رغم أن فاطمة رشدي تألقت في السينما كما تألقت في المسرح، واعتبر فيلم «العزيمة» التي قامت ببطولته من أهم ١٠٠ فيلم على مستوى العالم ولم يحصل فيلم عربي بعد ذلك على مكانة كهذه.. إلا أن المسرح بالنسبة لها هو الحب الأول والأخير التي أخلصت له في البداية كما في النهاية، ولذا نجد أنها مثلت في أدوار البطولة في أكثر من مائتي مسرحية على مدى حياتها كلها، بينما اقتصرت الأفلام التي لعبت أدوار البطولة فيها على ١٦ فيلمًا وكانت السينما بالنسبة لها محطة مرور عابرة تعود إليها بين وقت وآخر.. تتخللها فترات انقطاع تطول أو تقصر.. وتُعد فاطمة رشدي واحدة من أربع سيدات رائدات في مجال السينما: عزيزة أمير، بهيجة حافظ، أمينة محمد، لم تلعب السينما في حياتها إلا جانبًا ضئيلًا جدًا بجانب الدور الذي لعبته في المسرح، فلولا فيلم «العزيمة» الذي قامت فيه بدور البطولة عام ١٩٣٩ ما كان لها دور يذكر.
وقد بدأت السينما في مصر عام ١٩٢٧، وبدأت فاطمة رحلتها مع السينما بالفيلم الصامت «فاجعة فوق الهرم» الذي أخرجه بدر لاما ووداد عرفي عام ١٩٢٨ ويُعد هذا الفيلم هو الثالث في تاريخ السينما المصرية، فقد سبقه فيلما «ليلى» و«قبلة في الصحراء».. وقد اتجهت الممثلة الكبيرة للسينما بعد أن حققت شهرة واسعة في المسرح، ولأنه استهوى الناس كاختراع عجيب، فقد تسابق كثير من أصحاب رؤوس الأموال، لاستثمار أموالهم فيه، مما أثر سلبًا على الفرق المسرحية الشهيرة الصيت وقتها، لأنها لم تكن تعمل غالبًا إلا شهور الشتاء، فإذا جاء الصيف راح كل ممثل أو مؤلف أو مخرج يبحث عن مصدر يرتزق منه.. إلا أن السينما تظل على هامش حياة الممثلة الكبيرة، فكانت تعود إليها بين فترة وأخرى.. ثم تنقطع عنها وتعوَّد إليها مرة أخرى.
وفيلم «فاجعة فوق الهرم» فيلم صامت من أفلام المغامرات من إنتاج شركة «كندور فيلم» وإخراج إبراهيم لاما وبطولة بدر لاما ووداد عرفي والمعروف أن فيلمها الثاني الذي قدمته هو فيلم «الزواج» الذي عرض في ١٩ يناير ١٩٣٣ لكنها تقول: «إنه الفيلم الثالث، فقد كان الثانى بعنوان «تحت ضوء الشمس” من إنتاجي وإخراج وداد عرفي الذي قام فيه أمامي بدور البطولة، وهو فيلم لم ير النور، لعدم رضائي عنه فنيًا.. لقد عرض عليّ الفيلم في عرض خاص لم يعجبني فحملته وذهبت إلى صحراء مصر الجديدة، وأحرقته وأنا راضية، ولم أعبأ بالأموال التي أنفقتها على هذا الفيلم.
وجاء فيلمها «الزواج» وهو يحمل رقم ١٩ في قائمة الأفلام المصرية، فهو من إنتاج وتأليف وإخراج وتمثيل فاطمة رشدي.. صورت مناظره في باريس وإسبانيا ومصر.. قام بدور البطولة أمامها محمود المليجي وعلي رشدي.
وإذا أغفلنا فيلم «تحت ضوء الشمس» من قائمة أفلامها، لأنه لم يعرض على الجمهور فإن الفيلم الثالث يكون فيلم «الهارب» الذي عرض في أول أكتوبر ١٩٣٦ وهو فيلم من إخراج إبراهيم لاما قامت ببطولته أمام بدر لاما والراقصة امتثال فوزي وعبد السلام النابلسي وكان دورها فيه دور فتاة فلسطينية بينما قام بدر لاما بدور فلسطيني فدائي مناهض للسلطات البريطانية في فلسطين.
والفيلم الرابع «ثمن السعادة» الذي عرض في يوم ٥ مارس ١٩٣٩ وهو ميلودراما عاطفية من تصوير وإخراج ألفيزي أورفانيللي، قامت ببطولته أمام حسين صدقي.
ويأتي بعد ذلك الفيلم الخامس «العزيمة» الذي يحمل رقم «١» مع مخرجه وكاتب قصته السينمائية كمال سليم.
ولم تعمل مع كمال سليم مرة أخرى إلا في الفيلم السادس «إلى الأبد» الذي عرض في يوم ٣ مارس ١٩٤٠ عن قصة مقتبسة بقلم سليمان نجيب قامت فيه بالبطولة مع راقية إبراهيم وسليمان نجيب وزكي رستم وعباس فارس، وظهر فيه عزيز عيد للمرة الأولى والأخيرة على الشاشة في دور عربجي حنطور.
