د. خالد غازي
خرج من السجن بعد سقوط رئيس مصر السابق ونشط في العمل السياسي واشتهر بأنه المحرك الاقتصادي الأول للجماعة، كما أنه أثبت جدارته في إدارة الأموال ونزاهته.. انه المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الذى دخل السباق الرئاسى مؤخراً.
(1)
من حق أى مواطن ترشيح نفسه للرئاسة، لكن إذا توافرت فيه الشروط ، فهل يسمح العفو عنه بممارسة ومباشرة الأعمال السياسية، وأن هذا الشق ستفصل فيه اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة ؟ لقد أثار دخول ” الشاطر ” إلى سباق المتنافسين على منصب رئيس مصر القادم، حالة من الجدل حول حقيقة الأسباب التى دفعته للترشح وتداعياته السياسية، والتوقيت، وتأثيره على علاقة الجماعة صاحبة الأغلبية البرلمانية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ( الحاكم العسكرى)، وكذا القوى السياسية الأخرى التى تمثل الشارع السياسى منذ قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير؛ فترشح ” الشاطر” للرئاسة أكبر دليل على تناقض المواقف السياسية لجماعة الإخوان ، لأنهم في تصريحات سابقة لهم كانوا يقولون إنهم ضد خلط السياسة بالمال.. فكيف والشاطر هو أكبر رجل أعمال في ذراعها السياسى (حزب الحرية والعدالة)، أليس هذا مدخلا جديدا لعودة رجال الأعمال وارتباطهم وتدخلهم في السياسة دون أي خبرة وحنكة تسمح لهم بإدارة شئون البلاد، إن هذا التناقض والغموض للإخوان سوف يثير الرأى العام ويضع العديد من نقط الاستفهام، لاسيما أنهم مصرون على اتباع سلوك الاستحواذ علي كل شيء، رغم علمهم أنه مكروه ومرفوض فطرةً وسياسة وواقعًا، مثل ما كان يجسده نظام الرئيس السابق الذى كرس لفكرة الرئيس الفرعون والحزب الواحد.. فكيف أقدمت جماعة الإخوان المسلمين علي خطوة ترشيح ” الشاطر” للرئاسة ؟ عقب الوعود السياسية بعدم الطمع فى السلطة، وعدم الرغبة فى الوصول الي كرسي الرئاسة.
(2)
من الخطأ الاستراتيجي أن تظهر أنك تريد الحصول علي كل شيء، وتنسي المبادئ التي ناديت بها؛ فتصبح السياسة مغالبة لا مشاركة، ويتحول الشارع السياسى إلي فوضي عارمة، نظراً لخوض مغامرات غير محسوبة العواقب، قد تؤدي إلي فقدان التعاطف الشعبي مع ” الاخوان “؛ خاصة بعد أدائهم الهزلي تحت قبة البرلمان؛ سيتأكد للناس أنهم يطبقون سياسة مصلحة الجماعة فوق مصلحة الوطن، الذي ما زال يرزح تحت وطأة بقايا نظام الرئيس السابق ، وأكبر دليل على ذلك اعتراض شباب الإخوان واصدارهم العديد من البيانات التي تؤكد أنهم يعترضون علي نهج الجماعة وترشيح الشاطر، فالقرار يفقد الجماعة مصداقيتها أمام الشعب والتاريخ وسيتبعه آثار كارثية وسيهدم العلاقة مع القوي الوطنية وسيضر حتما بوحدة الصف، لذا كان من الضرورى على مجلس شورى الارشاد توخى الحذر، بل والتراجع عن قراره الذى يشوبه العوار الشرعي والأخلاقي والقيمي والسياسي، فهذه الآثار قد تتضمن أيضاً تفتيت الكتلة التصويتية الموجهة للمرشحين المحسوبين علي التيار الوطني الحر وتخدم بشكل مباشر المرشحين المحسوبين علي النظام السابق والمجلس العسكري.
وعلى الرغم من أنه لا يمكن الجزم بأن اختيار “الشاطر” يحظي بمباركة المجلس العسكري، والا فمعناه أن الإخوان أعطوا ظهرهم للثورة بشكل كامل، ولو كان غير ذلك فمعناه أنها تعتقد بأنها وصلت إلى مرحلة التمكن، أو أنها تريد الضغط على العسكر للاستجابة لمطالبهم والتي منها اقالة حكومة ” كمال الجنزوي ” وتشكيل الحكومة بمعرفتهم .
