الكاتب خـالد غـازي يفنـد مزاعـم اليـهود فـى رائعـته

 

مـتوكـل بحـر   

“القدس•• سيرة مدينة” كتاب موسوعى يجمع بين دفتيه التاريخ و الجغرافيا و الأدب و السياسة•• حمل على عاتقه مؤلفه الكاتب الصحفى خالد محمد غازى تفنيد مزاعم اليهود عن تلك المدينة المقدسة زهرة المدائن و مدينة السلام و الحرب و مواطن الرسالات و الأنبياء•• مستعيناً بالحقائق التاريخية و الجذور الجغرافية••التى تؤكد على عروبة القدس••فى مواجهة الزيف و التزويرللحقائق التى رسمها الصهيونية•• و ما زالوا••لإثبات أحقيتهم بالمدينة••تلك الحقائق التى جعلت من هذا الكتاب مرجعياً تاريخياً و أساسياً لكل باحث فى تاريخ هذه المدينة• و يؤكد “غازى” أن الحقيقة و اضحة وجلية و هى أن القدس عربية و لكن يتسأل:لماذا يقبل العرب بعد أكثر من 1400 عام من عروبة القدس ••تهويد هذه المدينة راضين بالصلاة تحت حراسة القوات الإسرائيلية من الأقصى الأسير•• و يشترون بما يتوهمونه سلاماً و مستقبلاً يكتنفه الغموض••و يستطرد الكاتب فى أسئلته : من هو صاحب الأرض ••ومن له حق السيادة عليها •• و هل يمكن لإسرائيل فى ظل ما تتمتع به اليوم التنازل عن القدس؟ و كما عودنا الكاتب فى مؤلفاته السابقة طرحه الموضوعي و رصانة الأسلوب••و سلاسة العبارة حتى يشعر و أن تقرأ الكتاب ، وكأنك تنتقل من مشهد مسرحى إلى آخر فى فصول مسرحية ممتعة، ففى الفصل الأول يتناول الكاتب• المدينة والتاريخ “المدينة والتاريخ” •• القدس من الناحية التاريخية ، حيث يعود ميلادها كمدينة إلى أكثر من 3000 عام قبل الميلاد •• ويذكر علماء الآثار والتاريخ أنه قد شيدتها إحدى القبائل الكنعانية – العمورية – التي نزحت من الجزيرة العربية ، ومنذ نشآتها تبدلت علىها القبائل والأجناس وكذلك تبدل اسم المدينة فكانت “أورشليم” وهي الصيغة العربية لاسم “أوروسالم ” ، والتي تتكون من مقطعين “أور” بمعنى موضع أو مدينة ، والمقطع الثاني “سالم” بمعنى السلام ، وفي بعض النصوص المصرية يطلق علىها “روشاليم” وسميت “يبوس” نسبة لليبوسيين وهم فرع من الكنعانيين وسميت “مدينة داود” عندما استولى علىها داود ، وورد اسمها في بعض النقوش التي تعود لعهد الاسكندر الأكبر باسم “هيروسوليما” ثم صار اسمها “إيليا كابتيولينا” في عصر الامبراطور الروماني “ايليوس هرريان” بعد أن قضى على الكيان اليهودي ، وعرفت باسم “إيليا” في أوائل الفتح الإسلامي وقيل إن من أسمائها •• إيليا ، اليا ، إيلياء و “بيت أيل” ومعناه بيت الرب ، وأيضاً من أسمائها “القرية” ، “الأرض المباركة” ، “الساهرة” بيت المقدس” ، “البيت المقدس” ، “الأرض المقدسة” ، “المسجد الأقصى” ، “الزيتون” ، وأغلب هذه الأسماء ذكرت في القرآن وأول من ذكرها باسم القدس المطران سليمان الغزي أسقف غزة والشام حوالي القرن الرابع عشر للميلاد إذ قال : (أيدعوك للقدس الخيال الذي يسري فهل لك في ترك الزيارة من عذر) • وينتقل بنا الكاتب إلى أسوار القدس القديمة التي بناها اليبوسيون العرب سكان القدس (عام 2500 ق•م) وانه منذ ذلك الوقت تنقلت الاسوار ما بين الهدم والبناء ، موضحا بذالك شكل الصراع الدائم على هذه المدينة ، ثم يتطرق إلى أن أول من سكن القدس قبائل بدائية في العصر الحجري وعثروا على أدوات حجرية من العصر الباليولوثي والعصر الموستيري ، وفي عام 400 ق•م بدأت الهجرات المنتظمة من قبل الاموريين ويذكر المؤرخون أن الكنعانيين والأموريين تحركوا في هجرة واحدة وشيد الكنعانيون القصور والمباني الفخمة وبلغوا درجة عالية من الرقي والمدنية ولكن لم يستطيعوا تكوين دولة موحدة ، مما سهل على العبرانيين الاستيلاء على أجزاء كبيرة من أراضيهم ، إلا أنه رغم ذلك لم يتمكن الإسرائيليون من بسط سلطانهم بصفة دائمة وظلوا في صراع دائم مع الكنعانيين نحو مئتي عام ، أما الفلسطينيون “ويعني أسمهم سكان المناطق المنخفضة” فقد جاءوا في الموجة الرابعة من جزيرة “كريت ” التي تسمى في التوراة بالكفتور فسكنوا الفلسطينيون بين يافا وغزة ثم توغلوا للداخل حتى جبل يهوذا أو عاشت بقايا الكنعانيين بينهم وبين بني إسرائيل • مملكة دا ود سليمان ويتعرض الكتاب لمملكة داود وسليمان وسيطرة داود على زمام الأمور لصالح بني إسرائيل بعد أن بايعوه ملكاً علىهم ، ويذكر أن بني إسرائيل منذ أيام موسى علىه السلام حتى داود كانوا يقيمون شعائرهم الدينية في خيمة تفك وتركب في أي مكان •• وتسمى خيمة الاجتماعات ورأى سليمان الاستغناء عن الخيمة بمعبد فأختار موقعاً للمعبد على جبل “موريا” جنوب شرق القدس القديمة • ويتساءل الكاتب• ماذا عن مزاعم اليهود اليوم بأن الحرم الإسلامي يقوم مكان هيكل سليمان ؟ بشهادة د • حسن ظاظا في كتابه “إسرائيل ركيزة الاستعمار” والتي تؤكد أن مزاعم اليهود لا يسندها أي دليل أو حجة على صحة ما يروجون إنما هي سلسلة من الأكاذيب بهدف هدم الحرم الإسلامي الشريف • أما تاريخ القدس في العصر الروماني في فلسطين فينقسم إلى ثلاث مراحل •• الأولى : تمتد من عام 63 ق•م بعد أن بسط “بومبي” القائد الروماني سلطانه على فلسطين وحتى نهاية الثورة اليهودية الأولى في عام 70 م ، المرحلة الثانية : وتمتد من عام 70 م وحتى عام 337 م وهو نهاية حكم الامبراطور قسطنطين “274 – 337” م ، أما المرحلة الثالثة فتمتد من عام 337 وحتى بداية الغزو العربي لفلسطين عام 634 م بقيادة عمرو بن العاص • ثم يذكر الكاتب أنه لم يتعرض في تناوله لتاريخ القدس لأحداث دموية وإضطهاد ديني منذ الفتح الإسلامي إلا في تلك الفترة التي استولى فيها الصليبيون على بيت المقدس (1099 – 1187 م) (492 – 573) وهي فترة شغلت من هذا التاريخ نحو التسعين سنة ، كذلك لم يفكر أحد بغزو القدس في فترة الفتح الإسلامي ولم يجرؤ اليهود على الإقامة في القدس خلال تلك الفترة • الاحتلال البريطاني ويذكر الكاتب خالد غازي أنه بعد احتلال الانجليز للقدس حكموها حكماً عسكرياً حتى بعد إعلان الحكم المدني ، وقد فوجيء العرب بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى بعدم تحقيق آمالهم في الاستقلال وفوجئوا بظهور وعد بلفور المشؤوم في 2 نوفمبر عام 1917 بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين •• وهذا وعد من لا يملك لمن لا يستحق ، وقد عبر العرب في فلسطين عن سخطهم •• فاندلعت الثورات والمظاهرات في أنحاء المدن الفلسطينية ، وتم تعيين مندوب سامي من قبل الانجليز من أصل يهودي والذي حظر على السكان العرب حمل السلاح في الوقت الذي زود فيه المستعمرات اليهودية بالسلاح ودربهم على القتال وجعل اللغة العبرية مع العربية والانجليزية من اللغات الرسمية وفتح