حوادث السير العربية.. أزمة تبحث عن حل

 د. خالد غازي   

تلفت حوادث الطرق المتكررة فى أرجاء الوطن العربى – وفى دول مجلس التعاون الخليجى؛ نموذجاً – إلى أهمية التخطيط المستقبلي فى مجال الهندسة المرورية بصورة متكاملة؛ حتى يمكن الوقوف على البدائل الممكنة والمؤهلة ويتسنى توفيرها؛ لتحقيق مستقبل يخلو من أزمات الحوادث، وتجنب خسائرها المؤلمة، التى باتت تشكو منها المجتمعات العربية فى الآونة الراهنة، لاسيما فى مصر حالياً، فضلاً عن التوقعات الخاصة ببعض دول المنطقة خلال العشرة سنوات المقبلة .

 

(1)

نزيف الدماء، وارتفاع أعداد الضحايا فاق ضحايا الحروب، يعد دافعا قويا يحث علي ضرورة التطوير وأهميته الحيوية ؛ لوقف مسلسل الموت الذى يحدثه فى أغلب الأحايين الإهمال، وتأخر تنفيذ المشروعات الحيوية التى تمثل حائط صد وفاصلًا لهذه الحوادث، خلال السيارات الطائشة على الطرق المختلفة؛ لتحصد ألوف الأرواح البريئة التى كان ذنبها الوحيد: عبور الشارع. وما يدعو إلى الإننباه لهذه الظاهرة، تلك الدراسات والإحصائيات المتكررة التى ترصد حجم ومؤشرات هذه الحوادث، مؤكدةً ارتفاععها بشكل مبالغ فيه، لا سيما – على سبيل الذكر وليس الحصر – ما أشارت إليه أحدث الدراسات فى دولة الإمارات العربية المتحدة عبر مركز “أورينت” من أن هذه الحوادث تحتل فى الإمارت المرتبة الثالثة بحلول العام 2020، فضلاً عن المملكة العربية السعودية، التي تجد إحصائيات رسمية وأكاديمية للوفيات بأرقام مفزعة؛ حيث تسجل المملكة إحدي وعشرين حالة سنويا لكل مائة ألف شخص من عدد سكانها الذى يتجاوز واحدًا وعشرين مليون نسمة، وهذه النسبة مرتفعة جداً، خاصة إذا ما قورن بينها ودول أخرى؛ تأتى فى مقدمتها: بريطانيا فى الدول الأوروبية، والتى تمثل ست حالات فقط، وعربياً فان النسبة في لبنان بواقع وفاتين فقط لنفس نسبة الأعداد. ووفقا لإحصائية صادرة عن “اللجنة الوطنية لسلامة المرور” في المملكة العربية السعودية، قالت إن نسبة الحوادث بين عامى 2004 و2005 تعدت الخمسة آلاف ومائتى حادث، بما يشير إلى سقوط ضحية كل ساعة تقريباً، وذلك بزيادة تقدر بأكثر من عشرين فى المائة علي الأعوام الفائتة، فضلاً عن أن المصابين تعدوا الخمسة وثلاثين ألف فرد، والحوادث عددها ثلاثمائة ألف – خلال العام ذاته، وللعلم فإن مدينة مكة المكرمة حصدت نصيب الأسد فى هذه الحوادث.

 

(2)

 

وبين الإمارات العربية والمملكة السعودية، تقف الكويت؛ بمعدل وفيات يبلغ أربع عشرة حالة  لكل مائة ألف سنويا، غير أنها ليست ضمن قائمة “الدول الأكثر وفيات”؛ وذلك حسبما أكد بدر المطر رئيس جمعية السلامة المرورية – فى وقت سابق، لكن هذه المعدلات – فى الحقيقة – تسجل صورة مرعبة، بدليل اعتراف وزارة الصحة الكويتية بخطورة المشكلة؛ لذا كان ذلك هو الدافع نحو إنشاء البرنامج الوطني للوقاية من حوادث الطرق، موجهًا للشعب  الكويتى، مركزاً على فئات الشباب التى تتسبب فى مثل هذه الحوادث، وفى دولة قطر تؤرق المشكلة المجتمع القطرى ؛ نظراً لارتفاع الخسائر المادية والبشرية التى تتكبدها الدول  القطرية، والى سلطنة عمان، فقد أوضحت دراسة إحصائية صدرت اوائل العام الجارى2010، عن الإدارة العامة للمرور زيادة عدد الوفيات، وانخفاض عدد الحوادث التي وقعت خلال العشرة أشهر الأولى من هذا العام مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي؛ فخلال هذا العام وقعت ستة آلاف ومائة وسبعة وسبعون حادث مرور؛ أدت إلى وفاة ثمانمائة وثمانية وعشرين شخصاً، وإصابة ثمانية آلاف وثمانمائة وثلاثة وثلاثين آخرين. فيما سجلت إحصائية العام الفائت له وقوع ستة آلاف وأربعمائة وثمانية وثمانين حادثاً؛ نتج عنها: وفاة سبعمائة وتسعين شخصاً، وإصابة ثمانمائة ألف وخمسمائة وسبعين آخرين، وكذا الحال فى أغلب الدول العربية والخليجية، ولكن تأتى مصر فى مقدمة هذه الدول، فإعصار الدماء على الأسفلت لا ينقطع وبشكل يومى.

