كيف نفهم الإعلام البديل؟ سؤال مهم يطرحه الكاتب الصحفي د. خالد محمد غازي في كتابه “صناعة الكذب” ( وكالة الصحافة العربية، ناشرون ) ، وتبرز أهمية موضوع الكتاب في تناوله دور الإعلام الاجتماعي وتأثيره على الإعلام التقليدي، وتغطيته أوجه القصور فيه بالتكامل والتجانس، ومحاولات الإعلام البديل سد نقاط الضعف التي يعاني منها الإعلام التقليدي، الأمر الذي يضع القارئ أمام الكثير من المتغيرات المهمة الخاصة ببروز دور الإعلام البديل، وتنامي وظائفه بجانب الإعلام التقليدي، وربما على حسابه.
ينطلق الكتاب من إقرار التأثير القوي للإعلام البديل؛ ليطلق صيحة تحذير تستهدف مواجهة مخاطره التي تستند إلى قدرته على تخطي الحدود، والتعمق داخل المجتمعات، مشددا على أن حماية معلومات الدولة أمر لا يقل أهمية عن حماية حدودها.
ويشدد على أن “صناعة الكذب” من خلال سوء استخدام الإعلام البديل تشمل: التلاعب بالعقول والتزييف المتعمد للحقائق، وتوظيف الجماعة الإرهابية لوسائله من أجل إيصال الرسالة أو الهدف من الجريمة التي ارتكبتها، والمشاهد المأساوية التي تنقلها وسائل الإعلام بشكل مبالغ فيه، تشكل بحد ذاتها خطورة، وخدمة للهدف الإرهابي.
دور “الإعلام الاجتماعي”
ويقودنا الكتاب إلى تساؤل مهم: إلى أي مدى نحتاج إلى “الإعلام الاجتماعي” في هذه الآونة؟ تبرز إجابة خالد غازي عن هذا التساؤل من خلال حرصه على تناول دور الإعلام الاجتماعي، والحاجة إليه في العصر الحالي، واستجابة الجمهور الكبيرة له، وعزوفهم عن الإعلام التقليدي، حيث أرجع ذلك لعدة أسباب، أهمها: الحرية، والتعبير عن النفس، والديمقراطية، ومن داخل المجتمع، وقدرته على التكيف، والتفاعل.
يقول الكاتب: الصحافة التقليدية كانت تنتقي ما يناسب توجه الصحيفة، وفي الإذاعة والتليفزيون كان يقطع أي رأي على الهواء إذا تعارض مع وجهة نظر المؤسسة، والإعلام البديل كسر هذه القيود، وأصبح إعلامًا تعدديا بلا حدود ولا قيود، وبهذا فقدت الدول جزءا من سيطرتها وهيمنتها على وسائل الإعلام.
هل يعني أن الإعلام البديل يمكن أن يستحوذ بقوة على الساحة في مواجهة الإعلام التقليدي؟
يعتبر د. غازي “الإعلام الفردي” أو “الشخصي”، سمة القرن الواحد والعشرين؛ بسبب وجود الإنترنت، والحرية، والسرعة، كما أن المسافات والحدود الجغرافية أصبحت أشكالا وهمية، لا تستطيع إيقاف هذا الغزو التكنولوجي الافتراضي، وأصبح العالم في منظومة الإعلام المعاصر مجرد غرفة صغيرة، ووضع الناس من مختلف الثقافات والأعراق أمام بعضهم البعض ، وبهذا صار بمقدور أي فرد امتلاك صحافته الخاصة، وهو ما أطلق عليه مصطلح “صحافة المواطن”، وأنتج ما يُسمى “الفرد الحاسوب” إشارة لكونه مبرمجًا، ما أفرز نوعا جديدا من الهوية.
800 مليون مستخدم
ونعود للتوقف أمام تساؤل مهم: كيف نجح الإعلام البديل في تحقيق هذا التأثير الكبير على قطاعات من الرأي العام رغم استمرار الإعلام التقليدي؟
الحقيقة أن الكاتب لم يكن بعيدا عن إبراز عوامل تنامي الإعلام البديل؛ فقدم عرضا تاريخيا لمراحل ظهوره بدءا من المدونات وتطورها، حيث يرى أنها كانت تعد منبرًا للتعبير عن الآراء بمعزل عن أية قيود.