باب الهجرة لليهود وسمح لهم بشراء الأراضي كيفما شاءوا • وفي 15 أغسطس قامت عدة إضطرابات عرفت باسم “ثورة البراق” عندما حاول بعض اليهود وضع بعض الكراسي والمصابيح والستائر في ساحة الحرم الشريف بالقرب من حائط المبكى وتدخلت الحكومة •• لكن ما لبثت أن اشتعلت في عهد السير “جون نشانسلر” حاكم القدس انذاك ، فعقد المسلمون مؤتمراً إسلاميا بالقدس إحتجوا فيه على تصرفات اليهود فأرسل وزير المستعمرات إلى “لجنة البراق” وبعد تحقيق في الأوضاع دام شهراً وبعد الاطلاع على وجهات النظر وعلى المخطوطات العربية وضعت اللجنة تقريراً في عام 1928 م يقرر بكل صراحة ضرورة الاحتفاظ بالوضع الراهن للقدس على عدة أسس أهمها : أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط العربي للمسجد الأقصى “المبكى” ولهم وحدهم الحق العيني فيه لأنه يؤلف جزءاً هاماً من هذا المسجد ، للمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام حارة المغاربة لكونه موقوفاً حسب الشرع الإسلامي لجهات ألبر ، أدوات العبادة التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تعتبر – أو أن يكون من شأنها ترتيب حق عيني في الحائط أو الرصيف المجاور له ، ويعتبر هذا القرار الدولي له أهمية كبرى كوثيقة دامغة لإبراز عروبة القدس • الاستيطان الصهيوني ويتطرق الكتاب لقضية الاستيطان ، حيث عملت الدوائر الاستعمارية الدولية على تعميق وتشجيع الاستيطان اليهودي لفلسطين •• ولكن الاستجابة اليهودية الأولية لمشاريع الاستيطان اقتصرت على الطبقة البرجوازية من اليهود • ويذكر أن بعض الباحثين المتخصصين في التاريخ الحديث قسموا حركة الاستيطان اليهودي إلى ثلاث مراحل هي : – الإستيطان غير المنظم ، وقد بدأت منذ ثلاثينيات القرن التاسع عشر عندما كانت صلة اليهود بفلسطين صلة دينية عاطفية تقوم على فكرة ظهور المسيح المنتظر الذي سيعيد بناء الهيكل في القدس ، وتميزت هذه المرحلة في بواكير الاستيطان بتضافر المبادرات والجهود الفردية وإتخاذها شكلاً خيرياً لتحسين أحوال اليهود في القدس ، ومن أبرز مشاريع الاستيطان غير المنظم : مشروع مونتفيوري من (1784 – 1885) ، مشروع لورنس أوليفانت (1829 – 1888) ، مشروع وليم هشلر (1845 – 1931) • – الإستيطان المنظم ، وبدأت هذه المرحلة منذ عام 1900 حيث اتخذت إدارة المستوطنات أشكالا متنوعة يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع : مستوطنات ذات صفة قومية ، مزارع تعاونية ، قرى تعاونية ،بالاضافةالي انه هنالك مؤسسات وأجهزة تنظيم عملية الاستيطان أهم هذه الأجهزة : الوكالة اليهودية (تأسست في بال 1897) ، الصندوق القومي اليهودي (تأسس في لندن 1940) ، الصندوق التأسيسي اليهودي (تأسس في لندن 1920) ، الشركة الانجليزية الفلسطينية (تأسس في لندن 1902) • – تأسيس الوطن القومي اليهودي في ظل الانتداب البريطاني •• وهذه المرحلة بدأت من عام (1922) حتى عام (1948) وقد بلغ عدد المستوطنات قبل وعد بلفور نحو 41 مستوطنة يسكنها نحو 56.000 نسمة يملكون 2.5 % من أراضي فلسطين ، بينما بلغ عدد السكان العرب نحو 700.000 نسمة وسمحت حكومة الانتداب البريطاني بإقامة مركز للوكالة اليهودية في القدس ، وكان من أهدافها الرئيسية حيازة الأرض كملكية عامة وأبدية للشعب اليهودي