المنتهى الأخير .. رحلة عشق وتصوف

 

صدرت عن وكالة الصحافة العربية _ مصر الرواية الأولى للكاتب خالد محمد غازي ، وهي رواية كتبت بلغته الشعرية المعروفة عنه وتتحدث عن مجموعة من الحيوات ، وتضم بين دفتيها قصص حب متنوعة لنساء مختلفات ، لكن الحب الأعظم الذي كان يحمله بطل الرواية بين جوانحه لشخصيتين محوريتين من شخصيات الرواية أكثر من الأخرين ا جده رجل الدين والفقيه المتصوف الباحث عن الضوء المنبعث من داخل النفس الإنسانية والذي يمدنا بالقوة والعزيمة لمواجهة الحياة والانتصار على مبادلها
الحب الثاني ،الذي نراه متواصل الاشتعال بالرغم من انتهاء قصص حب الأخريات ، حب الحفيد لشهرزاد والتي يظنها القاريء في بداية قراءته تلك البطلة الأسطورية مؤلفة الحكايات الألف والمتحدثة الذكية التي استطاعت بفطنتها وذكائها أن تنقذ نفسها من انتقام شهريار ، بعد مضينا في قراءة الرواية ندرك أن شهرزاد لم تكن سوى امرأة فلسطينية مكافحة شهدت الاستيطان الصهيوني لبلادها ، ورأت بأم عينها كيف أباد الاحتلال الصهيوني قريتها ( سلمة ) بكل سكانها
شهرزاد تقص على مسامع الحفيد قصصها الجميلة ، تبعث له برسائلها ، تخبره عن جميع الأمور التي تهم البلاد العزيزة فلسطين ، عن النضالات المستمرة وصور الكفاح المتعددة ، والرغبة القوية في مقارعة الأعداء ، تخبره عن طرق العيش وكيف يتقدم الرجل الفلسطيني طالبا الزواج ، الرسائل هذه تكتبها شهرزاد بأسلوب جذاب ، ينقلنا أحيانا إلى الماضي العريق عند استشهاد سلمة في عهد الرسول الكريم ، وندرك بذلك لماذا سميت قرية شهرزاد باسم سلمة، تلك المتحدثة الساحرة تصحب الحفيد ، بطل الرواية معها لتريه عالمها ، كل درب ، وكل شارع ، حيث أشجار الصنوبر تحتضنها البيوت الحديثة ، تصحبه ليرى الدير ويرى المسجد فندرك أن التعايش الديني موجود في فلسطين كما البلدان العربية الأخرى منذ القدم
تمتعنا الرواية بقصص قصيرة عن حكايا حب عاشها البطل مع نساء متعددات ، فهذه ( أمنية صفوان ) أحبها الحفيد منذ أن كان فتى ، قبل عشرين عاما ، لكنها تخلت عنه ، عندما طرق بابها أول رجل طالبا يدها للزواج ، فيخاطبها البطل قائلا :
( لست أنت منتهاي ، لقد ضعت ، وليس هناك من يسير وراءك ، وليس هناك فنار يهديك ، أكملي الرحلة )
( نهى فتحي )الفتاة المثقفة قارئة الكتب ربط الحب الجميل بينها وبين الحفيد ، لكنه سيتركها هذه المرة : ( هل كان علي أن أبقى معك كل العمر ؟ ما الذي سأقدمه لك يا نهى غير نزقي وشبقي العارم ) ثم يعترف لها أخيرا :
نهى ، عندما أدركت فقدك ، بكيت كثيرا ، عضضت على يدي ندما ، سكرت ، ضعت ، عرفت نساء كثيرات ، لكن لم أعرف حنانك أو صدقك أبدا ، ما جدوى اعترافي الآن ؟ )
(بثينة عز الدين) ذات الرقص الماجن والرغبة المستعرة والأنوثة المتفجرة ، كانت كلمات العاشق كلما احتاج إلى بلاغتها فتبدو مجرد ثرثرة ، فيسائل نفسه هل عليه أن يفرح لانسلالها من بين يديه ( حبنا المزعوم لم يكن إلا محض رغبة ، أشعلت جسدينا ، هيمنت على حواسنا )
(نادية شوكت ) تلك المراة التي أتقنت الخداع وقامت بدور المتدينة الورعة خير قيام ، ارتبط الحفيد بها عن طريق الزواج ، وإذا به يكتشف أنها مجرد مدعية
هذه القصص المتعددة كانت حكايات حب قصير الأمد ، والحب الطويل الثابت المستقر كان لشهرزاد
الجد الورع التقي الشيخ ( عوض ) المناضل من أجل الحقيقة ذهب إلى فلسطين للتبحر بالعلم والتقرب إلى الله ، هذا الشيخ الجليل سعى أن يكون حفيده صنوه في هذا المضمار ، متيقنا أن ذلك الحفيد ربما يشبهه ( لذا لن أقول لك ما معنى شيخ ، عليك أن تدركها بنفسك وأن تبدأ من حيث انتهيت أنا )
الشيخ الجليل الذي أحبه تلاميذه ومريدوه ، جعل الصبر زاده ، والرضا مطيته ، والحق مقصده ) لم يحرم هذا الشيخ الحلال ، وانما تمتع بكل ما وهبه الله لبني الإنسان من نعم ، أحب زوجته الثانية ( فوزية ) حبا عظيما مع أنه يكبرها بأكثر من عشرين عاما ، تزوجها ثلاثة أعوام فقط ، كان مدة مرضها يجلس كل يوم ، بعد صلاة العشاء ، يضع يده على رأسها ، ويقرأ لها آيات من القران الكريم ، لم يستطع الشيخ صبرا على فراق من يحب ، في الأيام الأولى لذلك الفراق ، نبش قبرها ، وأخرج الحجارة حجرا حجرا وكان لم يمض على دفنها إلا أسبوعان ، يحتضنها بكفنها ويبكي ،وظل كذلك وقتا ، ثم أدخلها قبرها ، انه موقف إنساني جميل يجعل الشخص المؤمن يحب ويعشق مهما بلغ من العمر ، ومهما بلغت درجته في الورع والتدين والتقرب من الله
المنتهى الأخير رواية ممتعة جمعت الموت والحياة ، العشق والتصوف ، بأسلوب شاعري أخاذ ، ملك علي الفؤاد ، ما إن انتهيت من القراءة الأولى حتى عاودتني الرغبة لان اقرأها من جديد واجد نفس المتعة التي صحبتني في القراءة الأولى.

  صبيحة شبر
كاتبة عراقية مقيمة في المغرب