المنتهى الأخير هي الرواية الأولى للصحفي،والقاص، والباحث المصري،خالد محمد غازي .تبدأ بجملة تعيدنا إلى أجواء( ألف ليلة وليلة)،وأسلوب القّص الشهرزادي المغوي :بلغني أيها الملك السعيد ،أنك ستداري قصّتي معك ،كما يداري أمير عشقه لبائعة الورد ، سترمي أوراقي في درج مجهول،قائلاً إنها ليست لك…
من هي هذه التي تخاطب الملك السعيد،ومن هو الملك السعيد؟إنها ليست شهرزاد، كما إنه ليس شهريار،ولكنهما بشر يحيون في زمننا،ويقصّون حكايتهم بتقاطعات سرديّة،تكشف الستار عمّا خفي من الغدر ،والخيانة،والتنكّر للحّب والثقة ،ولعلاقات حميمة كانت ذات زمن.
بعد المدخل الشعري الشهرزادي الافتتاحي الاستدراجي، ينتقل بنا الروائي إلى مقطع يسرد شيئا من الواقع،فالتي تخاطب الحبيب،الملك السعيد ،هي فتاة،وهو فتى،وبينهما بدأت علاقة حّب ذات يوم، عاشاها معا ذات زمن ،وافتراق لأنها باتت عبئا على حبيب خذلها،وانتهى أمره مراوغا: أتعبني الرجوع إلى قطار عمري ..ثمّ : لمّا التقينا جعلتني أتذكّر أن لقاءنا الأول كان منذ عشرين عاما .
أتذكرين ذلك الولد المشاغب ..والبنت ذات الضفائر..هو أنا ، وهي أنت ..
في المقطع الثالث،والرواية مكتوبة بطريقة المقاطع السريعة، فيها تهويمات شعريّة،وصوفيّة،والحّار فيها حكاية الجّد المصري الصعيدي المتصوّف صاحب الكرامات الذي يزور فلسطين،ويبقى للأحفاد ذكره العطر، وهو هنا الجّد الرائي الذي يضع فلسطين نصب عينيه ،فكأنما يوصي الأحفاد بالتنبّه إلى ما يتهدد فلسطين،وأن يحملوا همّها لأن مصيرهم يتعلّق بفلسطين التي كانت دائما بوّابة مصر.
في الرواية وقائع من حرب 1948،وسرد لملحمة بلدة ( سلمة ) الفلسطينيّة،التي اشتهرت معارك أهلها في الدفاع عنها،والتي ما زال الفلسطينيون يستعيدونها كبرهان على شجاعة الناس الذين دافعوا عن أرضهم،وأوقعوا الخسائر في صفوف عدوهم،بسلاحهم المتواضع لنقل المتخلّف والقديم_ غير المتكافئ مع ما يملكه ذلك العدو من آلة عسكريّة مدمّرة .
يعود الكاتب بالقارئ إلى أجواء القريّة،وحكاياتها الشعبيّة،ومزاراتها،وأصولها التاريخيّة،ونشأتها،واسمها الذي أخذته من الصحابي الجليل (سلمة بن هشام بن المغيرة)،الذي استشهد في معركة ( أجنادين).
وخالد محمد غازي سبق وأعدّ كتابا وثائقيّا هّاما عن مدينة ( القدس)،وهو متابع للشأن الفلسطيني،ولذا ليس مستغربا أن يكتب بهذه الحرارة ،وبعمق الانتماء لفلسطين وعروبتها .
الإشارات التي ثبّتها المؤلّف في ختام الرواية يمكن أن تساعد على تفكيك خيوطها المتداخلة،وتعين على معرفة مرجعياته في كتابة روايته.
هذه الرواية التي صدرت في العام 2005 وأعيد إصدارها في طبعة ثانية في العام2007 ، تؤكّد على أن الموضوع الفلسطيني لن يغيب عن الحضور شعرا ونثرا، وأنه سيبقى حاضرا في الوجدان الثقافي العربي ،رغم كل ما لحق بالقضيّة الفلسطينيّة، وبصورة الفلسطيني بسبب الصراعات الداخليّة في الفترة الأخيرة.
في هذه الرواية كّل ما يمكن أن يجعلنا نعد أنفسنا بأن يبدع هذا الكاتب أعمالاً روائيّة يتجاوز فيها عمله الأوّل المبشّر بروائي عربي موهوب وجّاد،خاصةً وقد تمرّس في كتابة القصّة القصيرة وقدّم مجموعتين قصصيتين حظيتا باستقبال طيّب من النقّاد والقرّاء.
رشاد أبو شاور