القـدس •• هـل تبـقي مجـرد سـيرة مدينـة ؟!

 

 

ياسـين معـتوق   

هـل يمـكن لاسـرائيل أن تتنازل عن القدس ، خاصة في ظل ما يعانيه العرب •• وما تتمتع به اسرائيل اليوم ؟ لعل بن جوريون – أول رئيس وزراء لاسرائيل – أجاب عن هذا السؤال حين قال : مسألة القـدس ليست مسألة ترتيبات في أساسها ، ولا حتي مسألة قدرة عسكرية ، رغم أننا لا نستطيع حـل كل مشاكل القـدس بالقـوة العسـكرية وحدها ، لكـنها في المرحلة الاولي لاحتلال القدس تعقـبها بعد ذلك عـدة مراحـل أخـري • ولعلنا نلمس هذا أيضا من مقولة الحاخام الاسرائيلي ” جونا ثان بلاس ؛ إن السلام يعني الكثير لكن القدس شيء أثمن من السلام ؟” فإذا كانت تلك المدينة المقدسة بالنسبة لهم قضية الهوية المفقودة ، فإنها للعرب الكيان المغتصب • من هذه الثوابت كان كتاب ” القدس •• سيرة مدينة ” والذي صدر في القاهرة ” مؤخرا ” لمؤلفه الأستاذ خالد محمد غازي ، والكتاب مقسم بمضمونه إلي ما هو تاريخي وحضاري ، إلي محاورمن الشهادات والآراء •• وصولا إلي ما يسمي بالتسوية الراهنة • وأهمية الكتاب الذي بين أيدينا تنبع أولا من كونه صدر في مرحلة التردي والإنحدار العربي ، وهو بذلك يشكل إضاءة وسط ظلام عربي دامس وحالك لا يلف القدس ، والقضية الفلسطينية وحدهما ،وإنما يلف ويهدد مستقبل المنطقة وشعوبها ، وثانيا لأنه يضع بين أيدينا مرجعا شاملا يختصر عشرات المجلدات من المراجع والدراسات المتفرقة عن القدس ، وهذا جهد يستحق الكاتب كل الشكر عليه ، باعتباره إنجازا يأتي في مرحلة إدارة الظهر للمباديء والثوابت ، والتاريخ ، ليس تاريخ القدس وحسب وإنما تاريخ القضية الفلسطينية وتاريخ فلسطين العربية • كما أن أهمية أخري لا تقل أهمية بل وأخطر من سابقتيها في الأهمية ، أن إنجاز هذا الكتاب جاء في ظل وهم ما يسمي “السلام ” الذي تراهن عليه الأنظمة العربية ، وخاصة بعد إنخراط القيادة الفلسطينية به ، ووالاقدام علي مشروع سياسي وصل إلي توقيع ما يطلق عليه اتفاق إعلان المباديء ” أوسلو” هذا الإنخراط الذي شكل ذريعة مباشرة للعديد من هذه الأنظمة للتنصل من واجباتها القومية ، والتهافت لإقامة علاقات ، وإن كانت علي مستويات متفاوتة مع الكيان الصهيوني ، والسير بعلاقات التطبيع السياسي والإقتصادي إلي الأمام وبلا ثمن سوي ذريعة أخري هي إسناد الطرف الفلسطيني ، علي إعتبار أن ذلك مرونة ” تنازلات ” واجبة لدفع عملية “السلام” علي أساس أنها خيار إستراتيجي لارجعة عنه • وفي غمرة الإنغماس بعملية “السلام” والتطبيع مع العدو الصهيوني تتعرض القدس إلي أخطر عملية تهويد عن طريق بناء مستوطنات جديدة ، وتطوير القائمة أصلا وإجراء تغيرات جيو سياسية وديمغرافية ، بعد فشل كل محاولات العثور علي آثار يهودية في المدينة أو محيطها ، ولذا فإن محاولات طمس وإستئصال التاريخ العربي الكنعاني اليبوسي للقدس ولمجمل مدن فلسطين المحتلة ، ذلك التاريخ الذي يمتد إلي القرن التاسع عشر قبل الميلاد حيث حكم الملك العربي الكنعاني “ملكي صادق ” القدس ، والغريب والمفاجيء أيضا هو الجهل والسذاجة اللتين يتعامل بهما المفاوض الفلسطيني ومن ورائه أطراف الدعم العـربي ، الذيـن لا ينطلقـون من حقوق وطنية وتاريخية تعود إلي التاريخ السالف الذكر والمثبت ولا من ثوابت قدسية مدينة القدس – باعتبارها أولي القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ، مسري النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، وهي ثالث المقدسات الإسلامية بعد مكة المكرمة والمدينة المنورة و لا تقل قدسية القدس عند الديانة المسيحية ، فالقدس تضم نحو مائتي أثر إسلامي ، ونحو ستين أثرا مسيحيا ، وخمسة عشر أثرا عبريا فقط ، وهي غير هامة إذا ما تعاملنا مع ما يطلق عليه اليهود “حائط المبكي ” بأنه حائط البراق المقدس عند المسلمين وما ذكره د• رائف نجم في كتابه “كنوز القدس “أن أهم معالم القدس الإسلامية والمسيحية المسجد الأقصي وقبة الصخرة وكنيسة القيامة • إن عملية التهويد التي يمارسها الكيان الصهيوني في مدينة القدس تنطلق من حقائق جديدة سياسية ، أي حقائق الأمر الواقع التي أملتها الموافقة والتوقيع علي ما سمي إتفاق إعلان المباديء “أوسلو” ، ولا تنطلق أو تستند إلي أي حقائق تاريخية ، فقد انطلقت الحفريات في القدس منذ عام 1865 وقامت بها الجمعية الأمريكية لإثبات ادعاءات الصهاينة بوجود آثار يهودية ، وتوالت الحفريات حيث أجري تشارلز وارين – من عام 1867 إلي 1870 – حفريات في منطقة المسجد الأقصي وقبة الصخرة المشرفة ، وقام أيضا مونتاغو باركر عام 1911 بحفريات مماثلة إستمرت هذه الحفريات في ظل الإنتداب البريطاني حتي جري إحتلال القدس من قبل القوات الصهيونية عام 1967 حيث عاد نشاط علماء الآثار ” الإسرائيليون”• بحثا عن معبد أو هيكل سليمان ، ولم تؤد هذه العمليات جميعها إلا إي نتيجة واحدة هي بروز الآثار العربية والإسلامية فقط ، وقد اعترف بذلك عالم الآثار ( الإسرائيلي ) المشهور إليغال شيلوخ • إذن تهويد القدس يندرج فقط في إطار تكريس احتلال فلسطين الذي توفرت له شرعية شبه قانونية من عديد من الأنظمة العربية التي وقعت إتفاقات ( سلام ) أو تلك التي تدعم العملية ( السلمية) كيفما كان ، وكذلك نوع من الشرعية الدولية المستندة إلي قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 – 833 دون كل قرارات الشرعية الدولية الأخري التي وافقت عليها هذه البلدان ( العربية ) كمرجعية للعملية (السلمية ) ، ولهذا بدأ مسار الصراع العربي – الصهيوني ينحو وبقوة منحا آخر عبر التفاوض مع الدويلة العبرية فبدلا من صراع مصيري ، صراع وجود أصبح صراع حدود يتم الحديث فيه عن بضعة كيلو مترات وما شابه ذلك ، كما أصبحت ( إسرائيل ) دولة من دول المنطقة معترفا بها وبحدودها الآمنة ، وحقوقها في المنطقة بدلا من كونها قوة احتلال معادية ويبقي أن نتعرف علي واجبات هذه الدويلة في ظل ما يسمي الشرق الأوسط الجديد كنظرية صهيونية ، أمريكية في ترتيب وضع منطقة الشرق الأوسط ، وبذا بدأ اسم فلسطين العربية يتلاشي علي الخارطة العربية ووضع بدلا منه اسم السلطة الفلسطنية ، أو مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني • لقد سقطت خيارات النضال الوطني من حسابات الأنظمة ، وخاصة خيار الكفاح الوطني المسلح ، واعتباره أعمال إرهابية كما أقر السيد الأمريكي في قمة شرم الشيخ ، ولم يبق سوي المزيد من دفع الفلسطينيين للموافقة والقبول بالفتات المقدم لهم أي الكانتونات التي هي أشبه بالجيتوات التي عاش بها اليهود في بلدانهم الأصلية التي قدموا منها إلي أرض فلسطين ، والطرف الفلسطيني بطبيعة الحال لا يحتاج إلي دفع بل هو مؤهل جدا لتقديم التنازلات والتفريط بالأرض ، وبقاءه جسرا تعبر عليه قوي وأنظمة فاوضت وتعاملت مع