محنة مرسي… محنة مصر

 

د. خالد غازي   

في خضم حماستكم في إصدار القرارات وإطلاق الاتهامات والعودة للطوارئ، عليك يافخامة الرئيس أن تسأل نفسك: إلى أين تتجه مصر؟ وماذا لو استمرت الأزمة؟

عندما انطلقت الشرارة الأولى لنجاح ثورة يناير كان خيار الشعب بين معسكرين.. الأول التمسك ببقاء نظام ديكتاتوري فاسد متغلغل في كافة مؤسسات الدولة بقبضة حديدية.. والثاني هو الانحياز للثورة من أجل التغيير والرغبة في القضاء على الفساد بمختلف صوره والانتقال إلى حكم ديمقراطي حقيقي.. واختار الغالبية من الشعب خيار الثورة والتغيير؛ رغبة في غد أفضل.. وبعد مرور عامين على الثورة.. ماذا جني الشعب من أحلامه؟

جاء الاخوان المسلمون إلى الحكم في توقيت انتظروه عقودا وحلما راودهم وسعوا إليه منذ عام 1928 وكأن الثورة ثورتهم وحدهم.. ومصر غنيمتهم.. لقد أرادوا كل شيء.. أرادوا إدارة مصر وحدهم؛ دون مشاركة أحد لهم فهم يرون أن من يعارضهم يعارض الاسلام وهو إما ليبرالي عميل أو خائن مأجور (اتهامات أبشع مما كان يوجهها النظام السابق لهم).. لقد انتظروا اللحظة المناسبة للانقضاض على كل شيء.. أرادوا مجلس الشعب لهم.. ومجلس الوزراء.. والمؤسسات الحكومية والاعلامية.. والرئاسة.. ووضعوا الدستور الذي يروق لهم؛ دون توافق وطني عليه..ويسعون سعيا حثيثا لأخونة كل مؤسسات الدولة.. وتنحية كل معارضيهم بالقول والفعل.. والانتقام من كل صاحب رأي أو فكر أو قلم شريف.. وطبقوا مبدأ “من ليس معنا فهو ضدنا”.

والنتيجة حتى الآن بعد مرور نحو ستة أشهر من اعتلاء الرئيس الاخواني مرسي الرئاسة.. هو الفشل الذريع في كل شيء.. سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا.. وماذا بعد؟

المشهد السياسي اليوم ملتبس وغائم.. من الذي جعله يبدو هكذا؟ من الذي جعل الأمور تصل إلى التأزم؟ كيف نفهم الاحتفالات بذكرى الثورة وتزامنها مع صدور أحكام بالاعدام على متهمين في مذبحة بور سعيد الكروية.. ورفض الناس لأحكام القضاء!

كيف نفهم الرئيس مرسي الذي دعا في خطابه في ذروة أزمة الذكرى الثانية للثورة باحترام أحكام القضاء وهو نفسه لم يحترم القضاء؛ وقام من قبل بتحصين قراراته من الطعن عليها دستوريا.. ومنع أتباعه وجماعته قضاة المحكمة الدستورية العليا من الدخول إليها.

كيف نفهم الرئيس مرسي والذي دعا وهو نائب برلماني سابق لإلغاء قانون الطوارئ.. ويذهب وهو رئيس لمصر لإحياء قانون الطوارئ؟

كيف نفهم وعد الرئيس مرسي أنه حال فوزه في الانتخابات الرئاسية سيشكل حكومة ائتلافية؟ أين هي تلك الحكومة؟ لو راجعنا تصريحات السيد الرئيس وقيادات الاخوان لوجدناها جميعا تصريحات وقتية ووعود لا أكثر.. وأنها شريط يكرر نفسه دون تنفيذ على أرض الواقع.

من الغباء أن نقول أن توقيت الحكم على المتهمين في مجزرة بورسعيد التي أدوت بحياة 74 شخصا لم يكن مختارا ومقصودا؟! ومن الغباء أيضا القول أن تأجيل الحكم على المتهمين التسعة من رجال الأمن لم يكن مقصودا! لتلافي غضب الشرطة في هذه المرحلة وللزج بهم كبش فداء لنظامه وسياسته أمام المتظاهرين والمحتجين؛ علما أن مسؤولية مذبحة بور سعيد ليست مسؤولية المشجعين فقط بل مسؤولية الدولة والأمن الذي أظهر عجزا غريبا!

مصر اليوم.. تقف على شفا فوضى سياسية وأمنية واجتماعية.. من يدفع ثمنها سوى شعبها؟

لكن علينا أن نفهم جيدا تصريحات وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح السيسي التي يحذر فيها “كل الأطراف” من ضرورة معالجة الأزمة لتجنب “عواقب وخيمة” تؤثر على “استقرار الوطن” وقد تؤدي إلى “انهيار الدولة”.. و”أن التحديات والإشكاليات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية التي تواجه مصر حاليا تمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر وتماسك الدولة المصرية وأن استمرار هذا المشهد دون معالجة من كافة الأطراف يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر على ثبات وإستقرار الوطن”.. كما أن “محاولة التأثير على استقرار مؤسسات الدولة هو أمر خطير يضر بالأمن القومي المصري ومستقبل الدولة إلا أن الجيش المصرى سيظل هو الكتلة الصلبة المتماسكة والعمود القوي الذي ترتكز عليه أركان الدولة المصرية، وهو جيش كل المصريين بجميع طوائفهم وإنتماءاتهم”.

وشدد على أن “القوات المسلحة تواجه إشكالية خطيرة تتمثل في كيفية المزج بين عدم مواجهة المواطنين المصريين وحقهم فى التظاهر وبين حماية وتأمين الأهداف والمنشآت الحيوية والتي تؤثر على الأمن القومي المصري وهذا ما يتطلب الحفاظ على سلمية التظاهرات ودرء المخاطر الناجمة عن العنف أثناءها”.

نعم.. هناك من يريد تدمير مصر سواء أكان في السلطة أو المعارضة.. وعلينا أن نسأل السيد الرئيس لماذا الاصرار على سد أفق التفاهم بينك وبين المعارضة؟ وماذا يمثل مكتب ارشاد الاخوان المسلمين للرئيس ولمصر؟

عليك يافخامة الرئيس أن تسأل نفسك: إلى أين تتجه مصر؟ وماذا لو استمرت الأزمة؟