مكائد السياسيين.. خداع بلا حدود

د. خالد محمد غازي

الكذب دائما مثير؛ لأنه يقلب المعاييروينفي الحقيقة ؛ لكن مع الاسف عمره قصيرة .. والدسائس شيقة جدا ونسجها يحتاج الي مخيلة خصبة للانسان ؛ وفي (السياسة) استخدمت الدول و أجهزة المخابرات هذه الصفات بوظائفها المتعددة ؛ لا لشئ الا لتغييب الحقيقة ولصرف الناس عنها حتى تحجب عنهم .. ما الدسيسة وما الخديعة الا صناعة البشر .. فالدس – كما تذكر المعجم العربية – يعني ادخال الشئ .. دَسَّه يَدُسُّه دَسّاً فانْدَسَّ ؛  وقيل: دَسَّاها جعلها خسيسة والدَّسِيسُ إِخفاء المكرِ.. والدَّسيسُ من تَدُسُّه ليأْتيك بالأَخبار .. الدَّسُّ: الإِخْفَاءُ، ودَفْنُ الشيءِ تحتَ الشيءِ،

ومن المؤكد أن صناعة السياسة مثلها مثل صناعة النجاح فى العالم تغلفها أحقاد بلا حدود، لكن في السياسة تكون الموضوعات أكثر إثارة للجدل والاهتمام، نتيجة البحث عن نفوذ وقوة استراتيجية وعسكرية ، يمكن خلالها البقاء فى عصر النووى والبيولوجي والفسفوري .

 

(1)

تشكل برامج السياسة الأساس الأول الذى يبنى عليه جدول أعمال الدول، وعلاقتها بالأخرى ، والدبلوماسية هي احدي أدوات السياسيين للوصول الي الغاية المبتغاة ؛ وتعكس طبيعة الدورالذي تلعبه لأجل هدف ما ، وفى الوقت الراهن توجد دول تؤكد خيار “عدم الانحياز” ؛ في حين أن دولا أخرى ما زالت تختار مبدأ الانحياز، واعتمدت رهان الانضمام إلى الأحلاف الدولية التي تقودها الدول الكبرى، التي وظفت برامجها على الإساءة للرموز الوطنية والزعماء بشتى السبل ؛ لحشد الأصوات المناهضة لسياساتها والتشكيك في نزاهتها .. وقد تنوعت تلك البرامج فى أسلوبها ؛ لكنها اتفقت فى غاياتها، فالتاريخ يرصد كثيرا من الأحداث التى نسبت لزعماء سياسيين بارزين من دول العالم، تنوعت بين فضائح سياسية ومالية وجنسية وإحراز أسلحة محرمة دولياً، أو حتى خطط ترسمها الأحزاب للتأثير في بعضها البعض، مثل الحروب الضارية التى نشبت بين الحزبين الديموقراطى والجمهورى فى الولايات المتحدة الأمريكية، منذ الربع الأخير من القرن الماضى ولاتزال، فالقصد فى النهاية هو الإطاحة برموز وزعماء وتشويه صورتهم أمام الشعوب، للخروج بهم من مجد الاحترام والاعتزاز بحاكميهم إلى نقاط الضعف ولحظات الخطايا لطمس معالم وهوية ما تم وما أنجز .

 

(2)

واذا رصدنا الفضائح التى تكشف زيف وكذب السياسة ؛ والتي تدخل ضمن ما يسمي بمكائد السياسيين – الذين يمثلون أدوات – نجدها كثيرة ومتعددة على مدار الأربعين عامًا المنصرمة ، وعلي سبيل المثال تعد فضيحة “ووتر جيت”، أشهر فضيحة سياسية في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ، والتي بدأت كعملية سطو بسيطة ؛ وانتهت إلى الإطاحة بالرئيس الامريكي الأسبق “ريتشارد نيكسون”، وهو الرئيس السابع والثلاثين في قائمة الرؤساء الذين حكموا أمريكا ،  كما أزاحت الستارعن استشراء ظواهر التجسس السياسي والفساد والرشوة ، وكان ” نيكسون ” قد أعلن عشية انتخابه رئيسا لفترة ثانية عام 1972 أن هدفه الأسمى توحيد الشعب الأمريكي، لكنه فشل في ذلك، حيث أصبح أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يجبر على الاستقاله من منصبه، حيث بدأت فضيحة “ووترجيت” في السابع عشر من شهر يونيه عام 1972، عندما ألقت الشرطة القبض على خمسة أشخاص، عند محاولتهم اقتحام مقر الحزب الديمقراطي، والذي يقع مقره في مجمع ووترجيت بواشنطن، وقد ضبطت الشرطة الرجال وبحوزتهم أجهزة تنصت ومعدات لتصوير الوثائق، وقد تفاقمت الفضيحة بعد ذلك، حتي شملت مكتب التحقيقات الفيدرالي والمخابرات المركزية، ووزارة العدل ووزيرها، والبيت الأبيض، وأخيرا الرئيس “نيكسون” شخصيا ؛ وقد تبين لاحقا أنه كانت له علاقة مباشرة بالفضيحة، وكشف ذلك عن طريق تسجيلات صوتية سرية ؛ فلم يتبق له من سبيل سوى التنحي.

والآن؛ وبعد نحو 38 عاما ؛ لا تزال أحداث “ووترجيت” في ذاكرة الحياة السياسية الأمريكية ، وتظهر مدى المكائد التى دبرت باستخدام ألاعيب سياسية غير محسوبة العواقب.