وكان هناك فيلم آخر كان سيقوم بإخراجه لها كمال سليم، وهو الفيلم السابع «العامل» الذي أخرجه بدلا منه أحمد كمال مرسي عن قصة وسيناريو وحوار حسين صدقي ومحمد عبد الجواد.. وقامت ببطولته مع حسين صدقي وزكى طليمات وثريا حلمي.
والتقت بعد ذلك في فيلمين مع يوسف وهبي.. الأول وهو الفيلم الثامن «الطريق المستقيم» ١٩٤٤ من إخراج توجو مزراحي وتمثيل يوسف وهبي وأمينة رزق وسلوى علام ومنسَّى فهمي وبشارة واكيم وعبد المجيد شكري وفردوس محمد.
والثاني هو الفيلم التاسع «بنات الريف» الذي قام يوسف وهبي بتمثيله وإخراجه عن إحدى مسرحياته المعروفة بهذا الاسم.
منتجة سينمائية
وقد تزوَّجت فاطمة بعد طلاقها من كمال سليم من تلميذه محمد عبد الجواد، الذي أخرج لها ثلاثة أفلام.. وهي الفيلم العاشر «غرام الشيوخ» المأخوذ عن مسرحية «الأستاذ كلينوف» قامت ببطولته أمام منسَّى فهمي ويحيى شاهين.
والفيلم الحادي عشر «مدينة الغجر» الذي قامت ببطولته مع أنور وجدي ومحمود المليجي وزوزو ماضي وعبد العزيز خليل.
والفيلم الثاني عشر «الريف الحزين» مع يحيى شاهين ودولت أبيض ومحمود المليجي وعبدالعزيز أحمد.
وقد شاركت في إنتاج الفليمين الأخيرين.. والفيلم رقم «١٣» وهو بعنوان «الطائشة» من إخراج إبراهيم عمارة قامت ببطولته مع يحيى شاهين، وحسين رياض ومارى منيب..
وكان الفيلم الرابع عشر بعنوان «عواصف» من إنتاج عام ١٩٤٨ قام بإخراجه عبد الفتاح حسن، واشتركت في تمثيله مع يحيى شاهين، وزكي رستم وعباس فارس وزينب صدقي وزوزو نبيل.
والفيلم رقم «١٥» هو فيلم «الجسد» إخراج حسين الإمام وهو أول فيلم قدم فيه هند رستم في دور البطولة، وجاء بفاطمة رشدي كممثلة قديرة لتقف في هذا الفيلم بجانب الممثلة الناشئة في ذلك الوقت..
وكان الفيلم السادس عشر والأخير فيلم «دعوني أعيش» عام ١٩٥٦ من إنتاج وتمثيل ماجدة، وإخراج أحمد ضياء الدين بالاشتراك مع كمال الشناوي ومحسن سرحان وصلاح ذو الفقار..
ومن بين هذه الأفلام الستة عشر كان هناك أربعة أفلام من إنتاجها، فيلمان أنتجتهما وحدها، وأحرقت أحدهما وهو «تحت ضوء الشمس» والثاني هو “الزواج” وفيلمان شاركت في إنتاجهما وهما «الريف الحزين» و«تحت ضوء القمر».
إذا كانت فاطمة رشدي قد قدمت عددًا قليلًا من الأفلام «١٦» فيلمًا سينمائيًا في ٢٨ سنة، بينما بلغ رصيدها في المسرح نحو «٢٠٠» مسرحية، وذلك لأنها أخلصت للمسرح، فكان عشقها الأول، ولم تنقطع عنه منذ أن التحقت بفرقة رمسيس.. بعد أن تكونت إثر سفر عزيز عيد إلى إيطاليا ليقنع يوسف وهبي بالعودة إلى القاهرة، حيث كان يدرس هناك.. وعاد عزيز ويوسف وهبي ليكوِّنا الفرقة بعد أن ورث وهبي عن أبيه عبد الله وهبي باشا ثروة جيدة.. وكانت فاطمة وقتها تغني في كازينو البوسفور.. ولم تكن تعرف أى شيء عن ذلك العالم السحري «المسرح» إلا بعد أن حدثها عنه عزيز وعرض عليها أن تنضم للفرقة؛ فكانت هذه أول خطوة حقيقية لها للإبحار في عالم النجومية.
وقد افتتحت فرقة رمسيس أولى مسرحيات موسمها الأول على مسرح «ريتش» بشارع عماد الدين مكان مسرح الريحاني حاليًا- بمسرحية «المجنون» في مساء يوم ١٠ مارس عام ١٩٢٣ وكان عزيز عيد هو مدير الفرقة الفني، وكانت فاطمة قد كبرت قليلًا، وأصبحت في الخامسة عشرة من عمرها، فألحقها بالفرقة وكانت تقوم بأدوار البطولة النسائية في الفرقة وقتئذ روزاليوسف، فأسند إلى فاطمة أدوار الصبيان التي كانت تتفق مع عمرها في ذلك الوقت كأدوار «توني» في مسرحية «الذهب» لتشارلز ديكينز «وابن المهرج» في مسرحية «المهرج» و«ولي العهد» في مسرحية «لويس الحادى عشر».