الكيان الصهيوني سرا ، وفي وقت مبكر ، وكل هذا علي حساب الشعب الفلسطيني العربي داخل الوطن المحتل وخارجه في الشتات ، فلا عجب أن تصبح فلسطين المحتلة حتي اليوم ( إسرائيل ) من وجهة نظرهم ، والفلسطينيون داخل فلسطين المحتلة عام 8491 ( عرب إسرائيل) • الآثار العربية الإسلامية والمسيحية في القدس مهددة بالزوال والإندثار نتيجة إستمرار عمليات الحفر التي لا تهدف إلي إكتشاف آثار عبرية بعد الفشل المتتالي لذلك وإنما لإقامة أضرحة يهودية مثل الهيكل السادس علي أنقاض الآثار العربية الإسلامية والمسيحية المقدسة ، والعرب صامتون صمت القبور لا يعنيهم مستقبل القدس وآثارها ، وإنما فعلهم ينصب علي دفع عملية ( السلام ) والإستسلام إلي نهايتها لتصفية القضية الوطنية الفلسطينية العبء الثقيل علي كاهلهم • ولهؤلاء الذين يجهلون التاريخ والأيديولوجيا ، والمراهنون علي ( سلام ) مع الصهاينة نسوق ما جاء في التوراة ، بعد موت النبي موسي حيث تولي من بعده عبده وخادمه( يوشع بن نون ) أحد الجواسيس •• الذين أرسلهم موسي للتجسس علي أرض كنعان وعادوا ليبثوا الرعب في نفوس بني اسرائيل علي أرض مصر ، فأمر موسي برجمهم حتي الموت ، ولكن الرب سمح ليوشع بن نون وكالب بن يفنة ، وكان بعد موت موسي عبد الرب وأن الرب كلم يوشع بن نون خادم موسي قائلا : موسي عبدي قدمات فالآن قم اعبر أنت وكل هذا الشعب إلي الأرض التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل ، وهكذا تم غزو أرض كنعان بخرافات أيديولوجية صهيونية توراتية •• الخرافات التوراتية هذه هي أيديولوجيا الحركة الصهيونية وقواها التي تحتل أرض فلسطين العربية وهذه أيديولوجيا لا يقابلها ويصارعها إلا مباديء وثوابت التاريخ والحضارة العربية الإسلامية والمسيحية والإستعداد للنضال الوطني الباسل لتحرير القدس وفلسطين، لأن مبدأ القوة لا يجابه إلا بالقوة وهذا ما أكده الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر حين قال ، ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ، وهذا ما أكدته العهدة العمرية حيث فتحت القوات الإسلامية القدس بقيادة أبي عبيدة الجراح •• إن الإستمرار في ما يسمي عملية ( السلام ) في ظل العربدة الصهيونية ، والضعف العربي والإنقسام في الصف العربي ، وغياب التضامن لن يؤدي إلا إلي مزيد من ضياع الأرض•• أرض القدس ، أرض فلسطين المحتلة• وكتاب ( القدس : سيرة مدينة ) ينقسم الي قمسين رئيسيين •• الاول معنون بقصة مدينة يتناول فيه المؤلف خالد غازي المدينة عبر التاريخ و المقدسات الدينية في القدس ( اسلامية ومسيحية ويهودية ) ويتنا ول المؤلف ما يسمي بحضارة المستوطنات وإرهاب التهويد وسعي اسرائيل لطمس المعالم العربية والتاريخية والدينية •• وفي القسم الثاني من الكتاب يتناول شهادات في محاور جمعها المؤلف لنخبة من مفكرين وعلماء وسياسيين ورجال دين عرب وأجانب ومسلمين ومسيحيين من هؤلاء المفكرين : شيخ الازهر ود• عبد الوهاب المسيري وقداسة البابا شنودة ود• محمد عمارة ومحمد سيد أحمد وفهمي هويدي و ادوار سعيد والشيخ عكرمة صبري ود• عبد الله الاشعل وفاروق قدومي وسعيد كمال••• وغيرهم رضافة الي أن الكتاب يضم مجموعة من الخرائط النادرة ، تمثل المدينة عبر التاريخ • لكن إلي متي تبقي القدس فقط مجرد سيرة مدينة علي كتب ودراسات لن يعود لقرائتها الكثيرون في زمن الإنهيار هذا ؟!