استضاف صالون سبلة عمان الثقافي بمسقط الكاتب الصحفي د. خالد غازي لالقاء محاضرة حول ” صناعة الإعلام وتحول السلطة” .. وقد حضر الصالون جمهور كبير من الاعلاميين والمهتمين بالاعلام ؛ وقد قدم للصالون الشاعر العماني سعيد الصقلاوي ؛ والذي أكد في البداية أن الاعلام في ظل العولمة أصبح لاعبا أساسيا علي مسرح السياسة ومؤثر أساسي في الرأي العام ؛ خاصة من انتشار وسائل التكنولوجيا الحديثة التي وفرها الانترنت كوسيلة حيوية للتواصل ؛ وكان للاعلام دور مؤثر لمسناه في ربيع الثورات العربية .
وقال د. خالد غازي في بداية اللقاء : إن ما ينجزه الإنسان في حقبة زمنية وعمرية معينة يؤثر في المسيرة الحضارية لبني البشر ؛ و لا يمكن أن يندثر من الوجود .. بل تعتبر – أحيانا – مركزا للتحولات التاريخية وهي التي تعبئ المجتمعات نحو التقدم العلمي والمعرفي .. لقد استخلص ” ابن خلدون ” العبرة الكبري أن العلم يمثل أكبر استثمار للعقل البشري لبلوغ درجة شمولية مخاطبة البشر في سائر المعمورة ، وأن التخلي عن هذا الاستثمار سبب “كارثة” سقوط العرب والمسلمين صرعي أمام الأمم والممالك والدول المطالبة بإعلان ورثة التركة العلمية ومواردها البشرية والاستعمار لانجازاتهم المعرفية عبر التاريخ الانساني .
وأضاف :إن كثيرا من الفرضيات للأمور تثير جدلا علي مرّ العصور، فالبعض يعتبر الشجاعة هي اقدام علي الهلاك ويراها البعض أنها صفة حميدة ؛ لكن الشجاعة، ان نجحت، قد تتوحش وتتوغل نحو الهيمنة والرئاسة ؛ ومازالت مقولة بيتر أبلار Peter Ablard أحد فلاسفة القرن الثاني عشرـ شاخصة أمام أذهاننا حتي اليوم ـ فهو يقول عن العلم في أسوأ حالاته ” إن العلم من دون ضمير هو موت الروح”.
وجاءت محاضرة د. غازي في خمسة محاور رئيسية هي : – مفاهيم العولمة المتباينة – صناعة الاعلام في قبضة العولمة – الهوية وخطاب إعلامي أجنبي باللغة العربية – منافسة دولية شرسة علي صناعة المعلومات – هل ستحرر العولمة الإعلام العربي لينال حريته في التعبير ؟
وكان من أكثر الآراء التي أثارت جدلا ونقاشا من الحاضرين هو طرح د. خالد غازي أن ظاهرة العولمة هيمنت علي كل طرق حياة المواطنين عالمياً كان لابد من وقفة للتأمل ؛ وبانتهاء الأيديولوجيا انتهي مفهوم المثقف الداعي إلي التغيير فأصبحت المجتمعات تمارس التغيير والتحديث بشكل يومي بل ربع يومي أحياناً عبر التواصل مع قضاياهم المتدافقة والمعقدة المشابكة، ولهذا يقف العقل بتصوراته التي تصبح شيئاً من الماضي كل صباح، عاجزاً عن الملاحقة والتأويل والتفسير أو حتي التنظيم!! لأننا تحولنا من مجتمع المعرفة إلي مجتمع المعلومات، وبين المجتمعين بون شاسع لا يدركه إلا العقل المتحرر من التصورات المسبقة لتفسيرات أصبحت تفقد صلاحيتها قبل وصولها إلي ورق الكتابة تعبيراً عنها!! وقال : إن ثمة عالمين غير منفصلين.. الأول واقعي والثاني تخيلي، والأول محكوم بنظرية التاريخ والجغرافيا .. والثاني محكوم بفضاء خارج نطاق السيطرة الجغرافية أو التاريخية ؛ فالعولمة طوفان اجتاح حياتنا، إلا أنه لم يزل مرهوناً بإمكانيات المواطن العولمي الذي يقدر علي امتلاك تكنولوجيا العولمة وآليات التواصل والمعرفة العابرة للقارات!! فهل كانت آليات العولمة تهدف إلي ذلك؟! الحقيقة لا .. إلا أن تقنية المعلومات ليست رفاهية وامتلاكها مع الأيام لم يعد حكراً علي من يملك؛ لأن العولمة في التجلي النهائي..هي صراع دائم للإجابة عن سؤال محرج : نمتلك أم نكون؟!
