سيرة مدينة

 

د. مجدي محمود   

القدس •• زهرة المدائن •• مدينة الصلاة •• مهبط الرسالات •• بيت الأنبياء ، حملت على كاهلها تاريخاً طويلاً يضرب بجذوره عبر العصور إلى ما قبل الديانات السماوية ، وعبر القرون الممتدة تبرز عروبتها في ظل محنتها واغتصابها ، فهل تصبح القدس بالنسبة للعرب أرخص من السلام الإسرائيلي الذي يأتي على أكفان هذه المدينة ، الكاتب خالد محمد غازي •• غاص في أعماق القدس وجاب دروبها وجبالها وأوديتها وعاش قضاياها منذ 2500 عام قبل الميلاد وقدم لنا إبداعه ضمن كتاب “القدس سيرة مدينة •• دراسة وشهادات” • يستهل الكاتب فصول كتابه بتعريف لمدينة القدس ووصف لطبيعة المكان والجغرافيا والأهمية التاريخية والإسلامية لهذه المدينة فيقول : يعود ميلادها كمدينة إلى أكثر من 3000 عام قبل الميلاد ، شيدتها إحدى القبائل الكنعانية التي نزحت من الجزيرة العربية وتقع على هضبة غير مستوية ومتوسط ارتفاعها فوق البحر المتوسط من الغرب 2500 متر ، أما طقس المدينة قاري صحراوي وتحيط بها أودية عميقة أهمها وادي قطرون ووادي سلوان في الغرب ، ومن أهم جبالها جبل الزيتون المعروف بجبل الطور وتقع أسوار الحرم في مواجهة الجبل من الجهة الشرقية ونظراً لموقع المدينة المتميز فمنذ القدم وحتى الآن تربطها بمدن فلسطين شبكة جيدة من الطرق •• وأقامها اليبوسيون العرب- سكان القدس – وقام داود وسليمان بترميمها بعد استيلائه على المدينة •• وبعد موت داود خلفه ابنه سليمان فجمع بين الملك والنبوة •• وقد كان اليهود يقيمون شعائرهم الدينية في خيمة تفك وتركب في مكان تسمى خيمة الاجتماع ورأى سليمان الاستغناء عن الخيمة بمعبد يبنى من الحجارة بعد الاستقرار في أرض كنعان “فلسطين” ويقع الهيكل مجاوراً لقصر سليمان ومساكن أسرته ومقار الكهنة القائمين على الخدمة في الهيكل ، وأقيم الهيكل على شكل مربع طول ضلعه 180 سم وكان مكشوفاً ومغطى بصفائح من النحاس في جوانبه وتقدم إليه الذبائح • ثم يتناول المؤلف الفتح الإسلامي للقدس في الجزء نفسه من الكتاب فيقول : ليس بأمر غريب أن يفكر المسلمون في فتح بيت المقدس ، وهو البيت الذي ذكر في القرآن الكريم والأحاديث النبوية لأسباب كثيرة منها الاقتصادية والإستراتيجية فقد أسرى بالرسول الكريم إليه وقال الرسول أربعة مدائن من الجنة •• مكة ، المدينة ، دمشق ، بيت المقدس وكان الفتح الإسلامي لبيت المقدس تلاه الغزو الصليبي ثم الفتح الإسلامي مرة ثانية على يد صلاح الدين الأيوبي ثم يأتي حكم المماليك ثم الأتراك العثمانيين ثم الاحتلال البريطاني ثم الاستيطان الصهيوني الذي شجعته الدوائر الاستعمارية الدولية ، اعتباراً من القرن 19 وكان الاستيطان في بدايته غير منظم واقتصر على الطبقات البرجوازية فقط إلى أن كان بداية القرن العشرين وبداية الاستيطان المنظم بحماية من بريطانيا إلى أن بدأ تأسيس الوطن القومي اليهودي في ظل الانتداب البريطاني بداية من العام 22 حتى 48 حتى جاء احتلال عام 1967 والتي كان من نتائج نكسة العرب احتلال إسرائيل للضفة وغزة وشبة جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان وضم القدس العربية وتوحيد شطريها والعمل على تهويدها وإخلاء سكانها العرب منها • القدس بيت المقدسات وفي الجزء الثاني من الكتاب تناول خالد غازي المقدسات الدينية في القدس ، وأشار إلى أنه ليس لليهود في القدس إلا حائط المبكى وبضع كنائس وبعض القبور ، وحائط المبكى يقدسه أيضاً المسلمون ولازال حتى اليوم جزءا من الحرم القدسي أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وكثير ما حدثت خلافات بين اليهود