” الطوفان..مابعد العولمة” كتاب قيم من مائتي صفحه قرأته في أجواء العزل والانزواء القهري الذي فرضته الجائحة الأخيرة ، تلك التي جاءت لتترجم هذه الأطروحة ترجمة واقعية على الأرض ، وقد حولت كل القوالب الأكاديمية الصعبة ومرجعياتها الواردة في ثنيات صفحات الكتاب حولتها إلى صوره ثلاثية الأبعاد بسيناريو متكامل ترجم أكذوبة العولمة ببرهان لا يقبل التشكيك ، فقد مرض سكان الكوكب وانكفأ كل شعب على مصيبته ، ولم يكن هناك أس أثر لهذا الشعار الغامض وأقفلت الحدود ، ولم يكن هناك أي تنسيق يذكر للبحث عن طرق إغاثه أو علاج أو وقايه اللهم إلا بعض بيانات الرعب التي تبثها المنظمة المسماه بالصحة العالمية ، وهنا يبرز طوفان التساؤلات المشروعة الذي أغرقنا بها خالد غازى ،هل العولمة مشروع مستقبلي ناجع وناجح ؟وهل هناك قوى كونيه مستترة أو ظاهرة تدعم هذه النظرية ؟ وهل في المقابل هناك قوى مماثلة تعارض وتقاوم هذا المشروع ؟ ولمن من الفريقين الغلبة اليوم ؟وغيرها كثير من التساؤلات المعلقة .
وفي صفحات الكتاب لن تجد إجابة شافية ، فالرجل تركنا في حيرة فاغرين أفواهنا ، فقد وضع عناوين أكاديمية بحتة وبذل قصارى جهده في البحث والاستدلال والشرح والتوضيح لشعار مراوغ برز على الساحة منذ عقدين أو يزيد ، وأصبح شعار العولمة كقطعة علكة يلوكها الجميع .
وربما يكون خالد غازى هو آخر شراح هذا اللغز في الفترة ماقبل جائحة كرونا ، لأن أي شروحات ستيصدر بعدها ستكون مختلفة تمام الاختلاف ، فتلك هي المحطة الثانية للتأريخ في هذا القرن فالمحطة الأولى كانت هجمات سبتمبر 2011 ولم ينتهى العقد إلا وجاء هذا الفيروس ليرسم مسارا جديدا للكوكب ربما بتسمية أخرى نبتعد فيها ولو قليلا عن شعار العولمة سيء السمعة .
ورغم استشهاد الكاتب بقائمة طويلة من المراجع المعتبرة ومقولات لمفكرين وعظماء ومؤثرين في الرأي الانساني عربا وعجما لكن فاته أن يتحفنا برأيه الشخصي كأكاديمي ودارس ومثقف ، وأظنه خشى أن يؤثر ذلك على مصداقيته في عرض كل الشروحات دون تأثير أو هوى لترجيح رأي على رأي، كما فات المؤلف أن يشير إلى نمط جديد من العولمة وهو مايسمى بالعولمة الشعبية بدءا من أندية رياضية غزت أعلامها ومشجعيها كل نجوع ومجاهل وأحراش الكوكب إلى قصات شعر المراهقين مرورا بالسراويل المقطعة ، وهو النجاح الوحيد الملموس الذي أفرزه هذا الشعار طيلة العقود الثلاثه المنصرمة .
صفحات الكتاب عامرة بمصطلحاتدسمه (بعضها من ابداع الكاتب) وكان موفقا وهي معبرة ومتخصصة وتم توظيفها بعنايه فائقة لتخدم القارئ غير المتخصص ويسهل عليه التعرف على أركان هذه الجدلية الكونية ، ولأن هذا الكتاب من النوع الذي يحتاج إلى قراءة ثانية متأنية فأرجو من القارئ أن يعتبر ماسبق هو مجرد انطباع بعد قراءه أولى ، وليس طرحا نقديا بالمفهوم الأكاديمي ، لأن الكتاب من النوع الذي يحتاج الى قراءه ثانيه متأنية نظرا لأهمية الموضوع المزدحم بإشكاليات فقه العولمة الجديد إن صح التعبير .
عيد اسطفانوس
ايلاف