( المنتهي الاخير )التصوف والعشق والتاريخ للحفر في الذاكرة و الوجدان

 

( المنتهي الاخير ) هي الرواية الاولي للكاتب المصري خالد غازي التي صدرت مؤخرا عن وكالة الصحافة العربية بالقاهرة ، والرواية حافلة بالاحداث والتواريخ والحياة والموت والحب والتصوف ، اختزلت بين سطورها حيوات كبيرة لابطالها ، الشيخ المتصوف ولي الله الذي قضي عمره في ترحال بين المشرق والمغرب يسأل عن الحقيقة وينظر الي الدنيا كسجل كبير حتما له نهاية ، ولاخلاص للانسان الا بنقطة ضوء يكتشفها بداخله ، فتضاء له الروح في عالم ملكوتي له حلاوته لمن يدركه ، ولأن الحياة صنو للموت فالجد يترك لحفيده وقع خطي من نور ، يسعي لأن يقتفيها وهذا ليس بالامر الهين فالدنيا لها مخالبها التي لا تصالح وتأتي شهر زاد في الرواية لتحكي لنا حكايات الحب والحقد والاغتصاب الصهيوني لفلسطين ممثلة فيي قرية فلسطينية آمنه اجتاحوها بحقد وغل ، وحمل الناس ارواحهم قرابين للشرف والحرية عن هذه الرواية.

يقول الناقد المغربي د محمد أمنصور: ما إن ينتهي القارئ من قراءة هذه الرواية حتي تتحرك فيه شهية البدء من جديد إعادة قراءتها للإمساك بخيوط السرد الشهرزادي ( المنتهي الاخير ) رواية للحفر في الذاكرة و الوجدان تتوازي و تتقاطع فيها الحالة الصوفية مع الحالة العشقية ، وكذلك الوضع التاريخي مع الوضع السياسي لفلسطين هي مناجاة طافحة بلغة شعرية نفحات صوفية وقائع وأحداث تبدو للوهلة الأولي مفككة ، لكن تقنية الكولاج و التناوب بين الصوت الوجداني و الصوت التوثيقي تمنحها وحدتها العضوية الشفافة و تجعل من فعل القراءة طبقا متنوعا من الحكايات و السرد المشوق المتراوح بين الماضي و الحاضربين فلسطين و مصر بين الكتاب القديم لتاريخ قرية سلمة رمز الأرض المغتصبة ، وكتاب الحب ، حيث سلطة الاستعادة مركزة في اتجاه المعشوق .

ثمة خطوط سردية متوازية ملموسة رحلة في قرية سلمة و جامع الشيخ سلمة وتاريخ و أخبار سلمة مع الانجليز و اليهود يتم رصدها من خلال رحلة الجد الأكبر إلي بلاد فلسطين في المقابل ، هناك رحلة قلبية في الذكريات وراء حواجز الزواج و عوائق الآخر ، أي في قلب تاريخ القلب رواية ( المنتهي الاخير ) تمزج بين نجوي الرسائل وصرامة الوثائق لتلف حكاياتها المتنوعة و المتدفقة في قالب سردي مفتوح هو توليف بين دفتر حكايات قديمة وأخري تشع بنبض الحاضر لتتقدم جميعها في سلاسة لغوية مشوقة عرف خالد محمد غازي القاص و الصحفي كيف يسجل من خلالها نقطة بداية مشجعة في مملكة الرواية الشبيهة بغابة غامضة قارئ ( المنتهي الاخير ) يستمتع بهذا العمل الجاد بكل ما يقترحه من أطباق عاطفية وتاريخية ووجدانية ، وكذلك بما ينجح فيه من تحريض علي السؤال وفي دراسة له عن الرواية يقول الناقد د هشام العلوي : فوجئت بالحداقة الفنية التي شذبت بها المادة الروائية علي تشابك عناصرها واختلاف منابعها، وكذا بالخبرة السردية التي حككت بها فطرتك في الحكي والكتابة إنني كنت ألفي عند قراءة قصص ” خالد غازي” المنتظمة ضمن مجموعتيه القصصيتين ( أحزان رجل لا يعرف البكاء) و( الرحيل عن مدن الهزائم) نفسا روائيا لا تتسع له أحيانا حيزية القصة القصيرة، ويحجمه التكثيف والاقتصاد اللذان يقتضيهما هذا الجنس إنني أقول بكل إخلاص، إن القصة في حالة ” غازي ” ليست سوي شكل عبوري أو عتبة فنية إلي جنس الرواية من المؤكد أن الكاتب يمتلك أصالة في الكتابة تقيه من خزي التقليد والمحاكاة، وبالتالي فإن صوته لا يختلط علينا نبرته طي أصوات وتجارب اعتدنا سماعها، ولا يمكن للقارئ المتتبع أن يصنفه في خانة “سبقت قراءته”، التي تسم معظم ما تعج به السوق الإبداعية والنقدية العربية ويضيف د العلوي : تنبهت، كذلك، إلي أن رواية “المنتهي الاخير ” تشي من حيث بنائها السردي بتقنية قلما تعاطي معها الكتاب المصريون، إلا وهي تعدد الأصوات والسجلات اللغوية أو الحوارية أو “البوليفونية”، التي كاد باختين أن يشرط بها أسلوبية الرواية ومن ثمة، المكون الصوفي المناقبي الذي وُفق بامتياز في سبر مضايقه، والتعبير عن وجدانه، وتشخيص مواقفه وأحواله وهي معرفة لا يضاهيها سوي انهماك الكاتب الواعي باللغة وهي تستغرق الدقائق والتفاصيل، وتنفذ إلي المغالق في الحس والعاطفة والفعل أما بخصوص التاريخ، الذي لا يخفي علي القاريء علاقته الرحمية بالرواية، فإن وقائعه وزمنيته ومواقفه تكاد تستحيل قيما نصية خالصة، ووحدات جمالية ليس إلاَّ وهذا جيد .

لا أشك في أن “المنتهي الاخير ” بلغتها العربية الرصينة وعوالمها الحكائية، ستستثير شهية القراء والنقاد وأنا واحد منهم ، إنه عمل مثير للجدل يمجد الروح وينبع من تجربة متقدة لا يقبرها التراب .

 د.حازم محمود