قراءة فى ” أحزان رجل لا يعرف البكاء “

تتباين الوقائع والشخصيات المسماه وغير المسماه، وتتوزع بؤر الحكى “في تركيزها، ومع هذا التباين تظل التجربة ذات ملمح واحد، وهو الواقع الطموح “في قصص “أحزان رجل لا يعرف البكاء” للقاص خالد غازى تأخذ القصص منطلقاً واحداً وهو الهم الذاتى الذى يوازى هم الجماعة. “في القصص الإثنا عشر تناول الكاتب التغيير الذى أصاب المجتمع والفكر والقيم والمعايير، وتناول فكرة تبدل السلطة بين الثورة والخوف، لكن الظاهرة اللافتة للنظر “في المجموعة بشكل عام هى قضية اللغة من حيث شفافيتها والصور الشعرية واستخدام الكاتب للفصحى، وتأثير البناء الدرامي للقصص “في اللغة. وقد أدى انشغال القاص بقضية اللغة إلى اقتراب القصة من القصيدة وربما أحياناً لا تستطيع أن تميز ما تقرأه قصة أم قصيدة.

اكتمال الوعي

“أحزان رجل لا يعرف البكاء” هى القصة الأولى “في 12 مقطع قصيرة وتتعرض لفكرة البدايات “في العشق ويمزج الكاتب بدايات القهر بالعشق بالطبيعة “في مجموعة لا نهائية من الأنكسارات، ويجئ السؤال “في ختام القصة “هل كل أناس العالم سيبدأون من جديد” و”في إطار قصة الحب الأولى تنكسر العلاقة على صخرة المادة والأخلاص للمبدأ.

“في المسرح الكبير يتقابل العاشق القديم ومحبوبته التى أبدلها الزمن بصحبه رفيقها يدور الحديث داخل العاشق وعبر العيون، تأملت ملامحك رغم الظلام المهيمن على صالة العرض ملامحك أخترقت حاجز الظلام الذى دائماً يفصل بين الوجوه، ومن خلال الفلاش باك يدور الحوار بعد أن يقوم الكاتب بتحديد قاطع للزمن.

– نعم قلتها لك “في أخر لقاء بيننا… أبتسمت يومها بمكر

– قلت تكرهنى لأني خذلتك

– قبل  أن تخذليني.. خذلت نفسك

ويعود الكاتب وينقل المشهد بحرفيته لاستخدام التكثيف والشحن وتقطيع الجمل الشاعرية “لغتى ياحنان قزمة أمامك.. وكلماتك تقهر لغتى وتقهر الصمت.. تقهر الزمان والمكان”.

ثم يصنع الكاتب ضفيرة ملتهبة من أحداث عرض المسرحية وأحداث القصة التي تقع أثناء العرض “في نفس الوقت واستطاع الكاتب أن يمزج الموروث المتمثل “في سطوة الحجاج بن يوسف الثق”في وهو ما يتم عرضه على المسرح وبين سطوة بطلة القصة من جهة، وعذاب محبوبة الحجاج، وعذاب بطل القصة من جهة أخرى، بطل القصة ومحبوبة الحجاج كلاهما يقع تحت وطأة الوجع كلاهما تم الغدر به، وبالتالي نجح الكاتب “في خلق الشكل مع أختلاف زوايا الرؤية.

ثم يقرر الحجاج إعدام حبيبته نتيجة لرفضها الخضوع له “في نفس الوقت يؤكد توحد بطل القصة مع مبادئه ولو أدى ذلك غلى تخلى بطلة القصة عنه، وهو ما يوزاى على المسرح إعدام محبوبة الحجاج ثم يعلو المنلوج الداخلى لبطل القصة وينتهى كعرض المسرحية “وانتهى عرض المسرحية.. لا أدرى بماذا أنتهت”.

و”في نفس الوقت تكون لحظة الكشف هى لحظة أكتمال الوعى لدى المفترج والقارئ وقد برع خالد غازى “في استخدام التكتيك البريختى عند ذروة القصة ونهاية العرض المسرحى يخرج البطل وقد أكتشف ذاته، أنا الأن أكثر فهماً وأدراكاً لطبيعة الأشياء تعبى يزداد بالوعى، وليس اكتشاف الذات فقط، وإنما أكتشاف الأخر ايضاً، لا لست حنان!! حنان كانت حنونة.. عفوية صمتها بليغ.. أسئلتها ليست سخيفة أو مكررة.