والمسلمين من أجل هذا الحائط ، ومن أجل ذلك يزعم اليهود أن القدس ككل مدينة مقدسة وعاصمة لمملكة إسرائيل على يد الملك داود ، ونحن نعرف أخبار النبي داود من الكتابات التي جاءت عنه في المصادر الدينية مثل القرآن الكريم والإنجيل • وعن الآثار المسيحية في القدس يشير الكاتب إلى أن المسيحيين لم يكونوا بالعدد القليل بل كانوا يقدرون بالآلاف وكان لهم العديد من المذاهب وكل مذهب له معابده الخاصة ومؤسساته الدينية والاجتماعية ، وللمسيحيين بالقدس العديد من الأديرة والكنائس المسيحية ومن أشهرها كنيسة القيامة – دير السلطان – دير ماري أنطونيوس – دير ماري جرجس – القلعة – دير القديس يعقوب الكبير وغيرها الكثير • وعن المقدسات الإسلامية •• يشير المؤلف إلى أن المسلمين اتخذوا بيت المقدس قبلة قبل أن يتجهوا بوجوههم شطر مكة ، ومن أهم الآثار والمقدسات الإسلامية هى مسجد قبة الصخرة وقبة السلسلة والتي تقع إلى الشرق من مسجد الصخرة • المستوطنات و عروبة القدس وفي الفصل الثالث تناول المؤلف المستوطنات وأثرها على تقويض الهوية العربية الإسلامية فإعادة تخطيط المدينة وتدعيم المؤسسات اليهودية في القدس والهجرة إلى المدينة وبناء المستوطنات حيث تشكل الهجرة والاستيطان حجر الزاوية في الفكر الصهيوني وهو الأساس التي قامت عليه الدولة العبرية وكان لذلك أثره البالغ في طمس المعالم العربية والتاريخية والدينية للمدينة العربية •• ومن أهم الأهداف التي تطلعت إلى تنفيذها الدولة العبرية هو طرد السكان ونسف أملاكهم وعقاراتهم وفرض سياسة الأمر الواقع بضم القدس إدارياً إلى إسرائيل ونهب أملاك المقيمين والغائبين ومصادرتها وعزل القدس عن العرب والمدن العربية والسيطرة عليها اقتصادياً ، وتهويد التعليم العربي والإنسان العربي ، حيث أصدرت إسرائيل قانوناً يطبق على عرب القدس يفرض عليهم الحصول على تراخيص جديدة من إسرائيل إلى ما غير ذلك ، وتهويد النظام القضائي الشرعي الإسلامي واستحداث مدن وضواحي إسرائيلية جديدة بالقدس وإحراق المسجد الأقصى ومحاولة هدمه والحفر حوله وأسفل منه وبناء نفق تحته كل هذه الأعمال وغيرها من جانب الصهاينة سعياً حثيثاً لتهويد القدس • ثم يستجمع المؤلف في النهاية شهاداته على العصر بأن يؤكد الحقيقة والمعنى بأن القدس عربية برغم الأطماع الإسرائيلية ، فشيخ الأزهر يؤكد أن القدس عربية إسلامية لحماً ودماً ولا يمكن أن تغير من وضعها التاريخي كأولى القبلتين وثالث الحرمين والشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الراحل يقول إن إسرائيل تمارس افتراءً على الحق والقانون وهو أمر يدعو للعجب ولابد أن يقوم المجتمع العربي والإسلامي والدولي وإذا كانت الأمم المتحدة وهيئاتها تقف عاجزة ولا تتحرك لمجابهة مثل هذا العدوان الصارخ فأين الجهد الجسماني للعرب والمسلمين ، ويقول البابا شنودة أننا عرفناها في الكتاب المقدس وهى أرض الموعد وكل ما نريد التفكير فيه أن نعطي لكل ذي حق حقه ونرى أن الوجود الإسرائيلي ووقوفهم ضد الحق يحتاج إلى وقفة صلبة لقوى العالم • ويستطرد المؤلف ليحصد آراء أئمة وعلماء كثيرين ومفكرين منهم د• أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر ، والراحل د • أحمد شلبي أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية ، ود • عبد الوهاب المسيري خبير الدراسات اليهودية ، د• محمد عمارة الكاتب والمفكر الإسلامي ، ود • يحيى الصباحي أستاذ القانون الدستوري بالقاهرة ، ود • محمد سيد أحمد الكاتب والمحلل السياسي •• وغيرهم الكثير •• الكل أجمع على عروبة القدس وضرورة حصولها على حقوقها المشروعة •