 

(3)

وفى التاريخ الأمريكى أيضاً لا أحد يستطيع أن ينسى الفخ الذى رسمه الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون لنفسه، خلال علاقته الحميمة بمونيكا لونيسكي، في البيت الأبيض، فقد لعبت وسائل الإعلام – والصحافة خاصة – دوراً مبالغا فيه في إبراز وتضخيم هذه العلاقة،  فقد عملت ” مونيكا ” متدربة في البيت الأبيض، في نوفمبر 1995، واستمرت العلاقة بينهما 18 شهراً، ونجحت في جذب اهتمام وفضول الملايين في أنحاء العالم، ليتابعون تطوراتها أولاً بأول، واستثمر المغرضون ذلك ووظفوا الاعلام لأغراضهم ؛ فأسهبوا في الخوض في سيرة الرئيس الذاتية وتفاصيل حياته، وفتحت ملف مغامراته النسائية السابقة، مع نساء أخريات، مما جعل دورالنشر تنهال على “مونيكا” وتغريها بالمال وبأرقام المبيعات الهائلة ، لتظهر صورة ثوبها الأزرق وعليه آثار من بقايا الرئيس، إلى حد أن مؤسسة “جالوب” الدولية – حينها- أجرت استطلاعاً للرأي في كل من: الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا وفرنسا وألمانيا، حول سؤال: هل من الأفضل أن يستقيل الرئيس من منصبه أم يقال؟  وقامت المؤسسة بنشر التقرير الذي تضمن اعترافات كلينتون، وهو تقرير بلغ عدد صفحاته نحو 445 صفحة عبر شبكة “الإنترنت”، وانكبَّ الملايين يقرأون التقريربشغف وفضول ؛ وكأن علاقة الرئيس العاطفية ستغير من مسارات السياسة الامريكية في العالم .

 

(4)

وعلى المستوى العربى، فتظل حياة الزعيم السياسي سرا عظيما من الصعب اكتشافه، إلا أن مكائد السياسيين فى الغرف المغلقة ؛ تكشفها للعوام حتى يصير السر علنًا، ويتمكنوا من استخدامه فى الشائعات المغرضة التى تطول شخص وحياة الزعماء ، الذي يمثلون رموزا لشعوبهم ، والمثال الذي يبدو جليا على ذلك ، ما دار حول الزعيم الراحل ياسر عرفات، الذى يعد واحدًا من أبرز شخصيات الصراع العربي – الإسرائيلي المحورية، وارتبط اسمه بالقضية الفلسطينية طوال العقود الخمسة الماضية، كسياسي محنك ؛ مؤثر في الاحداث ، فهو رجل نضال ومقاومة وثورة ، صلب بالقدر الذي يضمن تماسك الساحة الفلسطينية، وديمقراطي منفتح بالقدر الذي يتيح لخصومه التعبير عن آرائهم.

الشائعات والأقاويل التي حاصرت الرئيس عرفات كشفت عن عقلية مروجيها العنصرية الحاقدة، حركتها روح انتقامية ؛ تريد الثأر منه حتي بعد وفاته، وفرضوا عليه ظروفا معيشية مهينة حاصرته حتي وافاته المنية ؛ فقيل أن ” عرفات ” ترك ملايين الدولارات مكدسة في حسابات سرية بالبنوك، ووضعته مجلة “فوربس” في المرتبة السادسة على قائمتها “لأغنى الملوك والملكات والحكام” لعام 2003، مقدرة ثروته بما لا يقل عن 300 مليون دولار ”

وكان يخشى أولئك الذين يظنون أن عرفات – الذي اشتهر بمعيشته المتقشفة – قد أخفى أموالا في حسابات سرية أن ينتهي الأمر بتلاشي بعض هذه الأموال نهائيا،  فأحد مستشاري “عرفات المقربين” قال: إن الرئيس الراحل لم يكن شخصيا يملك شيئا يذكر، وإن ما يتردد من أنباء عن أموال مفقودة لا صحة لها، متحديًا أولئك الذين يزعمون إخفاء عرفات أموالا أن يعثروا على أي أموال..

وبعد رحيل الرئيس عرفات مباشرة أكدت وزيرة الخارجية السويسرية أنه لا توجد أي معلومات تؤكد أو تشير أن للرئيس عرفات حسابات مصرفية سرية محتملة في سويسرا.

 

(5)

وان ما تعرض له العراق ؛ ألا يمثل مكيدة سياسية تم تخطيطها وتنفيذها من قبل قوي الشرالمهيمنة في العالم ؟ بدافع من مصالحها ، فأطلقت الشائعات والاكاذيب هنا وهناك واستخدمت الاعلام بكافة صوره وأشكاله ، حيث عمدت المختبرات الإعلامية الأمريكية إلى مراجعة تنقيح وتطوير أدوات الحرب النفسية، ، وهي ما يسميه المسؤلون الأمريكيون بمصطلح “الصدمة والترويع” ؛ حيث كان التخويف والكذب والمبالغة أهم الادوات للنيل من ” العراق ” بتاريخه وحضارته وثقافته .. تلك هي مكائد السياسة وفتنها التي لم نقدر لها حسابا ؛ إلا بعد أن كلفتنا دماء وأرواحا .. إنها كانت من فعل تدابير خفية على أرض بريئة وشعب برئ ؛ بتأثيرمن خداع قوي خارجية وظفت الدسائس أحسن توظيف ؛ ونحن نكاد لا نصدق ما يحدث حولنا ..

علينا – اذن – أن نلقي نظرة علي ما حدث ويحدث حولنا .. قد يساعدنا ذلك علي تقييم حساباتنا .. ونعرف من يعد الدسائس ويكيد المكائد.