(3)
والسؤال لماذا لم تدعم الجماعة ترشيح د.عبد المنعم أبو الفتوح أمين عام اتحاد الأطباء العرب للرئاسة ؟ أليس هذا موقفا غامضا ؟ فالإخوان لهم أكثر من موقف اتسموا فيه بالتناقض؛ ينال من مصداقيتكم والثقة التي منحها لهم الشعب ؛ لذا يرى كثيرون أن الهدف من وراء ترشيح ” الشاطر ” هو استكمال هيمنة وسيطرة الإخوان المسلمين على صنع القرار في مصر، والتي بدأت بسيطرتهم على اللجان في مجلس الشعب، أو محاولة عزل الحكومة وسحب الثقة منها ، والتى انتهت بترشيح شخص منهم للسيطرة على الحكم بأكمله، فما يحدث الآن قد قاله خيرت الشاطر في ديسمبر 2005 عن خطة أطلق عليها “فتح مصر”.
والشواهد تؤكد أن د.محمد بديع المرشد العام للجماعة وحزب الحرية والعدالة لم يرشحوا الشاطر إلا خوفًا علي كبرياء الجماعة وهيبتها بعدما فشلوا في تمرير رغبتهم بإقالة الحكومة وتعيين المهندس خيرت الشاطر رئيسًا للحكومة بدلاً منه، وأمام رفض المجلس العسكري لإقالة الحكومة اتخذوا من سياسة لي الذراع منهجًا ؛ من أجل المزيد من الضغط علي المجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ فعقب رفض العسكري أجري د.محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان والمهندس خيرت الشاطر اتصالات بالمجلس العسكري للتحدث في ضرورة الاستجابة لكن رفضوا معللين ذلك أن د.الجنزوري باقٍ حتي انتخابات الرئاسة وتنصيب الرئيس الجديد.
(4)
بورصة الرئاسة انقلبت رأسا علي عقب بترشيح جماعة الإخوان المسلمين للمهندس خيرت الشاطر.. الكرة مازالت فى منتصف الملعب، ويصعب معها أية توقعات او محاولات لرسم الخريطة الجديدة للانتخابات أو سيناريوهات من سيكون الرئيس، فهذا يعيد حسابات المعركة من مرة لأخرى، وكذا ترشيح اللواء عمر سليمان من جانب آخر، وتوجيه انتقادات عديدة لحزب الحرية والعدالة فى مخالفته لوعوده المسبقة، ، فقد تسبب القرار في حالة من عدم الرضا من جانب القوى الليبرالية واليسارية، انعكست في تصريحات حادة، كما امتدت إلى الموقف من الجمعية التأسيسية المكلفة بكتابة الدستور الجديد، حيث ازداد إصرار هذه القوى على الانسحاب من الجمعية بدعوى هيمنة الإخوان والإسلاميين عموما على عضويتها، والخطورة تكمن فى المخاوف من بسط التيار الاسلامى نفوذه على المجتمع والسيطرة على كل شئ مما يصعب من التكهن معه بالمستقبل ؛ ومن سيسيطر علي الحكم بأكمله، مع العلم ان ترشيح الشاطر ليس بالضرورة هو نهاية جولة المناورات ؛ وليس ايضاً معناه انه هو الرئيس القادم. اللعبة السياسية اذا كانت تحركها جماعة الاخوان فلا يعنى اطلاقاً انهم القادمون أو أن مرشحهم هو من سيدخل قصر العروبة، فالساحة مشتعلة وساخنة جداً وضبابية ، المتنافسون باتوا كثيرون بين بقايا نظام الرئيس السابق ومرشحى التيار الاسلامى والجماعة الليبرالية، وبعض من أصحاب الحرف، ليكن القول أن رئيس مصر القادم لم تعد له ملامح يمكن رؤيتها او اتجاه يمكن رؤيته ، لكن الواقع لا يقول الا شيئا واحدا أن المنافسة ستكون شرسة جداً ومحفوفة بالمخاطر، وغير محسوبة العواقب.