والاشراف على توظيف العمال اليهود والنهوض بالاستيطان الزراعي وأدت سياستها إلى ازدياد المهاجرين اليهود • وينتقل الكاتب إلى نتائج نكسة العرب في حزيران (يونيو 1967 م) ويشير إلى أنه بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية لنهر الأردن بما فيها القدس العربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان أصدر الكنيست الإسرائيلي قراراً يضم القدس العربية وتوحيد شطريها وجعلها عاصمة لإسرائيل وسادت إجراءات نازية للبطش بالسكان العرب لكي يهاجروا من القدس والاستيلاء على أراضيهم وهدم المنازل لتشريد الفلسطينيين ، ولتدعيم الوجود الصهيوني بالمدينة تركزت جهودهم حول ثلاثة محاور بعد 1967 وحتى الآن وهي •• الاستيلاء على الأراضي بهدف تبرير عمليات المصادرة والاستملاك ويلجأ الكيان الصهيوني غالباً إلى القانون الأردني المنغلق بمصادرة الأراضي من أجل المنفعة العامة ، الاستيلاء على موارد المياه •• أعلنت السلطات الإسرائيلية أن مصادر المياه في الضفة والقطاع تحت سيطرتها الكاملة •• وفرضت حظراً على ضخ مياه نهر الأردن من قبل المواطنين العرب لأسباب أمنية ثم تلا ذلك عمليات تهويد القدس والمصادرة والهجرة وغيره بالإضافة للاعتداء على المقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية • شهادات وآراء وعرض الكاتب في الفصل الأخير لشهادات وآراء بعض الكتاب والمفكرين العرب ، نافذاً منها على ثلاثة محاور : المحور الأول القدس عربية رغم الأطماع الإسرائيلية ، والمحور الثاني مؤامرات التهويد وموقف القانون الدولي•• وفي شهادة د • محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهرالشريف يقول : بأن القدس مدينة عربية إسلامية لحماً ودماً ولا يمكن لأي قوة أن تغير من وضعها التاريخي كأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومنتهى مسرى النبي وبداية معراجه للسماء ، ويواصل قائلاً : “انني مع السلام العادل الذي يأتي من مركز قوة وضد أي صلح يكون فيه ضرراً أو اذلالاً أو انتقاصاً من حقوق المسلمين • ومع المحور الثاني مؤامرات التهويد والمصادرة وموقف القانون الدولي يتحدث د • إدوارد سعيد الأستاذ بجامعة كولومبيا الأمريكية قائلاً : مضى 28 عاماً علي قيام إسرائيل بضم القدس وتعرضت جغرافيتها وبيئتها وهالتها التاريخية خلال تلك الفترة إلى تجاوزات بالغة الفظاظة وتغييرات قسرية وعبث ديمغرافي ، ويستمر قائلاً : إن العملية التي تبدأ ببث الانطباع أولاً ثم البناء والتشريد لاحقاً ، تستمر حتى اللحظة الراهنة ، وخطة إسرائيل عملياً ليس هجوماً جغرافياً فحسب بل هجوماً يستهدف الحضارة وبالطبع الدين ، إن فلسطين التاريخية كانت دوماً بوتقة متماسكة من الحضارات والأديان التي تتعايش وتتماذج على تلك الأرض واستطاعت إسرائيل أن تستفيد من صمتنا لمصلحتها تماماً مثلما استغلت لمصلحتها متغيرات الوضع الدولي من الحرب الباردة إلى الفترة التي تلتها • و ضم المؤلف كتابه الموسوعى مجموعة من الخرائط للقدس القديمة في فترات مختلفة تكون بمثابة تدعيم للحق التاريخي ليكون كتاب “القدس •• سيرة مدينة” للكاتب خالد غازي مرجعية وثائقية حقيقية حتى لا نتوه في زحام طاولات المفاوضات ولتظل القدس درب الآلام العربي والجرح الذي لا يندمل إلا بتحررها •