الهروب

و”في قصة “ربما يأتى” يتعرض الكاتب إلى علاقة خاصة جداً بين الأم وولدها “ياضى العين وقـطر الندى وشـهد حياتى”، “يا ابن الصدق والصلاح وابن العطش”، وأي علاقة بين الأم وولدها هي علاقة خـاصة جداً لكـن “في “ربما يأتي” يؤدى الإرتباط الشديد بين الأم والأبن حداً تفقد معة الام ارتباطها بالواقع بعـد أن فقدت الأبن.

– ومتى يأتى أبنك الغائب

– سيأتى الغائب يوماً

– متى.. متى؟

– سيأتى مع صباح جديد

إنها ترفض كل شئ حتى بيتها

– لماذا لا تنتظرينه “في بيتك؟

– لقد سقت بيتى!

ولكن هل يأخذ رفض الإنسان لما حوله لرفض حياته ذاتها؟

ربما استطاع الكاتب أن يجيب عن هذا السؤال بذكاء تكنيكى مشت كثيراً، كثيراً هدها التعب جلست على الرصيف نامت ساعة ساعتين لا أحد يدرى تقدم أحد المارة ليوقظها وينقذها من أمطار الشتاء لكنه أكتشف أنها ماتت وهكذا استطاع الكاتب أن يرسم لوحة داخلية للرفض السلبى الذى يقتل الحياة إذا صدق الإنسان مع عالمه.

ولعل الغناء فاعل “في القصة “يغفو على صوت أمه نهدهده بأغنية”، ويصف الكاتب الأغنية أنها مرحة هامسة أليس من الأفضل أن تستمع للأغنية.

التغير والطبقات السرطانية

و”في “أحزان حارتنا القديمة” يرصد الكاتب تغيرات المجتمع “في الحارة واستطاع أن يضع أيدينا على تغيرات أجتماعية كانت نتيجة لمتغيرات سياسية واقتصادية متلاحقة. ومن خلال ثلاث شخصيات أنتقاها الكاتب حقق ذلك:

– أولى الشخصيات: هل تذكرين الحاجة فطومة التى كانت تجلس “في مدخل الحارة تفترش الأرض، تضع أمامها الصندوق المملوء بالحلوى تبيعها للصغار، ثم نرى الحاجة فطومة قتلت وسرق صندوقها”.

– ثاني الشخصيات: حامد تاجر القماش فجأة أصبح حامد أغنى رجل “في حارتنا ثم نرى ذات صباح بلغنا أن حـامد قـد قتـل”.

– ثم أخيراً: وكان حامد الجديد سعيد ابن صاحب المقهى، وسافر إلى إحدى الدول العربية منذ عامين عاد يحمل “في جعبـته الدولارات والدينارات ألتف حوله سكان الحارة كما فعلوا مع حامد وتزوج سعيد من أجمل فتاة “في حارتنا.

وأراد الكاتب أن يجمع بين قتل الحاجة فطومة المعدمة وسرقة صندوقها وقتل حامد ليوضح مدى التفاوت الطبقي حتى بين اللصوص.

الحاجة فطومة نموذج معدم وسارقها كذلك، وأيضاً قاتل حامد وسارقه ليوضح بذلك الكاتب نشأة الطبقات السرطانية الجديدة.

ورغم نجاح الكاتب “في رسم الشخصيات إلا أن شخصية البطل الذى يكتب لصديقته أحداث الحارة لم يتأثر الوحيد الذي لم يتأثر بما حوله ورغم ذلك، قال: إنني خائف.. خائف أن تسرق مني نفسي.

اللغة الجديدة

و”في “قالت أذكرني” حاول الكاتب  أن يطرح فكرتان متوازيتان من خلال السرد فهناك خط العلاقة العاطفية القلقة وهناك خط يعرض قاع المجتمع أنا رجل أسكن “في القاهرة وأنتظر بريدها كل أسبوع وأطمئن نفسي منتصف كل أسبوع، وأقول ها هى الرسالة “في منصف الطريق هذا يعنى أننى أتعذب.

وأنا “في طريقى إلى مكتب البريد أقابل اناساً ربطتنى بهم عادة الرؤية اليومية فتلك فاطمة التى تبيع الـورق والأقلام جالسة أمام مكتب البريد فاطمة هذه فقدت زوجها “في الحرب منذ سنوات وحتى الأن مازالت تنتظـره، قالوا أن الدولة ستعطيها كشكاً تبيع فيه لكنها مازالت تنظر السنوات تأكل عمرها وهذا هو ماضى ويعطينا الكاتب صورة أخرى لقاع المجتمع، ولكن السؤال هل استطاع الكاتب أن يوظف الخطين ليؤكد فكرة رئيسية؟

بحذف فاطمة وماضى لن يتأثر الدرامي للقصة ولكن نستطيع التأكيد على أن خالد غازي كانت تشغلع قضية تلح عليه عليه باستمرار وهى قضية اللغة “في بداية القصة “أحبك لم أقلها صراحة لكن قالتها كل خلجة من خلجات مشاعرى، كل لفتة تجاهك، كل رسالة خطها قلمى لك، كل سطر، كل جملة، كل كلمة كل حرف”، لاحظ أيضاً أحاول أن أبحث عن كلمة جديدة لم يقلها الناس لأقولها لك، ليتنى استطيع أن أصنع أبجدية جديدة ليتنى، لاحظ كلمة جديدة، أصنع ابجدية، الكلمة بمساحة الأنفعال انتزع لغة.