يشير عازي إلى إحصائيات عام ٢٠٠٦م ووجود أكثر من 50 مليون مدونة في العالم، وللفيس بوك نحو ملياري مشترك، ولدى جوجل سبع منتجات بأكثر من مليار مستخدم لها شهريا، وإحصائيات أخرى تؤكد أن عدد المتصفحين للشبكات الاجتماعية ينمو بنسبة عالية تصل إلى 250% سنويا، ويصل العدد حاليا إلى أكثر من 800 مليون مستخدم نشط.
ويكشف عن أنه خلال الأسبوع الأول من الحرب على العراق كانت المدونات أفضل المواقع التي قدمت تغطية للحرب في ظل التعتيم الإعلامي، والتشويه المتعمد للحقائق.
بين الإعلام التقليدي والبديل
ويأخذنا المؤلف إلى قضية مهمة: العلاقة المستقبلية بين الإعلام التقليدي والإعلام البديل: تنافر أم تكامل؟ وفي معرض تناوله تلك العلاقة يحدد ثلاثة سيناريوهات لمستقبل هذه العلاقة:
الأول: أن يتفوق الإعلام الجديد، ويزداد مستخدموه، وينحسر الإعلام التقليدي.
الثاني: أن يستيقظ الإعلام التقليدي من كبوته، مستندا إلى تماسك المؤسسات الإعلامية الجماهيرية، وتحديث مضامينها بما يتناسب مع الاحتياجات الإعلامية للجمهور.
الثالث: التكامل بين آليات الإعلامين الجديد والتقليدي، بحيث يزداد استخدام الإعلام التقليدي لتكنولوجيا الإعلام الجديد، وهو السيناريو الأقرب إلى التحقق.
خطورة الإعلام البديل
وقبل أن تنتهي من قراءة هذا الكتاب ستجد نفسك تبحث بشغف عن رؤية الكاتب “خطورة الإعلام البديل” والسبيل لتلافيها ، ويرى المؤلف أن هذه الخطورة تفرض نفسها على المؤسسات الإعلامية الرسمية والأكاديمية ومؤسسات الإعلام التقليدية الالتفات والتعاون في مواجهة تلك المخاطر من خلال استراتيجيات قادرة على تحصين مجتمعاتنا ضد تلك المخاطر.
ويشدد د. غازي على أن هناك آثارا سلبية للإعلام الجديد على الرأي العام، أبرزها مخاطر التلاعب بالعقول، والتزييف المتعمد للحقائق، وتوظيف الجماعة الإرهابية لوسائله من أجل إيصال الرسالة أو الهدف من الجريمة التي ارتكبتها. والمشاهد المأساوية التي تنقلها وسائل الإعلام بشكل مبالغ فيه تشكل خدمة للهدف الإرهابي.
ويشير إلى أن دور شبكات التواصل الاجتماعي بالغ الأهمية والخطورة في تشكيل الرأي العام، وفي تعبئة الجماعات، وحشدها حول أفكار وآراء واتجاهات معينة، بغض النظر عن المسافات الجغرافية.
ويلفت إلى عدة تشريعات وضعت للحماية من مخاطر الإعلام الجديد والإنترنت، منها تشريعات: الملكية الفكرية، وجرائم الكمبيوتر، والخصوصية، والتجارة الإلكترونية، والاستثمار والتجارة، والتشريعات المالية والمصرفية، وتشريعات المحتوي الضار.
ويظل الكتاب يردد في وضوح وحسم، من خلال محتواه العلمي والفكري، صيحة تحذير من مخاطر “الإعلام البديل” ويحدد ما يمكن اعتباره “روشتة” لعلاج أوجاعه، وتلافي سلبياته، والإفادة من إيجابياته، وهو أمر لو تعلمون عظيم.
سارة الدسوقي
جريدة ” صوت البلد”
Reviews are disabled, but trackbacks and pingbacks are open.