ويري د. غازي أنه يمكن اعتبار الاعلام إحدي آليات السلطة السياسية المستبدة في عالمنا العربي وهذا يعود إلي امتلاك الدوله بشكل مباشر أو غير مباشر عبر التشريعات التي تقيد حركة الاعلام الخاص علي ضعف شأنه، لذا يمكن القول بأن الاعلام العربي إعلام رأسي، يهبط من أعلي إلي أسفل، ويعود لمركزيته وتوجهه الدعائي، الذي يخدم النظام السياسي ؛ وهذا يتخذ من الفرد الاستثنائي محل اهتمامه الأول، ويبدو أن تلك السمات ساهمت بشكل أو بآخر في ترسيخ السلطة وخلق سلوكيات عامة مرتهنة لهذا الاعلام في وقت تمارس فيه القوة والاكراه الدور المرافق لهذه العملية، مما خلف رأياً عاماً ممزقاً خاضعاً للارتهان.
وقال : إن فشل الإعلام العربي في تقديم صورة ايجابية للعالم عن القضايا والحقوق العربية، يعود إلي عدم معرفته بمفردات تكوين وثقافة الآخر أو عدم استخدامها بشكل صحيح وبشكل خاص العقل الأوروبي أو الأمريكي التي هي بحاجة بعد المعرفة إلي فن وأساليب جديدة ومبتكرة خصوصا ان سيل الدعاية المعادية كبير والموروث يكاد يهيمن علي العقول في تصورات مسبقة يتم تغذيتها باستمرار ؛ فمازال الاعلام العربي بشكل عام يعتمد علي الشعارات الرنانة والنبرة الخطابية التي تتوجه إلي مسلمات وعواطف ؛ بينما يأخذ الآخر الأمور بالعقل والتأمل والتفكير وبالطبع بحساب المصالح الحيوية والاستراتيجية.. ويظل الخطاب العربي بشكل عام أحاديا، تبريريا، يرفض التعددية ويتنكر لحقوق الإنسان تارة باسم الدين وتارة أخري باسم القومية وثالثة باسم الدفاع عن مصالح الكادحين، وفي كل الأحوال لا تغيب لافتة العدو الذي يدق الأبواب.
وفي رأيي – والكلام لغازي – إن انسحاب الدولة في عالمنا العربي بشكل تام من مجالات الاتصال والإعلام ليس في صالح أفرادها الآن في ضوء التطور السياسي والاجتماعي، وفي ضوء خصوصية المشكلات الداخلية لكل دولة عربية وفي ضوء احتياجات التنمية الوطنية التي لا يمكن أن يضطلع بها القطاع الخاص وحده في مجال الإعلام.
وفي مداخلة للاعلامي العماني موسي الفرعي مدير صالون سبلة عمان الثقافي أنه يري أن الشباب العربي الذي استطاع أن يقوم بثورات الربيع العربي هو بخير ويستطيع أن يؤثر بوسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي في صنع المستقبل طالما تحققت الارادة الفعلية لذلك ؛ وأن الانترنت استطاع أن يقارب بين الشباب العربي في كل مكان ؛ وأن ظاهرة العولمة ليست كلها شر بل تحتوي علي جوانب ايجابية يستطيع العرب استثمارها .
مسقط : ماهر ابراهيم