لهذا اهتزت خطوط التوازى للبناء الدرامي للقصة ولو أن الكاتب فجر العديد من الصور الفنية الجديدة:

1- ها أنا أصنع “في الليل بابا ونافذة

2- أيتها المدينة لا تصلبي حبيبي

3- وجهك أصبح راية حزن

وهناك الكثير من ذلك.

إنسان العصر الحجرى

مع سبق الإصرار والترصد تبدأ القصة بأصوات متعددة “الظلام يعربد.. الرياح تزمجر.. تصنع دوامات من التراب تعلو.. وتعلو تعانق البيوت الكثيرة”، ثم تبدأ الأحداث ساخنة، فاجأها بطعنة “في الصدر رفعت نظرها إله ذاهلة كأنها لا تصدق طعنها طعنة ثانية وثالثة ورابعة، هرب النبض من جسدها.

وتساءل لماذا هذه الأصوات “في البداية؟ كانت “فاجأها بطعنة كفيلة لنقلنا إلى قلب الأحداث دون تمهيد ونكتشف أن وراء الجريمة توحد فكرى ويسأل المحقق “ما الدافع وراء إرتكابك جريمة القتل” فجيب “لقد كانت ميته وهى معى” وانتقلت من موت إلى موت،، ونكتشف أن هذا الشخص “في منتهى الأخلاص حين أرتكب جريمته.

“في الزنزانة بدأ يقرأ سطور رسالة قديمة قد بعثت بها إليه قبل أن يتزوجها سنلتقى ونتوحد لكن إذا صارت الوجوه مشوهة منبعجة تحت وطأ الحقد والطمع أقتلنى لأنك عندما تقتلنى فإنك تطهرني وتقيني من هذا العالم وتطهر حبنا، وهنا نساءل هل أنفصل القاتل عن الواقع أم أنه أنغمس فيه؟

فدافع القتل هو الشعور بوطأة الحقد والطمع “في المجتمع مما دفعه إلى تنفيذ الوصية، إلى هذا الحد أرتبط بالواقع لكنه أنفصل عنه، لقد أرتبط بالواقع جزئياً ولم يستطيع أكتشاف الوجه الأخر للحياة و”في مشهد المحاكمة ترى قمه التوحد الذاتى، سأله القاضى هل عندك من يدافع عنك أشار بإبهامه إلى اللاشئ، وقال نعم ستدافع هى عنى.

وهنا يؤكد الكاتب لضرورة أن نستمع لحديث القاتل اسمعوه ربما.. ربما تنصفوه، ربما ، ربما تنتهى بعض المعارك بعض الاحزان، ولكن هل أراد الكاتب أن نحتكم إلى قانون الانسان قانون المشاعر والمثل الذى فقدناه والذى “في نظر المجتمع جنون مما دفع القاضي بإرسال القاتل إلى مستش”في الأمراض العقلية، ولكن أيضاً إليس الرجوع إلى ذاتية الانسان مغامرة كالرجوع بالإنسان إلى العصر الحجرى.

تدبل الحلم

الليل والحلم.. بداية متوترة للقصة وحيداً خرجت لبحث عن كوة مجهولة من نور شوقى يسابقن إليها ويقفز الكاتب قفزات متبانية على محور التوتر الذى بدأ به قرأت كثيرا غامرت كثيراً أتسلق الجبال، أعبر المحيطات، ذهبت إلى مدير إحدى دور النشر عارضاًعليه كتابى، ويختتم الكاتب حيرته تجاه العالم بسؤال أخر بتوتر البداية، هل هى مؤامرة على لكن ممن؟، لأن ستراكم خلق الأبواب كما “في ليوحى بمؤامرة الحياة.

وينتقل الكاتب إلى كادر جديد ليرصد التبدلات الجديدة ونموذج لصـداقة قديمة لكـن مجمـوعنا تفرقت عندما جلست مع صديقى الذى كانت حجرته تجمعنا شعرت أنه تغير، ويشرح الكاتب ويعلـق عـلى العبارة.

