحفي والوصول إلى أعلى صورة فاعلية لا جعلها حجر عثرة في طريق الصحافة، وهذا هو ما تحتاجه الصحافة الإلكترونية في عالمنا العربي في الفترة الحالية والمستقبلية كي تكون صحافة بحق وليست مجرد تكرار لعهود غابرة في عالم الصحافة الورقية.

 

– ثالثا: ضرورة تفعيل مواثيق الشرف المهني على الصحافة الإلكترونية، فميثاق الشرف هو الجانب الأخلاقي في المهنة وهو متفرع عن عقيدة الأخلاق في كل الثقافات والديانات، وهو مظهر من مظاهر المنظمات غير الحكومية نشأ في الغرب ثم انتقل إلى الشرق، وهو فكرة فعالة غير أنه مما يقلص من فاعليتها انتشار أنظمة الحزب الواحد والعشيرة الواحدة والزعيم الأوحد، ومن ثم فقد تبدو فكرة مرتبطة بمناخ حضاري حتى تتأسس في بنية سليمة وتعتبر مواثيق الشرف والقوانين ثنائية بارزة، فالمفترض أن القوانين تحمي مواثيق الشرف وأن مواثيق الشرف تكمل القوانين، لكن حين تتباعد المسافة بين طرفي الثنائية فهذا يعني أن المجتمع في أزمة، وقد رأينا أمثلة عديدة لمواثيق الشرف المهني لدي أكثر من جهة ومؤسسة محلياً وعالمياً تبين مدى احترام قداسة العمل لدى هذه الجهات والمؤسسات، ولا يبقى من كل ذلك إلا التطبيق.

 

– رابعا: إن التحلي بالأخلاق في العمل الصحفي هو فن وإحساس في المقام الأول، فلا أحد فوق مستوى الشبهات أو خارج نطاق المحاسبة، إلا بما يمليه عليه ضميره وحسه الداخلي أولاً، ومن هنا قد نجد صوراً عديدة يتم فيها التجاوز المهني في الخطاب والطرح، لأن الصحفي لم يلزم نفسه بها ولم يلزم نفسه بالحس الخلقي من الأساس.

 

– خامسا: ضرورة إعلاء قيم الحريات الصحفية في ظل حماية قانونية ودستورية للصحفي والمجتمع أيضاً، والاستفادة من تجارب دول العالم المتقدمة في هذا المجال، ولا تتم النهضة أو إعلاء لقيمة ما مرة واحدة، بل يجب أن نبحث في صورة دفعات وإلا فلن نعثر علي شيء. وقد أوصي الباحث – أيضا – بضرورة التعمق في دراسة بنية تطور الصحافة الإلكترونية العربية التي تتطور وتزدهر كل يوم، على أن تتم الاستفادة من التجارب المتميزة عالمياً في هذا المجال.

 

مداخلات

وفي النهاية قام د. خالد غازي بالرد على تساؤلات الحضور من الطلبة ومداخلات من الاساتذة .. وردا على سؤال لإحدي الطالبات عن علاقة العولمه بالإعلام. أجاب د. غازي: العولمة في المعنى المعجمي هو أن يتخذ شيء ما بعداً عالمياً أو كونيا. بحيث لا يرتبط بمفهوم ودلالة هذا الشيء الاقليمي أو المحلي. فهي ليست ظاهرة جديدة، بل قديمة قدم التاريخ، عندما كانت تتصدر حضارة ما باقي الحضارات وتقود العالم. غير أننا عندما نذهب إلى معناها الاصطلاحي المتعارف عليه في حقول الإعلام فإن الأمر لا بد من إخضاعه للمساءلة، التي قد تطيح بهذه البراءة في التعريف وتلك الشرعية في الشكل، ولا سيما إذا جرت ـ المساءلة ـ وفق المعايير الإنسانية والأخلاقية العامة؛ نتيجة للتطور الذي حدث في وسائل الاتصال، أصبح من السهل تداول المعلومات ونشرها. يقول ألفين توفلر: “المعرفة هي المحور الذي ستدور حوله حروب المستقبل وثوراته الاجتماعية. إنها القاعدة الأساسية لظاهرة العولمة”. ففي عصرنا الراهن تغدو المعلومة هي قاعدة القوة. وتكون المعرفة سلطة من نوع آخر، تتفوق في تأثيراتها على أية سلطة أخرى عرفتها الإنسانية في السابق، فنصبح تحت طائلة التغيرات المتسارعة الحادثة في حقول الاتصالات والمعلوماتية والإعلاميات في حقبة أخرى تختلف في خصائصها وموجهاتها عن الحقب السابقة. ويغدو الاتجاه الغالب، في العالم هو ما يسمي “عولمة الإعلام”، وعلى سبيل المثال، تحتكر الولايات المتحدة الأميركية نسبة عالية من صناعة الأخبار، وبث المعلومات عبر الفضائيات وشبكة الإنترنت، ووكالات الأنباء، وأميركا تصدر عبر شركاتها ما يقارب ثلاثة أرباع البرامج التي تبثها عبر العالم، في حين لا يتعدى نسبة ما تستورده 2% وتشير الدراسات “إلى أن 97 % من الأجهزة المرئية موجودة في الغرب الذي يمتلك أيضاً 87% من الأجهزة المسموعة، وأن 90% من مصادر الأخبار في دول العالم الثالث مستوردة من الدول الغربية”.

والمفارقة أن أوروبا نفسها تعاني من هذا الغزو الإعلامي والثقافي الكاسح، فعلى سبيل المثال “إن 88% من معطيات الإنترنت تبث باللغة الإنجليزية مقابل 9% بالألمانية و2% بالفرنسية، و1% يوزع على بقية اللغات الغربية”، و”أن السيطرة الأميركية على العالم تستند إلى هيمنتها على الاتصالات. فثمانون بالمائة من عدد الكلمات والمشاهد والصور التي تدور حول العالم تأتي من الولايات المتحدة الأميركية”. بالمقابل تتركز سلطة الإعلام بيد من يسمون ببارونات الصحافة، من أمثال ماكسويل وروبرت مردوخ وهيرست. ففي الولايات المتحدة خمسون شركة تمتلك معظم وسائل الإعلام. وفي بريطانيا ست شركات إخبارية كبرى تسيطر على ثلثي الصحف والمجلات. نسوق هذه الأمثلة لنؤكد على أن العولمة الإعلامية هي نتاج تزاوج بين سيل المعلومات ووسائل الاتصال الحديثة. فالمعلومة باتت تعبر من خلال الصورة. وأضحت الصورة وساطة خطيرة للتأثير في الوعي والمخيال، في الأفكار والقناعات. فالصناعة الإعلامية (العولمية) جعلت تغيّر من أنساق الأفكار والقناعات والآراء بوسائلها المعروفة وغير المعروفة.

وردا على سؤال وجه للدكتور خالد غازي حول مصداقية الصحف الإلكترونية العربية قال: الكثير من الصحف الإلكترونية العربية يشوبها الفوضى وتحتاج لتنظيم, ووضع ضوابط تنظيمية لها تلتزم بميثاق الشرف الصحفي في المصداقية في نقل المعلومة والشفافية في تداولها، لكن ذلك لا يمنع من وجود صحف جادة. وإن كانت التجربة والخبرة العربية في هذا المجال ضعيفة مقارنة بالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.