30 يونيو ثورة مصر الثانية

 

د. خالد غازي   

مصر مقبلة على أيام صعبة.. هذا هو عنوان المشاهد السياسية التي تجري في مصر الآن.. حالة من التناحر والانقسام السياسي فيما بين التيار المدني في الدولة والإسلاميين بمختلف أسمائهم تمثل البوصلة المفقودة لرسم ملامح المستقبل.

الثورات الشعبية التي قامت في دول الربيع العربي مثلت نموذجًا للتعامل مع الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، لكن المدهش في تلك الثورات أنها افتقدت الزعامة الموحدة، كما أنها وقفت على مسافة واحدة من الضغوط الخارجية والتمويلات مجهولة المصدر والمصالح غير المعلومة، لكنها نفذت أهدافها في ميادين ثوراتها، في الوقت الذي لم تتمكن فيه من المحافظة على تلك النتائج.. والمؤسف أنه ما إن تبلورت نتائج الثورة حتى أخذ الصراع الداخلي بين أقطابها، وتعمقت حالة الاستقطاب والانقسام بين الفصائل الوطنية، وفي مصر تعمق مأزق الخروج من الأزمة السياسية الراهنة التي تعيشها البلاد بين تيار مدني ليبرالي أقصاه التيار الإخواني الذي استحوذ على سلطة الحكم وأوقع مصر في العديد من الأزمات.

لا شك أن الصراع الحادث من مخلفات الأنظمة الحاكمة السابقة التي سعت في وجودها إلى تغذيته ودعمه، واللعب على وتيرته خلال حقب سابقة منذ قيام ثورة يوليو 1952 حتى اندلاع ثورة يناير 2011، حيث بقيت فزاعة الأصوليين الإسلاميين والإخوان المسلمين والسلفيين وغيرهم من التيارات الإسلامية حاضرة غائبة في مختلف الأحداث التي كانت تضرب عماد تلك الأنظمة، وهو ما أسموه الشغب تارة وصولاً إلى الإرهاب والتخويف من تلك التيارات، وما إن وصل الإسلاميون لقمة السلطة في مصر حتى أسقطوا ما نسب إليهم على خصومهم ومعارضيهم السياسيين؛ فصار المعارضون كفارًا وعملاء ودخلاء على الأوطان، شيطنوا المعارضة والخلاف في الرأي؛ بمعنى: “من ليس معنا هو عدونا” مما يجعل الأزمة التي تعيشها مصر الآن ستظل واقفة عند حالة الفرقة بين التيارات والقوى السياسية المختلفة سواء كانت ليبرالية أو إسلامية لتغيب مصالح الدولة بينهما.

وبنظرة على أرض الممارسة السياسية الفعلية نجد أن تلك المعركة حامية الوطيس بين التيار الإسلامي، وتمثله جماعة الإخوان المسلمين ومن يسيرون على نهجهم من ناحية، والقوى السياسية والليبرالية من ناحية أخرى، فالخلاف والانقسام حول المستقبل السياسي للبلاد ينمو يومًا بعد آخر، وربما يعيد البلاد إلى مربع الصفر حيث المظاهرات والاعتصامات، ويعود ميدان التحرير إلى سيرته الأولى.

إذن ما الحل؟! وما السبيل للحيلولة دون عودة البلاد إلى مزيد من الفوضى، حيث الاحتقانات وعدم الاستقرار؟!

الحقيقة الغائبة في تلك الأزمة والتي تزيدها تعسرًا هي عدم توافق أطراف الطيف السياسى، وفقدان الثقة في حكم الإخوان، وأن جلوس المعارضة معهم على طاولة الحوار لن يفضي إلى شيء؛ فقد جربوا ذلك مرارًا، فما إن تنتهي جلسات الحوار حتى يلتف الإخوان عليها وتأخذهم حمى “أخونة” مؤسسات الدولة بلا هوادة ولا روية ولا رؤية سياسية.. الإخوان يعتبرون أنفسهم أصحاب شرعية الحكم بصناديق الانتخابات، وأن ما يفعلون بالدولة هو الصحيح بالمطلق، وأن الآخر – المعارضة – في ضلال مبين، من واقع وقوفهم ضد مصالح الإخوان التي هي ليست مصالح للوطن، فبالتالي من الضروري إعادة النظر والتسليم بأن الجميع شركاء مع باقي القوى في مستقبل هذا الوطن.

وهذه ليست المعضلة الوحيدة، لكن الأخطر هو محاولة فرض السيطرة والنفوذ واستعراض القوة، وما تشهده مصر كلها من حالة احتقان واحتجاجات أكبر دليل على ذلك، حيث انقسام المجموعات وتباين الأهداف ومحاولات التشويش كلاً على الآخر، فضلاً عن المناوشات التي انتهى معظمها إلى الاشتباك المسلح والدموي وإيقاظ مارد الفتنة الطائفية والتصريحات العنترية التي يطلقها يوميًّا قادة الإخوان.

من المتوقع أن يوم 30 يونيو القادم يومًا ساخنًا سيضم موادًا ملتهبة ومشعة، ربما تفجر مصر من الداخل، حيث إن اختلاف تلك التيارات في توجهاتها لا تعود آثاره عليهم فحسب، بل تؤثر على كل فرد في مصر.. ومن هنا فعندما ظهرت “تمرد” كحركة شعبية غير مؤدلجة لم يتقبلها الإسلاميون؛ لأنها تسعى لإسقاطهم من السلطة.. هذا الحلم الذي سعوا لتحقيقه منذ أكثر من ستين عامًا، ودفعوا ثمنه في الاعتقال وغياهب السجون، فكيف يفرطون في السلطة بهذه السهولة؟ لقد امتلكوا تأثيرًا وشعبية في غالبية شرائح المجتمع، ولهم قواعد شعبية على أرض الواقع، ومن حقهم ممارسة الوصاية على من انتخبوهم وأوصلوهم لسدة الحكم استنادًا على ما أسموه الشرعية.

مع الأسف الشديد لقد فقدت القوى التي قامت بالثورة علاقاتها التلاحمية الإيجابية، واستحوذت عليها الرغبة الجامحة للانفراد والاستئثار بالسلطة، وما عدا هذه الرغبة باطل.. فأصبح مشروعًا تشويه الخصوم والاعتداء عليهم والتنكيل بهم؛ الخصوم الذين اصطفوا وتلاحموا من أجل إنجاح الثورة، وليس جني ثمارها على عجل، لقد عشنا وهم أن الثورة قد نجحت.. والحقيقة أن من جنوا نتائجها – ولم يحلموا يومًا بهذه النتائج – أقصوا من مدوا لهم يد العون وتحولوا لخصوم.