والسؤال لماذا لا يتر الكاتب فرصة للقارئ أن يكتشف مساحات التغير من خلال الحدث، ويعرض الكاتب صورة لتغير الصديق، عندما دخلت سبقها عطرها الصارخ قبلها صديقى احتضنها أمامى، ويتأمل هذه الصورة نجد أن الكاتب قد نجح، كما لم تنجح عبارة شعرت أنه تغير.

وينتقل الكاتب إلى خط جديد، رسالة من أبى اليوم “ياولدى أحذر فخطواتك مراقبة انت تحمل أغتيالك” المدينة تطاردنى بعد أن ضبطها “في أحضان المرتشين والمنافقين، ويرمى الكاتب هذا الخط ليعود إلى الخط العاط”في حتى النهاية، تحسست رسالتها “في جيبى كانت ليلة شتائية، غزيرة المطر حينما لمست يدى يدها عـفواً.

و”في النهاية يستدعى الكاتب ثلاث شخصيات لكل منها دلالة تاريخية ونفسية مختلفة، المتنبى، والمعتصم هارون الرشيدى، والمعتز بالله.

العالم الخاص للمرأة

من أوراق “مرأة تنتظر” قسم الكاتب القصة إلى ورقات وقد استطاع الدخول إلى عالم المرأة وهى ظاهرة من حيث نجاح الأدباء “في الدخول إلى العالم الخاص للمرأة بنما لم تنجح المرأة “في كشف أحاسيس الرجل بنفس الدقة، يا أيها الرجل الذى ينام “في ذاكرتى ويبحر “في أعصابى ويسبح “في شرايينى وأوردتى، وحين تقول أرانى معك وحدك أكلم بعض وأتماسك وأشعر بمدى ضع”في وأضمحلال معار”في وتجاربى أمامك أسألك وأنت المجرب فتجيب بوثوق وهدوء.

والسؤال هل هذه عقلية امرأة أم أنها صورة يحددها الرجل بما يجب أن تكـون علـيه الـمرأة فهناك تناقض بين تلك الصورة وصورة المرأة المتمردة، التى ترقص منشية داخل الحلبة يصفق لها الجميع رغـم أنهـا نفس المرأة.

أما الطريف “في قصة تقع “في 9 أسطر وتعد من أجود قصص المجموعة وهى تنتهى بمفاجأة مثيرة تجبرنا على إعادة قراءة القصة مرة أخرى، ومع ذلك لا تستطيع حذف حرف فيها وفيها نرى الصراع ضد السلطة، إذا أقتربوا منك والتفوا حولك وحاصروك لا تبال أصرخ فيهم، تزيدهم رهبة منك، لا تخشى العصى التى “في أيديهم، وهكذا نكتشف أن الخوف أصبح زاد السلطة مهما تكن.

الهزيمة

أكثر قصص المجموعة إثارة وإنسانية وعمق، استخدم خالد غازى السرد المباشر والحكى على لسان بطلى القصة “ملعون جمال ومال زوجتى”، قابلته زوجته صرخت “في وجهه أين كنت، وخلال القصة يحاول البطل أن يثأر لذاته من جمال ومال زوجته، ولكن لا يستطيع ونجح القاص “في رسم الصراع داخل البطل، و”في  نفس الوقت نجح “في رسم شخصية زوجته السليطة بجمله  واحدة غاية “في الذكاؤ “أين كنت” إن قصة الهزيمة من أرق وأجمل قصص المجموعة وأكثرها بساطة وعمق أنسانى.

حين يغير الماضى ألوانه

تبدأ القصة بحكمة صينية قديمة والحكمة خلاص التجربة وقد يكون من المفيد أن تأتى بعد نهاية القصة لكن أن تأتى الحكمة “في البداية فأنها تعطى القارئ إشباع أجدر أن يأخذه من سطور القصة و”في البداية أعتمد الكاتب على شكل الحدوته. “سأصارحك بكل حقائق حياتى سأرويها لك”، ثم يضع الكاتب عناوين لصفحات القصة، قالت الأم، قال العرب القدامى، مستفيداً بذلك من شكل التحقيق الصح”في، وبعدها ينتقل الكاتب إلى شكل السيناريو، المشهد 1 أمام باب الشقة إلى أن نقل المشهد الرابع على باب الشقة حتى نهاية القصة التى تؤكد على الحكمة الصينية التى ذكرها الكاتب “في البداية “لا تقتل خصمك وأنما أجلس على حافة النهر وأنتظر وسوف ترى جثته طافية فوق الماء”.

مصطفي سليم 

مجلة ” أدب ونقد”