كانت فاطمة موهوبة بفطرتها، فهي لم تكن تعرف القراءة أو الكتابة. فوجدت في عزيز عيد معلمًا وأبًا وأستاذًا وزوجًا فقد تعهَّدها بالتدريب والتهذيب والتعليم، وساعدها على تقويم لغتها في الإلقاء.. وكان ينتهز وجود فرق مسرحية عالمية في القاهرة، ليصطحبها معه لمشاهدة هذه الفرق.. وكان عزيز دائمًا يحدثها عن الممثلة الفرنسية العظيمة سارة برنارد، وعن أدوارها الخالدة، فتأثرت بها أشد التأثر في التمثيل، حتى اشتهرت فيما بعد بلقب «سارة برنار الشرق» التي قدمت بعض أدوارها الخالدة والتي تألقت بطلة في رواية «توسكا»، و«النسر الصغير»، و«غادة الكاميليا»، و«الحقد»، و«اللهب» و«الجبار» فحققت نجاحًا وشهرة واسعة.
ولما اعتزلت روزاليوسف المسرح في عام ١٩٢٥لتصدر مجلتها التي صدرت منذ ذلك التاريخ باسمها، جاءتها الفرصة لتتقاسم تمثيل أدوارها في فرقة «رمسيس» مع زميلاتها في ذلك الوقت: زينب صدقى، وأمينة رزق، وعزيزة أمير.. وبعد ذلك انفصلت فاطمة وعزيز عن فرقة «رمسيس» وكونا فرقتهما الخاصة التي عرفت باسم «فرقة فاطمة رشدي المسرحية» عام ١٩٢٦ وافتتحت موسمها الأول بمسرحيتي «الحب» تأليف سارة برنار وترجمة حبيب جاماتي و«روكامبول» ترجمة أحمد جلال.. ثم واصلت الفرقة تقديم مواسمها في القاهرة والأقاليم.. واشتهرت برحلاتها إلى الدول العربية عامًا بعد عام وبعد أن عثرت على ممول مليونير اسمه «إيلي الدرعي».. وترددت بعد ذلك الشائعات حول وجود علاقة بينه وبين صاحبة الفرقة جعلت عزيز ينفصل عنها بالطلاق.. بعد أن رزق منها بابنتهما «عزيزة» الفنانة التشكيلية التي أقامت في لندن.
وكانت المنافسة على أشدها بين فرقتي «فاطمة رشدي» و«رمسيس» حيث تقدم الفرقتان مسرحية واحدة في وقت واحد مثل «يوليوس قيصر» و«الوطن» و«هاملت» و«المائدة الخضراء» وامتدت هذه المنافسة إلى درجة أنها كانت تمثل أدوار الرجال التي يقوم بها يوسف وهبي كدوري «هاملت» و«أنطونيو» كما مثلت دور «مجنون ليلى» أمام زينب صدقي في دور «ليلى» ودور شاب مراهق في مسرحية اسمها «توتو» ودور الفتى المغامر «روكامبول»..
والملاحظ أن الفرقة كانت تقدم المترجمات من روائع المسرح العالمي مثل «غادة الكاميليا» و«أنَّا كارنينا» و«البعث» و«سالومي» و«جان دارك» و«سلامبو» و«الوطن» و«مانون ليسكو» والتاريخيات مثل «أحمس الأول» و«كليوباترا» و«نابليون» و«السلطان عبد الحميد» و«محمد الفاتح» و«إبراهيم باشا» و«العباسة» والميلودراميات مثل «عواصف» و«الفاجعة» و«المستهترة» و«الفودفيليات» مثل «خلي بالك من آميلي» و«فوت» و«أما ليلة» و«حانة مكسيم» و«لوكاندة الأنس».
وقد كتب أمير الشعراء أحمد شوقي لفرقتها مسرحيتيه الشعريتين «مصرع كليوباترا» و«مجنون ليلى» ومثلت له مسرحيتين آخريين هما «علي بك الكبير» و«أميرة الأندلس» وقدم لها أمير الزجل بيرم التونسى مسرحيتين أيضا وهما «ليلة من ألف ليلة» و«عقيلة».
ولم يقف طموح فاطمة عند حد فقد اتجهت إلى الإخراج المسرحي وأخرجت مسرحيتي «أنَّا كارنينا» و«البعث» لتولستوي، تحت إشراف عزيز عيد طبعًا. وعندما بدأ نجم فاطمة رشدي في الأفول فإنها كانت تحن إلى المسرح أرادت أن تمثل دور كليوباترا في المسرح الحديث ولكن زكى طليمات رفض.. وحاولت إقامة حفلة مسرحية في إحدى مدن محافظات مصر «دمنهور» ولكن المحاولة فشلت لأن أعضاء الفرقة خريجات معهد الفنون المسرحية لم يحضرن وقالت فاطمة رشدي إن زكى طليمات منعهن لمحاربتها.