د. خالد محمد غازي
وسائل الاعلام أداة للتواصل، وحمل رسائل فيما بين الشعب والسلطة الحاكمة.. وتكاد تكون في عالمنا العربي المنبر الوحيد الذي ترفع فيه الأصوات.. ومن هنا سعت السلطة الحاكمة إلي استثمار هذه المنابر خلال السماح لأنصارها وتابعيها والمغردين لها، بالتواجد من خلال القنوات التليفزيونية الرسمية أو الصحف التي تملكها الحكومة او تشرف عليها أو تدعم وجودها واستمرارها. ومن خلال هذه الوضعية تصدرت أسماء إعلامية واجهة المشهد؛ حتي لو كانت ذات صوت عال.. أو حضور جذاب.. أو حضور فج؛ المهم لكل أطيافه التي يجتذبها وينال رضاها.. وفي عهد الرئيس السابق حسني مبارك كانت هذه هي الحال.
ولا تزال الحال قائمة مع تبديل وتغيير لإكساب المشهد نفحة جديدة.. فهناك من أذيال الحرس الإعلامي القديم الذين ركبوا موجة الثورة وبدلوا مواقفهم – كما يبدلون ثيابهم التي يظهرون بها أمام الجمهور وكاميرات التصوير – فأصبحوا بقدرة “العلي القدير” مع الثورة ويؤيدون شبابها ومطالبهم المشروعة، وأن العهد السابق كان فاسدا.. كان فاسدا رغم أنهم كانوا يتصدرون مشهده ويأكلون علي موائده وحققوا أعلي مكاسب معنوية ومادية، يمكن أن يصل إليها قليلو الموهبة كثيرو الثرثرة والنفاق أمثالهم .. هؤلاء لا يرون إلا ذواتهم المتضخمة، ومن اختلف معهم فهو إما صاحب أجندة خارجية، أو متآمر.. يتشدقون بالرأي والرأي الآخر وهم من أكثر الناس تلوُّنًا.
أبدا لم يستحوا من تبديل الأقنعة. في ظل إقصاء متعمد لأصحاب الفكر الحقيقي والمواهب الحقيقية.
وها هم من يدعون الفهم والوطنية يستنفرون مرات ومرات.. مرة عندما شكل المجلس العسكري لجنة تعديل الدستور وضمت ثمانية من أقطاب القانون الدستوري المجمع لهم بالكفاءة والوطنية؛ فألمحوا للطعن عليهم.. وأثاروا الزوابع حول: هل يعدل الدستور أم يتم إنجاز دستور جديد؟.. ومرة يشككون في المجلس العسكري وسماحه للمتظاهرين بالتواجد في ميدان التحرير.. وأخري يشككون في طريقة تعامل المجلس مع التيار الإسلامي والإفراج عن المعتقلين الإسلاميين.
وأخطر ما يواجه أى ثورة أن تتسلق على هامشها فئة لها مصالح فى التهييج الجماهيرى والتقليل من الإنجازات على أرض الواقع، واستعجال الأمور، والاستخفاف بالآخر، ونسب النجاح إلى أنفسهم.. هؤلاء مصالحهم تتنافي كليةً مع أى توجه للاستقرار والسلم الاجتماعى، وتنفصل هذه المصلحة بطبيعة الحال عن المصلحة العامة التى تقتضى استقرار الأمور ووضوح الرؤية والتصالح والعمل المشترك.
لكن كل الأطياف السياسية والشعبية المتباينة تدرك جيداً أن مصلحتها فى المضى فى طريق الإصلاح والثورة على الفساد وبناء ما قد تهدّم.
ان احتلال “أخبار المحاكمات وفساد رجال النظام السابق” مساحات شاسعة من الإعلام المرئى والمسموع والمكتوب، أصبحت فوق احتمال المصريين.. فالتأخير في الإمساك بالفاسدين يجعلهم يرتبون أوراقهم. فالمطلوب إذن التعجيل بمحاكمة من سرقوا قوت الشعب وتضخمت ثرواتهم بطرق غير مشروعة، حتى يشعر الناس بالرضا لما تحقق.
فمن المفترض أن يحدث ذلك بسرعة، حتى لا نترك النفاق الإعلامى يعيث بنا فسادًا، وحتى لا نترك الناس البسطاء فريسة لهؤلاء المنافقين من الإعلاميين والمتحولين فى المواقف، والذين يجب أن نطلق عليهم “إعلاميون فى خدمة من يحكم”، دافعوا عن الرئيس مبارك وحكمه دفاعاً مستميتاً وسبحوا بحمد إنجازاته وعطائه ووطنيته، وبعد أن أسقط الشعب الرئيس، انهالوا على صوره طعنا بالسكين، وتحولوا من مدحه إلى سبه، ومن الخنوع إلى النفاق. نسوا ما كتبوه فى صحفهم.. وتناسوا ما قالوه على شاشات التليفزيون، وكأن الناس بلا ذاكرة.
هؤلاء، ألا يجب محاكمتهم مهنياً وأدبياً بالكلمة والصوت والصورة والتشهير بهم؟ ووضعهم في القائمة السوداء؟
نعم يحق للذين انتقدوا الرئيس السابق حسنى مبارك وهو فى الحكم أن يهاجموه الان، ولكن لا يحق لمن نافقه أن يهاجمه الآن.
أيها الأفاضل.. هناك شيء اسمه الشرف المهني؛ ألا تسمعون عنه؟.. الوطن باقٍ.. والحكام زائلون.
إنني أخشي علي الثورة من ابتزاز المنافقين والمتلونين.. ألستم معي