 

(3)

ويعتبر الطيش والتهور عاملين أساسيين فى انتشار حوادث الطرق فى دول الخليج عموماً، ويكون أغلب الظن أن ذلك بسبب حجج دون سند واقعى أو حتى مقبول؛ كالاستعجال، والتجاهل، وعدم الاهتمام بتطبيق قوانين المرور، وعدم الالتفات للاتجاهات، وبيان عدم الخطر؛ فنجد أن اللامبالاة تحكم الموقف للسائقين؛ لذا كانت الحوادث نتيجة حتمية لمثل هذه  التصرفات، فضلاً عن عدم الاهتمام بأسس السلامة وحالة الطرق.  وتصل الخسائر المادية التي تتكبدها اقتصادات الدول فى مختلف أنحاء العالم، وتدفع فاتورتها من اقتصادها، إلى نحو ما يقارب الخمسمائة وثمانية عشر مليار دولار سنوياً، وكذلك نحو خمسة وعشرين مليار دولار سنوياً فى الدول العربية، والتى بإجمالها تصل إلى خمسة بالمائة من تعداد الخسائر عالمياً، أما فى دول مجلس التعاون الخليجية، فتبلغ الخسائر نحو 19.1 مليار دولار سنوياً؛ تمثل ما نسبته 3.7 بالمائة من إجمالي الخسائر العالمية، ونحو 76.4 بالمائة من الخسائر الاقتصادية للدول العربية، أما المملكة العربية السعودية، فتبلغ الخسائر الاقتصادية العالمية نحو 25.6 بالمائة من خسارة الدول العربية، كما تمثل نحو 33.5 بالمائة من إجمالي الخسارة الاقتصادية للدول الخليجية- وذلك حسبما ورد فى دراسة حملت عنوان “تقدير حجم الحوادث المرورية في دول مجلس التعاون، وسبل معالجتها، ودور مجلس الشورى في ذلك.. المملكة العربية السعودية نموذجا” للدكتور عبد الجليل السيف عضو مجلس الشورى السعودى.

 

(4)

إذا كانت الحوادث التى تقع نتيجة تابعة لحدوث المفاجآت على الطرق المختلفة؛ مثل: وجود حفر غير واضحة، او لا يوجد تنويه يشير إليها، لإمكانية تفادى الحادثة، وذلك فضلاً عن الانقطاع فى بعض أعمدة الإنارة، إضافة إلى تدهور الطرق (الأسفلت) من تعدد السيارات المارة عليها، ليلاً ونهاراً؛ مما يصيبها بالتلف، أو عند تعرض الدول مثلاً إلى حوادث طبيعية؛ مثل: السيول أو سقوط الأمطار، والبطل فى الحالتين يكون تأخر المسئولين عن إجراء الإصلاحات اللازمة، أو فى أحايين أخرى الإهمال؛ مما يسقط العديد من المواطنين بين القتلى والجرحى، وفى ذلك كله: على من تقع المسئولية؟ هل على انفعال السائقين، وسرعتهم، وإهمالهم، وعدم التزامهم بالقواعد المرورية فى كل الدول، أو هو غض طرف من المسئولين عن عدم إصلاح الطرق، ومتابعة الإنارة، والوقوف على كيفية ممارسة السائقين على الطرق، أو ماذا يوجد فى جعبة الأسباب؟.. سؤال يظل يبحث عن إجابة.